الشكر هو اكتمال الشكل الإنساني اللطيف والدافئ والمحبب لقلوب القائمين على خدمة الناس دون مقابل، وتدريب وتربية لتجميل أخلاق المسلم أولاً مع الله، وثانياً مع الخلق فيما بينهم، تشبهاً بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وعملاً بكتابه وسُنة نبيه.
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له» (رواه البخاري، ومسلم)، وعن المغيرة بن شعبة قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم ليصلي حتى تورم قدماه أو ساقاه، فيقال له؟ فيقول: «أفلا أكون عبداً شكوراً» (رواه البخاري، ومسلم).
من أكثر ما يهذب أخلاق الناس سلوك الشكر، وفيه يقول قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) (لقمان: 14)؛ يقول القرطبي: الشُّكرُ للهِ على نعمةِ الإيمانِ، وللوالدَين على نعمةِ التَّربيةِ، وقال سفيان بن عيينة: من صلَّى الصَّلواتِ الخَمسَ فقد شَكَر اللهَ تعالى، ومن دعا لوالِدَيه في أدبارِ الصَّلَواتِ فقد شكَرهما، والإحسانُ إلى الوالِدَين: معاشَرتُهما بالمعروفِ، والتَّواضُعُ لهما، وامتِثالُ أمرِهما، والدُّعاءُ بالمغفرةِ بعدَ مماتِهما، وصِلةُ أهلِ وُدِّهما(1).
وعن أبي هُرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن لا يَشكُرُ النَّاسَ لا يَشكُرُ اللهَ» (أخرجه أبو داود)، وعن عبدِاللهِ بنِ أبي ربيعةَ المخزوميِّ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استسلَفَ منه حينَ غزا حُنَينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلمَّا قَدِم قضاها إيَّاه، ثمَّ قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بارَكَ اللهُ لك في أهلِك ومالِك، إنَّما جزاءُ السَّلَفِ الوَفاءُ والحَمْدُ» (أخرجه النسائي).
وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن استعاذ باللهِ فأعيذوه، ومَن سأل باللهِ فأعطوه، ومَن دعاكم فأجيبوه، ومَن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإن لم تجِدوا ما تكافِئونه، فادْعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه» (أخرجه أبو داود، والنسائي)، وعن جابِرِ بِن عبدِاللهِ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «من أُعطيَ عطاءً فوجَدَ فلْيَجْزِ به، فإنْ لم يجِدْ فلْيُثنِ به؛ فمَن أثنى به فقد شَكَره، ومن كَتَمه فقد كَفَره» (أخرجه أبو داود).
وعن أنس قال: لمَّا قدِم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ أتاه المُهاجِرونَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما رأينا قومًا أبذَلَ مِن كثيرٍ ولا أحسَنَ مُواساةً مِن قليلٍ مِن قومٍ نزَلْنا بَينَ أظهُرِهم! لقد كفَوْنا المُؤنةَ، وأشرَكونا في المَهنَأِ، حتَّى خِفْنا أن يذهَبوا بالأجرِ كلِّه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا، ما دعَوتُم اللهَ لهم، وأثنَيتُم عليهم» (أخرجه أبو داود).
فوائده
1- من أهم أسباب الوصول لرضا الله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها» (رواه مسلم).
2- سبب لبقاء النعمة وزيادتها، يقول الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7)، وقال علي بن أبي طالب: «إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرَن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد».
3- لا شكر لله، إلا أن يشكر العبد الناس.
4- عبور الابتلاءات بنجاح، فأمر المسلم بين خيرين، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» (رواه مسلم).
5- الفوز بأجر الشاكرين، يقول تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (آل عمران: 145).
صوره ومظاهره
1- شكر الوالدين على الدوام ببرهما، والإحسان إليهما والإنفاق عليهما والتماس راحتهما.
2- توجيه الشكر بالكلمة والفعل لمن علم الإنسان العلم الشرعي أو العلوم العامة، فالمعلم أولى الناس بالشكر بعد الوالدين.
3- شكر من قدم خدمة حتى ولو كانت بأجر، كشكر العمال والفنيين الذين يقوموا بحل مشكلة تؤرقك في بيتك والدعاء لهم.
4- الشكر على المعروف ولو كان بسيطاً.
5- مكافأة من أحسن إليك مهما كانت قيمة الإحسان.
الوسائل المعينة
1- الدعاء، فكل ما لا يقدر عليه الإنسان عليه أن يستعين عليه بالدعاء والاستعانة بالله عز وجل، فقد يكون المسلم غير معتاداً على الشكر للناس في سلوكه ظناً منه أن ذلك يتعارض مع كرامته، أو قد يكون نوعاً من الكبر أو الطمع فيما هو أكبر، والدعاء الصادق يضبط كافة تلك المشاعر السلبية ليكون الشكر عادة دائمة له.
2- أن يستشعر المسلم أنه حين يتحلى بالشكر، فهو يتأسى باسم الله عز وجل الشكور.
3- اعتقاد المسلم بأنه طالما أن الشكر صفة يحبها الله عز وجل، فالشكور محبب إليه سبحانه كذلك، وعليه أن يأتي منه ما استطاع تقرباً إلى الله عز وجل به.
4- أن يعلم أنه مهما شكر الله عز وجل، فلن يكتمل الشكر حتى يشكر من فوضه الله عز وجل ليقضي حاجته.
______________________
(1) الجامع لأحكام القرآن (2/ 13)، (14/ 65).