سايمون تيسدال (*)
الآن اتفقت روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، اللاعبون الخارجيون الرئيسون في الدراما السورية المستمرة منذ فترة طويلة، على ضرورة احترام الدولة السورية والحفاظ على سيادة البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها، وهذا ما أعلنته كل منها على حدة، في الأسبوع الأول بعد سقوط بشار الأسد المفاجئ والمرحب به.
انتصرت بسواعد أبنائها
وحتى «إسرائيل»، التي قصفت سورية بتهور في أكبر عملية عسكرية تشنها الدولة اليهودية على الإطلاق، تنكر تدخلها في الشؤون الداخلية للبلاد، وهذه سخرية لا يمكن أن تصدق، فالأصدقاء والجيران المفترضون يسحبون جثة النظام المخلوع التي لا تزال ترتجف مثل الذئاب الجائعة، وإذا لم يتم ضبطهم، فقد يمزقون سورية مرة أخرى.
بعد فشل العالم في إنقاذ سورية من الدكتاتورية عليه أن يترك لشعبها الحرية في رسم مساره الخاص
والقوى الأجنبية الأخرى تشترك في هذا أيضاً؛ فهي لا تستطيع على ما يبدو أن تتحمل فكرة أن الشعب السوري هو الذي يجب أن يرسم مستقبله بشكل مستقل، لقد انتصرت الثورة الشعبية التي بدأت في عام 2011م، في نهاية المطاف، على الرغم من هذه القوى، ومن دون مساعدة خارجية إلى حد كبير.
لم تطلب جماعة «هيئة تحرير الشام» الإسلامية وهي، حسب البعض، ليست الخيار المثالي لقيادة البلاد رأي المجتمع الدولي، وانتصرت بعد 13 عاماً من فشل سورية، وكانت التدخلات الخارجية الأنانية، وفي حالة الغرب، التهرب الجبان، قد أدت إلى تقويض القوى المؤيدة للديمقراطية، وأطالت أمد الحرب.
الملعب السوري
سعت روسيا إلى تحقيق نفوذ إقليمي وقواعد عسكرية، وبنت المليشيات الإيرانية طرق إمداد للوكلاء في غزة ولبنان، وهاجمت تركيا الأكراد، وركزت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، على محاربة إرهاب «تنظيم الدولة الإسلامية»، وتخلى باراك أوباما عن بدايته الجديدة في عام 2009م مع العالم الإسلامي، وفي وقت لاحق، وعن خطوطه الحمراء بشأن الأسلحة الكيميائية.
التدخل الأناني من القوى الأجنبية يعرض الثورة للخطر ويتعين على هذه القوى أن تتوقف الآن
إن القوى الأجنبية، التي كان تدخلها سبباً في دفع الحرب الأهلية السورية إلى الأمام، لا بد وأن تتجنب تكرار الخطأ، «هناك قِلة من العواصم تنظر بحماس إلى الإسلاميين المهيمنين على دمشق، ولكن الواقع في الوقت الحالي يفرض عدم وجود خيار سوى العمل مع السلطات الجديدة»، كما تقول مجموعة الأزمات الدولية.
الآن أدركت «إسرائيل» التهديد الوجودي عليها
من أجل عدم إزعاج الأسد الضعيف، اقتصرت «إسرائيل» في الغالب على ضرب القوات المرتبطة بإيران خلال الحرب الأهلية، والآن، فجأة، أدركت «إسرائيل» التهديد الوجودي، على الأقل هذا هو ما تبرر به عمليات الاستيلاء غير القانونية على الأراضي الحدودية داخل سورية، التي أدانتها الأمم المتحدة باعتبارها مزعزعة للاستقرار، ومئات الهجمات على أهداف إستراتيجية.
ويقول رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو: إنه قلق من أن تسمح «هيئة تحرير الشام» المعادية لإيران بالعودة! ويقول محذراً: «إذا هاجمتنا (هيئة تحرير الشام)؛ فسوف نرد بقوة.. ما حدث للنظام السابق سيحدث لهذا النظام أيضاً»، وليس من المستغرب أنه لا يهتم، فكما يعلم العالم أجمع، السلام ليس من بين اهتمامات نتنياهو.
اعتقاد الحكومات الغربية أن روسيا وإيران تم صدهما بشكل دائم.. مجرد تفكير متفائل!
إنه من خلال مهاجمة سورية غير المحمية بشكل انتهازي والاستيلاء على أجزاء من أراضيها، يدعو إلى النتيجة التي يريد تجنبها بشدة التي تتمثل في عداوة خلفاء الأسد، إضافة للعداء الطويل الأمد بين «إسرائيل» وسورية، ولكن انتظر! ربما لا يريد تجنب ذلك، وكما يعلم العالم أجمع، فإن نتنياهو يحب الحرب.
