جاء رجل إلى سقراط الفيلسوف اليوناني الشهير يريد أن يخبره شيئاً عن أحد تلاميذه، فطلب منه سقراط أن يجيب أولاً عن اختبار من ثلاثة أسئلة:
1- هل أنت متأكد من صحة ما ستقوله؟
فأجاب الرجل: لا.
2- هل ما ستقوله خير؟
فأجاب الرجل: لا.
3- هل ما ستقوله مفيد؟
فأجاب الرجل: لا.
هنا قال سقراط: خبر لست متأكداً منه، وليس فيه خير، وغير مفيد لا يهمني سماعه.
لو كان لسقراط حساب على مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة لوجدته خالياً من كثير مما نراه اليوم، فهو حريص ألا يستمع إلى خبر غير مؤكد وليس فيه خير أو فائدة، ومؤكد أنه ينسحب على النشر أيضاً.
سقراط يعبّر عن رأي المنطق هنا، ولكن ليس المنطق وحده ما يمنع تداول الأخبار غير المؤكدة وغير المفيدة، بل الأخلاق بالدرجة الأولى لا تسمح بهذا؛ ولو سألت شخصاً لم يجد إلى تحصيل العلم سبيلاً لكان يحمل نفس الرأي بفطرة ربّانية.
يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع».
فقط قم بجولة على منصات التواصل الحديثة وستجد ما تشمئز منه نفسك -إلا ما رحم ربي- من تضليل وكذب وتدليس وفضائح وأمور ما أنزل الله بها من سلطان؛ فقد غابت الرقابة الشخصية على الأقوال والأفعال، وصار الناس يبحثون عن الظهور ولو على حساب القيم، بل وحتى لو كان ما ينشرونه يؤذي الآخرين ويجرح مشاعرهم ويسبب لهم الضيق والكدر والخوف والحزن والقلق، وقائمة طويلة من الأذى الذي يسببه ما ينشره العابثون.
عزيزي القارئ، ربما تقول لي: إنك محصّن ضد هذا الإسفاف ولا تضيرك هذه السموم لأنك على قدر كبير من الوعي، وهنا سأتفق معك، ولي رأي أرجو أن تستسيغه مسامعك.
تحتل هذه المنصات الحديثة حيزاً كبيراً من حياتنا من حيث ندري ومن حيث لا ندري، وليس كل مرتادي هذه المنصات على درجة الوعي ذاتها؛ فهنالك المراهق والطفل وجزء من البالغين الذين لا يمتلكون القدرة على التمييز بين الغث والسمين، وهذا ما يحتاج منّا وقفة جادة للتوعية والإرشاد.
الخطوة الأولى: نبدأ بأنفسنا.