أميرٌ مُؤَمَّرٌ على الأُمَرَاء، زُمرَتُهُ أَوَّلُ الزُّمَرِ يومَ القِيَامَةِ، وَمَجلِسُهُ أَقْرَبُ المَجَالِس إلى الله، يحب الله ويحبب خلقه إليه، يمشي بين عباده بالنصائح، ويخاف عليهم من الفضائح، أولئك أولياء الله وصفوته من خلقه(1)، هذا مقام الساعي في تحبيب الله تعالى إلى الناس وتقريبهم منه، ولهذه العبادة فضائل ووسائل متعددة، تتبين فيما يأتي:
أولاً: فوائد تحبيب الله إلى الناس:
1- الفوز بمحبة الله عز وجل:
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَئِنْ شِئْتُمْ لَأُقْسِمَنَّ لَكُمْ، إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللَّهَ وَيُحِبِّبُونَ اللَّهَ إِلَى خَلْقِهِ، وَلَئِنْ شِئْتُمْ لَأُقْسِمَنَّ لَكُمْ إِنَّ أَحَبَّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ رُعَاةُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَمْشُونَ فِي الْأَرْضِ نُصَحَاءَ(2)، وأورد ابن أبي الدنيا عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: حَبِّبُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى النَّاسِ، وَحَبِّبُوا النَّاسَ إِلَى اللَّهِ يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، ففي هذا تأكيد على أن من حبّب الله إلى خلقه؛ فإنه يفوز بمحبته سبحانه وتعالى.
2- علامة على صدق محبتك لله:
معلومٌ أن مَن أحب شيئاً أكثر من ذكره، وحرص على تحبيب الناس جميعاً فيه، وسعى في دلالتهم عليه، وذلك من خلال كل وسيلة تقربهم إليه، ولهذا تجد من يحب الله تعالى لا تنام له عين ولا تهدأ له نفس إلا بدعوة الناس إلى الله وهدايتهم إليه.
3- الإكثار من الطاعات ومواجهة السيئات:
متى تمكنت محبة الله تعالى من النفوس فإنها تثمر طاعة له سبحانه وانقياداً، وفي هذا يقول ابن تيمية: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحُبَّ يُحَرِّكُ إرَادَةَ الْقَلْبِ فَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْمَحَبَّةُ فِي الْقَلْبِ طَلَبَ الْقَلْبُ فِعْلَ الْمَحْبُوبَاتِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ تَامَّةً اسْتَلْزَمَتْ إرَادَةً جَازِمَةً فِي حُصُولِ الْمَحْبُوبَاتِ(3)، كما أشار ابن القيم إلى أهمية غرس محبة الله في نفوس الناس وبيّن أنها سبب عظيم لإنقاذهم من المعاصي، فقال: فَإِن صَعب عَلَيْهِم ترك الذُّنُوب فاجتهد أَن تحبب الله إِلَيْهِم، فَإِن الْقُلُوب مفطورة على محبته فَإِذا تعلّقت بحبه هان عَلَيْهَا ترك الذُّنُوب والاستقلال مِنْهَا والإصرار عَلَيْهَا(4).
ثانياً: أساليب تحبيب الله إلى الناس:
1- التعريف بالله تعالى والحديث عن أسمائه وصفاته:
إن من المضامين الأصيلة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته تحبيب الله تعالى إلى عباده، وذلك من خلال ذكر أسماء الله تعالى وصفاته، فهي التي تحملهم على محبته وذكر عظمته، وقد أشار ابن القيم إلى أن التعريف بالله عز وجل كان دأب الأنبياء جميعاً، فقال: الرسل من أولهم إلى خاتمهم عرَّفوا الرب المدعو إليه بأسمائه وصفاته وأفعاله تعريفاً مفصلاً، حتى كأن العباد يشاهدونه سبحانه وينظرون إليه فوق سماواته على عرشه(5).
2- الحديث عن نِعَم الله على عباده:
الإنسان أسير الإحسان، فهو يحب من أحسن إليه، ومن أعظم مظاهر الإحسان ما امتن الله به على عباده من نِعم لا تعد ولا تحصى، فقد قال الله عز وجل: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل: 18)، فذكر النعمة يجمل الإنسان على محبة المنعم سبحانه وتعالى، ويدل على هذا ما رواه الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «جُبِلَتْ الْقُلُوبُ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا، وَبُغْضِ مَنْ أَسَاءَ إلَيْهَا»، وَحُكِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ: ذَكِّرْ عِبَادِي إحْسَانِي إلَيْهِمْ لِيُحِبُّونِي فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ إلَّا مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِمْ(6).
3- الحديث عن محبة الله لعباده وثمراتها:
لا ينتبه بعض الدعاة لحديثه عن الله تعالى بصفات الجلال دون الجمال، أو بالتخويف منه تعالى دون التحبيب فيه، فيغرسون في القلوب الخوف منه دون الرجاء في عفوه ورحمته، ولهذا فإن أفضل الدعاة هو الذي يحرص على تحبيب الله إلى عباده، من خلال الحديث عن محبة الله لعباده، وإرادته الخير والسعادة لهم.
بل إنه عز وجل حين تكلم في القرآن الكريم عن المحبة، بدأ الحديث بمحبته لعباده أولاً ثم محبتهم له، حيث قال عز وجل: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (المائدة: 54).
والحديث عن محبة الله تعالى لعباده وما يترتب عليها من ثمرات يسهم في محبة الناس له عز وجل، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».
كما أن محبة الله تعالى للعبد يترتب عليه محبة الناس، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ».
_______________________
(1) جامع العلوم والحكم: ابن رجب الحنبلي (1/ 225).
(2) الزهد: وكيع بن الجراح، ص 620.
(3) مجموع الفتاوى (10/ 192).
(4) الفوائد: ابن القيم، ص 169.
(5) المرجع السابق ص 169.
(6) أدب الدنيا والدين: الماوردي، ص 183.