تفكير غربي سطحي
لا شك أن الفكرة التي تجذب الحكومات الغربية، التي تقول: إن روسيا وإيران تم صدهما بشكل دائم، مجرد تفكير متفائل، من المؤكد أن الكرملين منشغل بأوكرانيا، ولكن ولأن هذه الحرب تتخذ أبعاداً عالمية، فإن فلاديمير بوتين لن يتنازل عن قواعده الجوية والبحرية الإستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط إذا تمكن من ذلك.
إن موسكو الآن تسعى إلى التوصل إلى اتفاق مع الحكومة الانتقالية، على الرغم من قصفها لمقاتلي المعارضة والمدنيين بالغاز لمدة تقرب من 10 سنوات، ولذلك، قد يعرض بوتين عليها الاعتراف والدعم المادي الذي تمتنع عنه الدول الغربية.
إيران لا تتعلم
لقد أصيبت القيادة الشيعية في إيران بالذهول إلى حد كوميدي تقريباً بسبب الإطاحة المفاجئة للأسد على يد ثوار من السُّنة، لكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي (…) لا يتخلى عن «محور المقاومة»، وإذا لم تتمكن من القيام بذلك علناً، فإن طهران ومليشياتها سوف تتصرف سراً داخل سورية وعبرها، من أجل إعادة تسليح «حزب الله».
يجب تقديم المساعدات الإنسانية لسورية دون قيد أو شرط وتخفيف العقوبات يساعد في ذلك
لقد ألقى خامنئي باللوم ضمناً على تركيا، وكذلك على الولايات المتحدة و«إسرائيل» في سقوط الأسد، وصحيح أن أنقرة دعمت هجوم «هيئة تحرير الشام»، لكن دوافع الرئيس رجب طيب أردوغان أنانية للغاية، فمع تقدم الإسلاميين جنوباً، هاجم وكلاءُ تركيا الأكرادَ المدعومين من الولايات المتحدة على طول الحدود الشمالية؛ حيث يبني أردوغان منطقة عازلة، وهو يعتقد أن الأكراد، وليس «هيئة تحرير الشام»، هم الإرهابيون، ويستمر القتال وسط نزوح جماعي متجدد للمدنيين في شمال شرق سورية.
نفاق وانتهازية وعنصرية
في الأيام الماضية، هاجمت الولايات المتحدة 75 مخبأ لتنظيم «داعش» في الصحراء الشرقية، في الوقت الذي تصر، عبر تصريحاتها، على أنها تحترم هي أيضاً السيادة السورية.
لقد هدد دونالد ترمب، في الماضي، بسحب القوات الأمريكية من سورية، لكن ماركو روبيو، الذي اختاره لمنصب وزير الخارجية، يزعم أن هذه القوات يجب أن تبقى لمنع عودة ظهور التهديد الإرهابي!
هكذا ترى الحكومات الأوروبية الأمر أيضاً، حيث ترى أنه من الأفضل رؤية الدماء على الرمال في سورية، بدلاً من رؤية الدماء في شوارع باريس أو لندن أو نيويورك!
يقول ترمب: إن سورية ليست معركتنا، وقد يقرر خلاف ذلك.
تحديات هائلة
إن الجماعات المسلحة الخارجة عن السيطرة، وتصفية الحسابات، والاضطرابات الاجتماعية الضخمة، وعودة اللاجئين، وحقول الألغام الشاسعة غير المرسومة، والاقتصاد المدمر؛ تشكل تحديات هائلة في جميع أنحاء سورية، ولكن، حتى الآن، تصدر قيادة «هيئة تحرير الشام» أصواتاً إيجابية حول الانتقال السياسي السلمي، والترتيبات الأمنية الجديدة، وحماية الأسلحة الكيميائية واحترام الأقليات.
«إن الحكومات التي تربطها علاقات بـ«هيئة تحرير الشام» يجب أن تحثها على جلب أكبر قدر ممكن من الأصوات إلى الحكومة واتباع خط شامل»، كما تقول مجموعة الأزمات الدولية، في إشارة إلى دول الخليج وتركيا، التي اجتمعت في الأردن، مؤخراً، فالدفاع عن حقوق الإنسان أكثر أهمية من أي سعي إلى التفوق أو الانتقام.
يجب تقديم المساعدات الإنسانية إلى سورية دون قيد أو شرط، وتخفيف العقوبات من شأنه أن يساعد، ومع ذلك، كم سيكون من المنعش لو تم الوثوق، ولو لمرة واحدة، بشعب محرر حديثاً لرسم طريقه الخاص نحو الديمقراطية والعدالة والمصالحة وإعادة الإعمار، خالياً من التدخل الخارجي.
دعوا السوريين يقررون ما يحتاجون إليه، وما هو نوع المستقبل الذي يريدونه، وحتى ذلك الحين، توقفوا عن التدخل، واحتفلوا بانتصارهم.
___________________________
(*) معلق الشؤون الخارجية في «الأوبزرفر»