يصيب الإدمان ما يزيد على 210 ملايين شخص حول العالم سنوياً، وفق منظمة الصحة العالمية، وتفيد الأرقام الصادرة عن المنظمة ذاتها، بأن 15.3 مليون شخص يصابون بالأمراض بسبب تعاطي المخدرات، وأن ما يقارب 200 ألف منهم يفارقون الحياة سنوياً.
لكن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة يقدم أرقاماً مخيفة، تظهر أن نحو 275 مليون شخص تعاطى المخدرات مرة على الأقل في جميع أنحاء العالم خلال العام 2016م، وأن 450 ألف شخص لقوا حتفهم جراء ذلك، وتشير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات إلى أن نسبة المدمنين على المخدرات في العالم العربي تتراوح ما بين 7-10%، وأن معظم المدمنين من فئة الشباب.
على سبيل المثال، هناك ارتفاع في عدد متعاطي المخدرات في مصـر إلى نحو 10% من السكان، وفي السودان 6 ملايين مدمن، والجزائر أكثر من 300 ألف، وهو المعدل نفسه تقريباً في تونس، بينما يوجد في السعودية 200 ألف، وفي الكويت أكثر من 40 ألفاً، وفي لبنان 24 ألفاً، وفي عُمان 5 آلاف مدمن، وفق إحصاءات صادرة عن منظمات دولية وحكومية وأهلية.
وتكمن حقيقة الأزمة في غياب إحصاء دقيق لعدد المدمنين في العالم العربي، حيث تستند الأرقام المعلنة إلى أعداد الأشخاص الموقوفين بسبب التعاطي، وهذا لا يعكس الرقم الحقيقي؛ لأن أسر المدمنين تظل أسيرة الحرج المجتمعي في الإبلاغ عن أبنائهم؛ وهو ما يعني أن الأرقام والتقديرات قد تكون مرشحة للزيادة.
المثير للانتباه، ما سجله معهد «نيدا» الأمريكي بشأن أن نحو 70% من المدمنين بدؤوا تعاطي المخدرات في سن المراهقة، وهو ما يعني أننا أمام مشكلة أكبر تتجاوز حدود وأسباب المرض؛ حيث إن جذور هذه المشكلة تضرب عميقاً في تربة الفراغ الروحي الذي يعاني منه شبابنا، فكيف لنا أن نلوم الشاب الذي لم يتذوق حلاوة الإيمان ولم يستشعر لذة القرب من الله تعالى أن يبحث عن ملاذ في عالم المخدرات المظلم ولو كان وهمياً؟
إن الابتعاد عن منهج الله تعالى هو السبب الحقيقي وراء الضنك النفسي الذي يدفع بالكثيرين إلى هاوية الإدمان، بينما لا يزال بعض من يدّعون الحداثة والتقدم يروجون لفكرة أن تعاطي المخدرات نوع من الحرية الشخصية، بل إن بعضهم يدعو إلى السماح بها قانوناً لتكون بسماحية الدولة كما تفعل بعض دول أوروبا.
وهنا نتساءل: أي حرية تلك التي تجعل الإنسان أسيراً لمادة كيميائية تسلبه عقله وإرادته؟ ومتى كانت قوانين أوروبا وأمريكا مرجعية أمة الإسلام؟! إن الإسلام، بمنهجه الرباني حرم كل ما يؤثر على العقل، باعتبار أن حفظه أحد مقاصد الشرع الخمس؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ» (رواه مسلم).
كذلك، كم من فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني يعرض صور تعاطي المخدرات على أنه مظهر من مظاهر الرقي والتحضر! وكم من منصة إلكترونية سهلت التواصل بين المروجين والضحايا! لذا يجدر بنا كمجتمعات مسلمة أن نقف صفاً واحداً في وجه هذا الغزو الثقافي الذي يستهدف قيمنا وأخلاقنا.
إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي المرير في عديد البلدان العربية والإسلامية يمثل مرتعاً خصباً لهروب بعض الشباب من واقعهم عبر تعاطي المخدرات، أو بحثاً عن حلول سريعة لمشكلاتهم النفسية والاجتماعية، وهو ما لا يمكن علاجه فقط بتقديم برامج العلاج المادي التي تتناول العرض وتتجاهل أصل المرض.
لا يمكن مكافحة الإدمان بين شبابنا بنجاعة دون القضاء على المنابع النفسية والاجتماعية الدافعة للهروب إلى المخدرات والمسكرات، وهو ما يرتبط بتحسين حياة هؤلاء الشباب في شبكات علاقاتهم جميعها، وعلى رأسهم علاقتهم بربهم، التي هي السبيل الوحيد لمواجهة ضغوط الحياة ومصاعبها بدلاً من الهروب منها.
هذا المعنى هو ما أشار إليه القرآن الكريم في معرض وصف فالصلاة، فهي ليست مجرد حركات بدنية، بل هي صلة الروح بخالقها عز وجل، التي تمنح المؤمن السكينة والطمأنينة؛ (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد: 28)، ولو أننا علمنا شبابنا عباداتهم بهذا المعنى لما وجد أي منهم خواء روحياً.
لقد تحول الإدمان في عديد البلدان الإسلامية إلى وباء بكل أسف، ولا سبيل للنجاة منه بمجرد سن القوانين الصارمة على أهميتها، بل السبيل في إعادة بناء الشباب من الداخل، ومصالحتهم على قيم دينهم، وفتح آفاق جديدة لهم من أجل العمل والإبداع والزواج.
أين دور الأسرة المسلمة في حماية أبنائها؟ وأين تلك التربية الإيمانية التي تغرس في نفوس أبنائنا الوازع الديني والأخلاقي؟ لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من التقصير في هذا الواجب العظيم بقوله: «كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ» (متفق عليه).
إن شمولية المنهج في التعامل مع حالات الإدمان، بحيث يجمع بين العلاج الطبي والنفسي من جهة، والتأهيل الروحي والأخلاقي من جهة أخرى، هي الطريق نحو انتشال جسد أمتنا من هذا السرطان، فالمدمن ليس مجرد جسد يحتاج إلى علاج، بل هو إنسان له روح تحتاج إلى غذاء الإيمان ودفء الرحمة.
فلنبدأ حملة تكافح سرطان الإدمان انطلاقاً من هذا المبدأ، فالطريق إلى السعادة في الدارين لا يمر عبر أوهام المخدرات، بل عبر الإيمان بالله والعمل الصالح، واستشعار حلاوة القرب من خالق الروح.