كان من المتوقع أن يأتي الرئيس الأمريكي اليميني دونالد ترمب بعد فوزه بوزراء ومسؤولين من التيار الإنجيلي المتطرف الداعم لـ«إسرائيل»، لكن التعيينات جاءت صارخة تحمل إشارات أكثر سوداوية لمستقبل العالم، بعدما بالغ في تعيين الموالين لـ«إسرائيل» وتيار الصهيونية المسيحية، حتى إن صحف الاحتلال تساءلت: هل هذه حكومة واختيارات ترمب أم نتنياهو؟!
كانت المفاجأة الأخرى هي اختيار شخصيات معادية للغاية للإسلام والمسلمين، يمجدون الحرب الصليبية، وعلى رأسهم وزير الدفاع الأمريكي الذي يضع عدة وشوم عن الحروب الصليبية وصليبها الشهير فوق جسده، وُضع له وهو في زيارة لـ«إسرائيل»!
لذا يمكن القول: إن ملامح إدارة الرئيس الجديد ترمب التي بدأت تتشكل تعطي انطباعاً بأن اختيارات ترمب لإدارته تصب في صالح «إسرائيل»؛ لأن غالبية الوزراء هم من التيار الصهيوني المسيحي ويقدمون الولاء للاحتلال على مصالح بلادهم ويكنون العداء للإسلام، وهو ما يشير لتوجهات مستقبل السياسة الأمريكية وأثرها الضار على القضايا العربية.
وزير الحروب الصليبية
فقد اختار ترمب بيتر هيغسيث وزيراً للدفاع، الذي يضع وشماً للحروب الصليبية على جسده، وقال: إنه تم وضعه له في القدس حين كان يزورها للتضامن مع الصهاينة ضد المقاومة الفلسطينية، وأضاف الوزير أنه وضع وشماً على يديه وصدره في بيت لحم، ورسم على صدره بالكامل «صليب القدس» الخاصة بالحروب الصليبية، ورسم على عضلة الذراع شعار «Deus Vult»؛ أي «الله يريد ذلك» أو «هذه إرادة الله»، التي كانت صيحة الصليبيين الشهيرة وهم يهاجمون المسلمين ويدمرون مدنهم.
واشتهر مُرشح ترمب لمنصب وزير الدفاع الأمريكي بقوله: «لو فتحت الإنجيل لوجدت أن الرب يقول لإبراهيم أرض إسرائيل ملكك، وهذا مقدار فهمنا لقضية إسرائيل وفلسطين»؛ أي أنه لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية فكلها أرض «إسرائيل»!
أيضاً ظهر وهو يقول: «الصهيونية والأمريكية هما الخطوط الأمامية للحضارة والحرية الغربية»، ويؤكد رفضه فكرة حل الدولتين للحرب في غزة، كما أنه من المتحمسين الكبار للتوسع «الإسرائيلي» في الضفة الغربية.
وهيغسيث، مقدم برامج في قناة اليمين الأمريكي المتطرف «فوكس نيوز»، وسبق له العمل في الحرس الوطني، وشارك في حروب العراق وأفغانستان، ولا يشجع عمل المرأة في الجيش، ويدعو إلى العفو عن الجنود المتهمين بارتكاب جرائم حرب، وهو من دعاة «ماغا» أو شعار ترمب «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» أو «أمريكا أولاً»؛ لذا يدفع لتحويل القوة العسكرية الأمريكية إلى قوة فتاكة.
وكانت صحيفة «هاآرتس» اعتبرت فوز ترمب مكسباً لنتنياهو، ونشرت كاريكاتير يحمل صورة لترمب كتب أعلاها جملة دينية سياسية شهيرة: «استعدوا لقدوم المسيح المخلص»، وهي ورسالة واضحة، حيث يقنع نتنياهو الجمهور بترمب ويراهن عليه من خلال التأكيد لهم أنه هو من سيحمي دولة العقيدة والفقه، وهذا سيترجم سياسياً على الأرض بكثير من المصادرة والدماء والأشلاء من الطرف الفلسطيني.
وزير خارجية الصهيونية المسيحية
كانت مواقف اليهودي الأمريكي بلينكن كوزير لخارجية أمريكا مثار غضب الأمريكيين أنفسهم الذين تظاهروا شهوراً أمام منزله واتهموه بالمشاركة في جرائم حرب؛ لأنه كان يتحدث بلسان «الإسرائيليين»، ويعرض على المقاومة في غزة أن ترحل عن أرضها مقابل وقف العدوان وإبادة غزة.
لكن تعيين السناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو لحقيبة وزارة الخارجية، كان أسوأ من بلينكن، فهو إنجيلي متطرف يدعم الصهيونية المسيحية، وسبق له أن انتقد بشدة بايدن لعدم دعمه «إسرائيل» بشكل كامل، كما هاجم اعتراض بايدن على تطوير الهجوم الصهيوني على رفح لمطاردة «حماس»، وشبه ذلك بمنع مطاردة هتلر ومساعديه بألمانيا!
