في عهد “السيسي”، هل تعود مصر مجددا لحقبة الامتيازات الأجنبية؟! سؤال بات يطرح نفسه بقوة بعد المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في منتجع شرم الشيخ على مدار ثلاثة أيام متتالية، وما ترتب عليه من اتفاقيات وتسهيلات غير مسبوقة للمستثمر الأجنبي.
ولمن لا يعرف الامتيازات الأجنبية، فهي بدأت في مصر باتفاقيات تجارية وامتدت للقضاء حتى وصلت إلى درجة التدخل في إدارة شؤون البلاد خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
فقبيل انعقاد المؤتمر بأيام قليلة، سارعت الحكومة المصرية إلى إصدار قانون يسمح بهروب آمن للمستثمر الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات، ويضع المستثمر الأجنبي بمنأى عن الملاحقة القضائية والجنائية، ويصبح الفرد داخل الشركة هو من يتحمل الخطأ بمفرده، وتكون العقوبة في صورة غرامة أو إيقاف أو إلغاء ترخيص مزاولة النشاط للفرد فقط وليس للشركة كما كان سابقاً، وبذلك يكون القانون قد أتاح فرصة كبيرة للمستثمر، للهروب من المسؤولية وإلقاء الحمل بأكمله على فرد داخل الشركة.
ويمنح القانون الجديد المستثمر الأجنبي الحق في تغيير أو إلغاء النشاط الاقتصادي دون قيود وتقليل الضريبة على الشركات وإلزام الدولة بتحمل نفقات توصيل المرافق والخدمات للمناطق الصناعية والتزام الدولة بتقديم تسهيلات جمركية للمستثمرين تصل إلى حد الإعفاء الكلى لفترات معينة، ولم يتضمن أي حقوق للعمال ولا مجالات الاستثمار أو نوعية المشروعات سواء كانت كثيفة العمالة أو قليلة العمالة، ولا سقف للعمالة الخارجية.
تقزيم دور الدولة
وحذر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير له مؤخراً من سطوة المستثمر الأجنبي وخاصة الشركات متعددة الجنسيات وخطرها على الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن الإطار القانوني الذي ينظم الاستثمارات الأجنبية في مصر يحجم دور الدولة الفعلي في تنظيم هذه الكيانات.
وتعد الشركات الأمريكية ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، كما أن الولايات المتحدة واحدة من أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لمصر وفقاً للأرقام الحكومية الأمريكية.
وقد شهد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي مشاركة لافته للنظر من عدة شركات كبرى متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة بالمؤتمر مثل “مايكروسوفت”، و”جنرال إلكتريك”، وتشهد شركات “بي بي النفطية”، و”كوكاكولا”، و”كرايسلر”، و”فورد” وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات صعوداً في استثماراتها بمصر.
كذلك كشف تقرير رقابي لوزارة الصناعة والتجارة أن عدد العلامات التجارية المسجلة داخل السوق المصرية بلغ نحو 28 ألف علامة مقابل 400 علامة مسجلة لشركات محلية؛ وهو ما يعكس سيطرة أجنبية كبيرة على مفاصل الاقتصاد المصري.
في قبضة الأجانب
ومما يعكس وقوع الاقتصاد المصري تحت قبضة الأجانب، عمل معظم رجال الأعمال في مصر وكلاء لشركات عالمية متعددة الجنسيات، والنتيجة هي سيطرة الأجانب على مفاصل الاقتصاد المصري في مختلف الصناعات بنسب وصلت إلى 60% لقطاع إنتاج البترول، و80% بالنسبة لصناعات الأغذية والدواء والاتصالات والأسمنت والألبان والزيوت وغيرها، و40% من حجم تداولات البورصة المصرية، علاوة على تحريكهم البورصة صعوداً وهبوطاً وفقاً لتحركاتهم البيعية والشرائية، و60% من صناعة الدواجن والسيارات وأغلب السلاسل التجارية وجزء كبير من البنوك والقرى السياحية والفنادق وقطاع الاستثمار العقاري.
وتقتضي طبيعة الاستثمار الأجنبي أن تشترط الدولة على المستثمر القيام بإعادة استثمار جانب من أرباحه في الدولة التي يُقيم عليها مشروعاته ليعود عليها بالنفع وهو ما لا يحدث في مصر، وعلى النقيض تماماً تقوم الشركات الأجنبية بتحويل معظم أرباحها بالدولار إلى الخارج دون أن تستفيد منها مصر سنتاً واحداً.
ومن مفارقات التسهيلات والعروض التي تقدمها مصر للمستثمر الأجنبي ويسيل لها لعاب أي كيان اقتصادي باحث عن الربح الوفير اليسير، عدم اشتراط النظام القانوني لمصر على الشركات متعددة الجنسيات القيام بنقل مهاراتها إلى العمالة المصرية، خلافاً لما يحدث في الصين على سبيل المثال، حيث تشترط الحكومة على الشركات متعددة الجنسيات نقل مهاراتها للعمال الصينيين.
ويجعل الوضع الذي تعيشه مصر حالياً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً القاهرة صيداً ثميناً للشركات متعددة الجنسيات لإشباع رغباتها التي تتخطى في معظم الأحيان حاجز تحقيق الأرباح والسيطرة على مفاصل الاقتصاد إلي رغبات وأهداف سياسية، فدائماً ما تكون هذه الشركات هي المتسببة في الكثير من الصراعات حول العالم، وتورطت في عدد من الدول في انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، ليس هذا فحسب، بل تورطت كذلك في عدة قضايا لإسقاط حكومات لا تتفق مع أهوائها أو إستراتيجياتها، وقتل الشعوب، وتنشط هذه الشركات في كل دولة توجد فيها مصالح قابلة للنهب والسرقة والقتل، ولعل مصر في ظل الحكم العسكري حالياً أرض خصبة لتلك الأطماع الاقتصادية والأهداف السياسية المستترة.
صفقة مشبوهة
وقبل أيام من المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، أعلنت الحكومة المصرية عن إبرام اتفاق مع شركة “بريتش بيتروليوم” البريطانية بقيمة 12 مليار دولار يقضي بمنح الشركة البريطانية حقوق التنقيب عن النفط والغاز في الأراضي المصرية.
وبموجب هذه الاتفاقية التي سعت الشركة البريطانية لإبرامها منذ سنوات، تُسيطر “بريتش بيتروليم” بصورة كاملة على قطاع التنقيب والطاقة، علاوة على تمتعها بالسيادة المطلقة على حقول النفط والغاز على الأراضي المصرية.
وقال معلقون وخبراء في الشأن الاقتصادي: إن الشركة البريطانية بموجب هذه الصفقة ستحصل على حوالي 75% من الغاز المستخرج من دلتا مصر، في حين أن الشركة ذاتها لا تحصل من آبار الغاز التي تتولى إدارتها في دول أخرى إلا على 1٠٪ فقط من الغاز المستخرج.
ويرى هؤلاء أن هذه الاتفاقية محض استنزاف لموارد الدولة المصرية، وتشير إلى غياب تام للرقابة على الاستثمارات الأجنبية في مصر، في حين يهلل الإعلام المضلل لهذا الاستغلال الفاسد ويعتبرونه استثماراً رغم أنه تفريط جلي في موارد الوطن.