منذ قيام الكيان الصهيوني، اعتمد الاحتلال على سياسة الاغتيالات كأداة لقمع المقاومة الفلسطينية وكسر إرادة الشعب المناضل، استهدفت هذه السياسة القادة الذين قادوا مسيرة الكفاح المسلح منذ بداياتها، في محاولة لإجهاض الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال تصفية قياداتها، ومع ذلك، وعلى مدار عقود طويلة من هذه الجرائم، لم تنجح «إسرائيل» في تحقيق أهدافها، فلم تثنِ هذه الاغتيالات الشعب الفلسطيني عن مواصلة مسيرته التحررية، بل زادته إصرارًا على المضي قدمًا نحو التحرير الكامل.
إن هذه الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في حق قادة المقاومة، من الشيخ أحمد ياسين، ويحيى عياش، إلى أبو علي مصطفى، وأحمد الجعبري، لم تضعف الروح الثورية في الشعب الفلسطيني، بل كانت الشرارة التي أشعلت مزيدًا من النضال والتضحية، كل عملية اغتيال كانت بمثابة إعلان لتصعيد العمل المقاوم، سواء من خلال العمليات العسكرية النوعية أو من خلال توحيد الصفوف وتعزيز قوة الفصائل المقاومة، فالاغتيالات، التي يُفترض بها إضعاف المقاومة، باتت عنصرًا من عناصر تحفيز النضال وزيادة صلابة المشروع الوطني التحرري.
وما زالت «إسرائيل» في كل مرة تقوم باغتيال قائد فلسطيني تظن أنها بذلك تنهي صفحة من صفحات المقاومة، لكنها في الواقع تفتح فصلاً جديدًا من الصراع، فعندما اغتالت الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، كانت تعتقد أنها ستقضي على قوة الحركة، لكنها فوجئت بردود فعل غير متوقعة على الصعيدين الشعبي والمقاوم، على العكس من التوقعات «الإسرائيلية»، شهدت حركة «حماس» صعودًا قويًا في صفوفها، وأصبح الالتفاف الجماهيري حولها أكثر قوة، ولم يقتصر هذا الرد على «حماس» فحسب، بل امتدت تداعيات هذه الاغتيالات إلى كافة الفصائل الفلسطينية التي رأت في دماء ياسين رمزًا للوحدة وللثبات على طريق المقاومة.
وهذه السياسة «الإسرائيلية» ليست جديدة؛ فالكيان الصهيوني لجأ إليها منذ تأسيسه، وكانت إحدى أدواته لتصفية الحسابات مع القادة الفلسطينيين الذين اعتبرهم عقبة أمام مشروعه الاستعماري، وقد تركزت هذه الاغتيالات في مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني، وكانت دائمًا تستهدف القادة الذين يتمتعون بتأثير كبير في الشارع الفلسطيني، لكن الشعب الفلسطيني أدرك منذ البداية أن الاغتيال جزء من حرب أوسع تُشن عليه، وأن المواجهة يجب أن تستمر رغم كل محاولات التصفية الجسدية.
فإن القيادات الفلسطينية التي استُهدفت بالاغتيال لم تكن فقط قيادات سياسية أو عسكرية، بل شملت أيضًا مفكرين وقادة رأي، لأن «إسرائيل» تدرك أن الفكرة أقوى من الرصاصة، وأن وجود قيادات مؤثرة يشكل خطرًا على مشروعها، ولذلك، حاولت من خلال الاغتيالات القضاء على هؤلاء الأفراد، على أمل أن تخفت نار المقاومة، لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا؛ فكلما تم اغتيال قائد فلسطيني، برزت قيادات جديدة تحمل الراية وتواصل المسيرة، لقد تحول كل شهيد إلى رمز، وأصبح استشهاده مصدر إلهام للأجيال الجديدة التي تشبّ على حمل السلاح والمضي في طريق التحرير.
هذا الواقع يُظهر بوضوح أن «إسرائيل» فشلت في تحقيق أهدافها من خلال سياسة الاغتيالات، فالشعب الفلسطيني، الذي خسر العديد من قادته، لم يتراجع، بل وجد في دمائهم دافعًا للاستمرار.