ويؤيد وزير خارجية ترمب الجديد أيضاً طرد طلاب الجامعات من أمريكا الذين تزعموا المظاهرات ضد «إسرائيل»، وتعقب كل مؤيدي حملة مقاطعة «إسرائيل».
حكومة ترمب أم نتنياهو؟!
تعيين ترمب وزراء موالين للصهيونية بصورة عدوانية دفع صحفاً ومحللين غربيين للتساؤل: هل هذه حكومة نتنياهو أو ترمب؟ حيث تتطابق مواقف المسؤولين القادمين إلى البيت الأبيض مع مواقف القيادات الصهيونية الأكثر تطرفاً في الحكومة «الإسرائيلية»، فقد عين ترمب مايكل هاكابي، وهو قسيس مسيحي معمداني وحاكم سابق لولاية أركنساس لمنصب سفير أمريكا لدى «إسرائيل»، الذي الذي اشتهر بقوله: «لا يوجد شيء اسمه فلسطينيون»، و«ليس في قاموسي شيء يسمى الضفة الغربية، بل يهودا والسامرة، أيضاً ليس في قاموسي مستوطنات، بل مدن ومجتمعات، وليس في قاموسي كلمة احتلال، بل ملكية خالصة لإسرائيل»!
وقال السفير الأمريكي القادم في «إسرائيل» هاكابي: إن إمكانية أن توافق إدارة الرئيس دونالد ترمب على أن تقدم حكومة بنيامين نتنياهو على ضم الضفة الغربية للسيادة «الإسرائيلية» واردة بالحسبان، وذلك رداً على سؤال «إذاعة الجيش الإسرائيلي» عن إمكانية ضم الضفة الغربية.
وعاد مخطط ضم الضفة الغربية إلى الواجهة من جديد، وذلك بعد فوز ترمب بالرئاسة الأمريكية، وانعكس ذلك من خلال تصريحات لمسؤولين «إسرائيليين» بضرورة ضم الضفة إلى السيادة «الإسرائيلية»، كان أبرزها لوزير المالية «الإسرائيلي» بتسلئيل سموتريتش، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
ولأن الرئيس الجديد ترمب سمسار ومقاول؛ فقد عين مستثمراً في العقارات وأحد المتبرعين لحملته كمبعوث خاص له إلى الشرق الأوسط، وهو ستيف ويتكوف، مؤسس مجموعة ويتكوف منذ عام 1977م.
أيضاً عين ترمب راتكليف مديراً للمخابرات الأمريكية (سي آي إيه)، وهو حليف مقرب له، وعمل مديراً للاستخبارات الوطنية في نهاية ولاية الرئيس الأولى.
وانتقد راتكليف تهديد إدارة بايدن بحظر تصدير الأسلحة إلى «إسرائيل» إذا لم تحسن الأوضاع الإنسانية للمدنيين في غزة.
واختار النائب مايك والتز لمنصب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، وهو منصب من المناصب ذات النفوذ الشديد في الإدارة الأمريكية، ويُعين شاغله الرئيس مباشرة، ولا يحتاج إلى مصادقة من مجلس الشيوخ، ووظيفته التنسيق بين وكالات الأمن القومي العليا في الولايات المتحدة، وتقديم تقارير للرئيس الأمريكي وتنفيذ سياساته.
واختار ترمب، ماتس غيتس كمرشح لمنصب النائب العام، وزير العدل، أحد أهم المناصب في الحكومة الأمريكية والمسؤول عن تطبيق القانون، وهو ليس فقط أحد مؤيدي «إسرائيل»، ولكنه متهم بمعاشرة قاصرات، والاتجار بالبشر، لكنه جاء به كي يعفيه من الجرائم المتهم بها ترمب نفسه وهي اعتداءات جنسية وتهم فيدرالية بمحاولة الانقلاب على انتخابات عام 2020 التي خسرها.
وتشير هذه التعيينات إلى توقعات أن تكون إدارة ترمب تدخلية بصورة كبيرة في شؤون العالم وتوقد الحروب عكس ما هو متوقع مما أعلنه عن أنه جاء لينهي الحروب ويركز على تعظيم موارد أمريكا الاقتصادية.
لكن عدداً من قادة العرب الأمريكيين في ديربورن قالوا لصحيفة «بولتيكو»، في 10 نوفمبر الجاري: إن النزعة المحافظة لترمب، وشعاره «أمريكا أولاً» الانعزالي، جعلت بعضهم أكثر راحة لدعمه، وخاصة بعد تخليهم عن الحزب الجمهوري في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وقد عقبت صحيفة «واشنطن بوست» على هذه الاختيارات بالقول: إن حكومة ترمب ستعزز موقف المتشددين في «إسرائيل»، ورأت صحيفة «الغارديان» في اختيارات ترمب للدفاع والأمن الداخلي تأكيدًا لمواقف هؤلاء الساسة المتشددة والاستفزازية من الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، وأكدت «واشنطن بوست» أن التعيينات أعطت أفضلية للصقور، فمعظمهم من الصقور وكثير منهم يؤيدون «إسرائيل» بشكل مطلق، واعتبرت أن التعيينات تعطي صورة عن السياسة الخارجية لترمب وأجندته توجهاته في ولايته الثانية.