على الرغم من تنوع المسارات التي تناولها المؤتمر السابع حول «تصدعات الصراع في الشرق الأوسط»، فإن القضية الفلسطينية بقيت الهمّ الرئيس لدى الباحثين، حيث شكلت محورًا مشتركًا في جميع النقاشات.
وقد عُقد المؤتمر في 15-16 أكتوبر 2024م، في جامعة إسطنبول جيليشيم، وتنوعت أبحاثه بين الجوانب السياسية والاقتصادية.
فقد قدم البروفسير شانول دورجن، أستاذ السياسة الدولية بجامعة جيلشيم، ورقة بعنوان «الشرق الأوسط في سياق نظام السيادة العالمي»، مؤكداً فيها أن وجود القدس كاف للصراع الحضاري، فهي ملتقى ثقافات، وقد احتلها عدد من الدول عبر التاريخ، وبعد انهيار الدولة العثمانية صار الكيان الصهيوني وكيلاً للغرب لدرجة أن أمريكا لم تعد تهتم بهويته.
شرق أوسط مفخخ
وفي ورقته بعنوان «الشرق الأوسط مفهوم استعمار نشأ في مختبرات الاستشراق»، شن د. سيف الدين عبدالفتاح هجوماً على مصطلح ومفهوم الشرق الأوسط، واصفاً إياه بالمفخخ والمسكون بالتطبيع، مؤكداً أنه مشروع لا مفهوم، وعلينا مجابهته بمشروع يستلهم «طوفان الأقصى» محفزاً على إدراك اللحظة واقتناص الفرص فهناك أولًا: الفرصة الحضارية والمقاومة الحضارية الشاملة.
وأشار إلى أن هناك الفرصة العقدية وبناء رؤية متماسكة لصراع الأمة مع الكيان الصهيوني، لافتاً إلى أن معركة «طوفان الأقصى» قدمت نموذجًا يحتذى لبناء رؤية عقدية متكاملة تتمسك بالمقاومة، متمثلًا عقيدة العمل الإيماني الفاعل والمثمر دون انتظار نتائج مباشرة.
وأضاف د. عبدالفتاح: هناك الفرصة القيمية والدعوة لقيم الإسلام مقارنة بتآكل قيم الحضارة الغربية على الأرض وفي الميدان.
فرصة النموذج الحضاري الإسلامي مثل «طوفان الأقصى» فرصة للنموذج الحضاري المتكامل للرؤية الإسلامية، كما قدم السابع من أكتوبر فصلًا جديدًا ملحميًا من مسيرة تصفية الاستعمار الطويلة والعنيدة، وإحدى معاركها الكبرى والاستثنائية، ويمكن لما شهدناه في غزة والضفة الغربية، ولا نزال نشهده من نجاح فئة قليلة من مقاتلي الفصائل من زحزحة اللوائح التكتونية الساكنة، وتغيير موازين القوى، أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط الجيوسياسي ويشكل فصلًا جديدًا من مسيرة تصفية الاستعمار الطويلة.
واستفاض عبدالفتاح حول الفرص السياسية والإستراتيجية.
فرص النهوض مع البركان
وقال د. عبدالفتاح: إن هناك فرصاً مواتية منها الفرصة الجغرافية ومعركة القدس و«الأقصى»، فقد أثبتت «طوفان الأقصى» نظرية المستشار طارق البشري «الوعاء الجغرافي»، الذي أكد أن فلسطين هي وعاء القدس وحاملتها، بل إن القدس هي هوية فلسطين.
وحول الفرصة السياسية، قال د. عبدالفتاح: رغم الحصار والدمار فقد امتلكت «طوفان الأقصى» فرصة سياسية ذات قيمة عالية تجلت في مستويات عدة سواء محلية وداخلية، أو إقليمية ودولية أو حضارية أممية، فقد كانت هذه الإنجازات التي حققتها المعركة سواء يوم السابع من أكتوبر، أو ما لحقها من صمود تاريخي، نبراسًا على ما امتلكته «طوفان الأقصى» من قيادة ومقاومة وشعب يؤمن بذاته ووطنه وهُويته، باذلًا كل غالٍ ونفيس في سبيل حمايته والدفاع عنه.
فقد منحت «طوفان الأقصى» القضية الفلسطينية الفرصة السياسية التاريخية ولأول مرة من خلال قرار إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف رسميًا بالدولة الفلسطينية، وقد أثبتت المعركة أن الحرب الدائرة هي الحل الوحيد؛ لإقامة الدولة الفلسطينية وتطبيق القانون الدولي تجاه القضية الفلسطينية، «طوفان الأقصى» رفعت القضية الفلسطينية لمستوى غير مسبوق عالميًا، وفتحت الباب لتجسيد الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في دولته على أرضه وترابه.
وأشار إلى الفرصة الثقافية وجرائم التطبيع، فكشفت المعركة جريمة التطبيع، ومحاولة استرضاء «إسرائيل»، كما كانت أيضًا فرصة لإدانة ظاهرة «التصهين» وتحديد طبيعة الظاهرة وكشفها للرأي العام.
وعن الفرصة التاريخية والخطاب الكوني، قال د. عبدالفتاح: أصل القضية إعادة تشكيل الذاكرة، موضحاً أن «طوفان الأقصى» فضحت كل الدعاية السوداء التي كانت تنال من الفلسطينيين سواء باتهامهم بأنهم فرطوا في أرضهم، أو أنهم سعوا إلى هجرها.
وقال: إن التضحيات العميقة التي يقدمها الشعب الفلسطيني تثبت عكس ذلك تمامًا، وإن هذا الشعب يتمسك بأرضه ووطنه حتى على حساب حياته وكل ما يملك.