إن القيادات التي اغتيلت مثل أبو علي مصطفى، ويحيى عياش، وأحمد الجعبري، لم تكن نهاية للمقاومة، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من الصمود والتحدي، هؤلاء الشهداء شكلوا رموزًا للثورة، وكانت دماؤهم تروي شجرة الحرية التي تظل مثمرة ما دام هناك احتلال.
في كل مرة تقوم فيها «إسرائيل» باغتيال قائد، تعتقد أنها بذلك تقضي على الفكرة، لكنها تتجاهل حقيقة أن الثورة الفلسطينية ليست مرتبطة بأشخاص أو قيادات، بل هي حالة جماعية تترسخ في وجدان الشعب الفلسطيني، فالمقاومة التي قادها الشهداء، مثل أبو جهاد، وأبو إياد، استمرت بعد استشهادهم، بل ازدادت قوة وزخمًا، وكل قائد جديد يتم اغتياله يكون بمثابة زادٍ للثورة، حيث يتعهد من يأتي بعده بحمل الراية حتى النصر.
هذه الاستمرارية في النضال تُظهر أن الفلسطينيين لا يعتمدون على الأفراد في معركتهم ضد الاحتلال، بل يعتمدون على الوحدة الشعبية والتفاف الجماهير حول مشروعهم الوطني، فالاغتيالات، مهما كانت موجعة، لم تنل من عزيمة الشعب، بل على العكس زادته قوة وإصرارًا.
إن هذه المقاومة التي تمتد عبر الأجيال تؤكد أن القضية الفلسطينية ليست قضية زمنية أو ترتبط بجيل معين، بل هي قضية أمة بكاملها، وأن دماء الشهداء تُبقي جذوة المقاومة مشتعلة في صدور الشباب.
وعلى المستوى السياسي، تسعى «إسرائيل» من خلال الاغتيالات إلى نشر الرعب داخل الصفوف الفلسطينية، لكنها تفشل في تحقيق هذا الهدف، فالقيادات الفلسطينية، رغم علمها بأنها مستهدفة، تواصل العمل من أجل حرية شعبها دون تردد، هذا الثبات يعكس روح المقاومة التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الهوية الفلسطينية، ويؤكد أن الاحتلال لا يستطيع القضاء على فكرة التحرر مهما بلغت قوته العسكرية.
إن الاغتيالات «الإسرائيلية» كانت دائمًا رد فعل على تصاعد المقاومة المسلحة، فكلما ازدادت العمليات الفدائية التي تُنفذها الفصائل، كانت «إسرائيل» تسارع إلى اغتيال القادة العسكريين والسياسيين، لكن هذه الردود القمعية لم تثنِ المقاومة عن الاستمرار، بل كانت تزيد من تصميم الشعب الفلسطيني على المضي قدمًا نحو التحرير، فالعمليات التي نُفذت ردًا على الاغتيالات، مثل العمليات النوعية التي نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عقب اغتيال أبو علي مصطفى، أثبتت أن المقاومة قادرة على الرد بقوة، وأن الاحتلال سيدفع ثمن جرائمه.
في خضم هذا الصراع الطويل، يظل الشعب الفلسطيني متمسكًا بحقه في المقاومة بكل أشكالها، ويُدرك أن التحرير لن يتحقق إلا من خلال الكفاح المستمر، فالاغتيالات التي تطال القادة والرموز لن تنال من عزيمة الشعب، بل ستزيد من إصراره على مقاومة الاحتلال حتى آخر نفس، إن دماء الشهداء ستظل تروي شجرة النضال حتى يتحقق حلم الحرية والانتصار.
وفي النهاية، لا شك أن «إسرائيل»، التي فشلت في كسر إرادة الفلسطينيين من خلال الاغتيالات، ستدرك أن سياستها هذه لن تُحقق أهدافها، فالتحرر قادم لا محالة، والشعب الفلسطيني الذي يواصل تقديم التضحيات لن يتراجع حتى استعادة كامل حقوقه الوطنية، مهما كانت شدة القمع والاغتيالات، فإن الثورة الفلسطينية ستستمر، وستظل دماء الشهداء هي الوقود الذي يُشعل نار التحرير.