ترددتُ في قبول رغبة فريق عمل «مركز عالم الآراء» في الأردن للموافقة على طلب تنفيذ استطلاع رأي الناخبين قبيل الانتخابات النيابية الأردنية التي أُعلنت نتائجها قبل أيام، وذلك لعدة أسباب ليس هنا موضع ذكرها، لكن من أهمها ضيق الوقت لإجراء استطلاعين على الأقل لضمان مقارنة بين النتائج وكيفية الاستفادة منها لمن طلبها!
على كل حال، تم تنفيذ استطلاع واحد من خلال إجراء مقابلات هاتفية مع عيِّنة ممثلة من 1537 ناخبًا يُتوقع مشاركتهم في الانتخابات، وتم جمع البيانات خلال الفترة من 1 إلى 25 أغسطس 2024م، أي قبل يوم الانتخاب بأسبوعين.
رغم ارتفاع نسبة من قالوا: «إنهم لن يصوتوا» أصلاً إلى ما يقارب الثلثين، أظهرت نتائجنا دقة في التنبؤ العام بفوز حزب جبهة العمل الإسلامي على المستوى الوطني، فقد كانت نسبة حزب جبهة العمل الإسلامي في القائمة الوطنية، حسب استطلاعنا، في المركز الأول بنسبة 5.5% من إجمالي التصويت، متقدمة على باقي القوائم الحزبية الأخرى.
هذه النتيجة ليست غريبة حينما نتحدث عن قوة وشعبية الأحزاب الأردنية مقارنة بهذا الحزب السياسي، الذي يتربع على قمة التجربة الحزبية في الشارع الأردني، وتعكس الثقة التي يحظى بها لدى شريحة واسعة من الناخبين، بالرغم مما أظهره الاستطلاع من أن البرامج الخدماتية والوطنية كانت من أهم الأسس التي يعتمد عليها الناخبون في اختياراتهم، في حين أن الحزب لا يزال يرتبط ببعده الديني والثقافي، وانسجامه مع الشارع الأردني فيما يتعلق بالمعارضة والملفات الخارجية، وعلى رأسها قضية فلسطين وغزة!
ومع ذلك، لا يمكن إغفال –حسب استطلاعنا– حقيقة أن نسبة كبيرة ممن يحق لهم التصويت قالوا: إنهم سيصوتون لكنهم لم يعلنوا عن خياراتهم الانتخابية، لا سيما في دوائر العاصمة المحلية عمَّان، وفي القوائم الوطنية على مستوى المملكة؛ ففي الدوائر المحلية، بلغت نسبة من قالوا لنا: إنهم «لم يقرروا بعد» في الدائرة الأولى عمَّان 33.3%، وفي الدائرة الثانية عمًّان 41%، وفي الدائرة الثالثة عمَّان 37.8%، أما في الدائرة الأولى إربد فكانت النسبة 25.6%، وفي الدائرة الثانية إربد 28.1%.
وفي البلقاء بلغت النسبة 27.2%، وفي الزرقاء 27.5%، وفي الطفيلة 32%، وفي العقبة 25.8%، وفي الكرك 27.6%، وفي المفرق 17.6%، وفي جرش 12.5%، وفي عجلون 25%، وفي معان 36.4%. أما في بدو الشمال فكانت النسبة 37.5%، وفي بدو الوسط 17.6%، وفي بدو الجنوب 20%.
وعلى المستوى الوطني، بلغت نسبة من «لم يقرروا بعد» لمن سيصوتون 42.5%، وهو الرقم الذي أقول بكل صراحة: إنه قد خلط أوراقنا قبل تسليم نتائج الاستطلاع بشكل حصري وعدم نشرها إلا لمن طلبها! وكما كنت أتمنى أن يقدم فريقنا رقمًا دقيقًا لنسبة التنبؤ بالنتائج، إلا أن ارتفاع هذه النسبة أفسد علينا إمكانية الحسم النهائي في النتائج، حتى لو أظهرت تقدم جبهة العمل الإسلامي، فمن المعروف في استطلاعات الرأي أن هذه الفئة المتأرجحة قد تقلب النتائج وتضعنا في موقف محرج أمام العميل، خاصة ممن لا يستوعبون خطورة ارتفاع هذه النسبة المترددة (Undecided voters)، وكما هو معروف بأن استطلاعات الرأي المتعلقة بالانتخابات هي من الاستطلاعات التي سيُكتشف نتائجها عاجلًا أم آجلًا، ولذا فهي مغامرة وحقل ألغام وبيئة مسمومة مقارنة بغيرها من أغلب استطلاعات الرأي!
ولكن الآن، بعد ظهور النتائج وما بينته من تفوق حزب الجبهة، يتضح أن ثمة مخاوف لدى بعض هؤلاء «غير المقررين» من الإعلان عن دعمهم للحزب الإسلامي، رغم شعبيته الواضحة، مع وجود أسباب أخرى مثل رفض بعض المستجيبين الإفصاح عن خياراتهم وخصوصيتهم، ولا سيما أن فريق البحث اختاروا صيغة السؤال المباشر: «ما هي القائمة التي ستقوم بانتخابها؟»، على عكس ما اقترحته عليهم وننفذه في بعض الدول مثل الكويت حينما نضع صيغة «من تحب أن تراه في مجلس الأمة؟»، أو «من تحب أن يفوز؟».
بغض النظر عن أسباب ارتفاع نسبة الخائفين أو المتحفظين من إعلان نيتهم التصويتية، وسقف الحريات المرتفع نوعًا ما في الأردن ما دون الخطوط الحمراء، فإن السياق السياسي والأمني الحساس الذي تمر به المنطقة قد يدفع بعض الناخبين إلى التحفظ في الإفصاح عن توجهاتهم نحو «الإسلام السياسي» خلال مكالمة هاتفية قد يخشون من تسجيلها.
حتى لو كانت هناك بعض التيارات الإسلامية ترفض المشاركة في الانتخابات لأسباب متنوعة، بما في ذلك أسباب شرعية وتجارب مؤلمة، فإن فوز الإسلاميين يعني أن دعم التوجهات الإسلامية يبقى سيد الموقف، وهو ما ينبغي لمن وصل للبرلمان استثماره برفع سقف المطالبات، وعدم الاكتفاء بالديكور أو الاستخدام الشكلي وتمرير القرارات الخطيرة التي تتعارض مع الرغبة الشعبية، كما يتوقع ويتحدث الكثيرون في ظل أغلبية إسلامية معارضة فرحين بها، لكنها لا تؤثر على قرارات التصويت النهائية، كما حدث في برلمانات سابقة، وبقيت أصوات الإسلاميين التي عارضت في الأرشيف!