في الـ17 أكتوبر من كل عام، يحتفل العالم بـ«اليوم الدولي للقضاء على الفقر»، وهو مناسبة عالمية لتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها الملايين ممن يعيشون تحت خط الفقر، ودعوة لجميع الدول والمجتمعات لتعزيز الجهود نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والتخفيف من المعاناة الإنسانية.
ويتناغم هذا التوجه مع المبادئ الإسلامية السامية، التي تشدد على أهمية التكافل الاجتماعي ورعاية الفقراء والمحتاجين، وهي قيم مركزية نجدها في كثير من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ويُذكّرنا القرآن الكريم في آياته بواجبنا تجاه الفقراء، حيث يقول الله تعالى: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات: 19).
ويعد هذا الحق واجبًا اجتماعيًا وشرعيًا يعكس مفهوم الزكاة والصدقة كمؤسسة تكافلية تهدف إلى تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي، فقد أقرّ الإسلام مبدأ الزكاة لتوزيع الثروات بما يسهم في التخفيف من الفقر ويمنح الفقراء والمحتاجين أملًا في حياة كريمة ومستقرة.
ولقد حثَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة على مساعدة الفقراء وعدم تركهم في العوز، حيث قال: «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به» (رواه الطبراني)، ويؤكد هذا الحديث الشريف أهمية التضامن الاجتماعي والمسؤولية المجتمعية تجاه المحتاجين، إذ إن التكافل يعكس أخلاق الإسلام وقيمه في تعزيز العدالة وتحقيق التوازن بين أفراد المجتمع.
اليوم الدولي للقضاء على الفقر وأهداف التنمية المستدامة
يأتي هذا اليوم العالمي متسقًا مع أهداف التنمية المستدامة التي اعتمدتها الأمم المتحدة، التي من أبرزها الهدف الأول الذي يدعو إلى «القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان».
فيُعتبر القضاء على الفقر إحدى الركائز الأساسية للتنمية الشاملة، إذ يرتبط بتحقيق الأهداف الأخرى كالتعليم الجيد، والصحة الجيدة، والمساواة بين الجنسين، وتحقيق النمو الاقتصادي الشامل، فالفقير الذي يحظى بفرص تعليمية وصحية وفرص عمل مناسبة يساهم بدوره في تطوير المجتمع ورفع مستوى معيشته، وهو ما يتفق مع رؤية الإسلام في تمكين الفقراء وإعطائهم فرصًا لبناء حياة كريمة ومستقرة.
وتؤكد الأمم المتحدة من خلال هذا اليوم ضرورة العمل الجماعي لتعزيز فرص الوصول إلى الموارد والفرص، مع التأكيد على تعزيز التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة، فالقضاء على الفقر ليس فقط مسألة اقتصادية، بل مسألة عدالة إنسانية، ومن هذا المنطلق، يظهر التقارب بين تعاليم الإسلام والأهداف العالمية التي تسعى لتحقيق التنمية الإنسانية والاجتماعية.
دور المجتمعات الإسلامية في مكافحة الفقر
إن الإسلام يشدد على أن المجتمع كله مسؤول عن مواجهة الفقر، ليس فقط من خلال الزكاة والصدقات، بل عبر الاستثمار في التعليم والتدريب وخلق فرص العمل وتمكين الأسر المحتاجة.
فالتعليم يعتبر أحد أهم السبل للقضاء على الفقر، إذ يُسهم في تطوير مهارات الأفراد وتوسيع مداركهم بما يمكّنهم من تحسين أوضاعهم الاقتصادية؛ وفي هذا السياق، نجد الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة»، ليكون العلم مفتاحًا من مفاتيح تحقيق التنمية البشرية وإيجاد فرص للخروج من دائرة الفقر.
كما يتطلب مكافحة الفقر توفير الدعم للأسر والأفراد الأكثر احتياجًا لتوفير سبل العيش الكريم لهم؛ وفي هذا الصدد، تسعى المنظمات والجمعيات الخيرية في العالم الإسلامي لدعم الأسر الفقيرة من خلال مشاريع تنموية تهدف إلى توفير دخل مستدام لهم، كالمشاريع الصغيرة وبرامج التدريب المهني، التي تتفق مع الهدف الأممي المتمثل في «تشجيع العمل اللائق والنمو الاقتصادي».
رسالتنا في «اليوم الدولي للقضاء على الفقر»
إن العمل على محاربة الفقر لا يتطلب فقط جهودًا حكومية أو قرارات أممية، بل هو واجب جماعي يحتاج لتضافر الجهود من كافة أفراد المجتمع، ومن خلال تبني التعاليم الإسلامية المتعلقة بالتكافل الاجتماعي وتعزيز الوعي حول أهمية دعم الفقراء، يمكننا المساهمة في تحقيق تنمية مستدامة لا تستثني أحدًا، وتجعل من مجتمعنا مجتمعًا متكافلًا يدعم الضعيف ويقوي الأواصر بين أفراده.
ففي هذا «اليوم الدولي للقضاء على الفقر»، نسعى جميعًا إلى تعزيز روح التعاون والتكافل، وإلى دعم المبادرات والمشاريع التنموية التي تسهم في تحسين حياة الفقراء وتحقق لهم الاستقرار، ويظل التكافل قيمةً أصيلة تستلهم من تعاليم الإسلام، وتتناغم مع أهداف التنمية المستدامة، لتشكيل عالم خالٍ من الفقر تسوده العدالة والمساواة.