لا يزال العالم ينتظر نتائج قمة رؤساء الدول والحكومات الأوروبية، التي عقدت يومي الخميس 15 والجمعة 16 أكتوبر في بروكسل، وتوضيحات حول ما يواجهه الأوروبيون من صعوبات جراء الآثار المترتبة عن التدخل العسكري الروسي في سورية.
ولا تزال مواقف الدول الأوروبية متضاربة فيما يتعلق بمستقبل نظام الأسد، ومن الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه تركيا، تركيا اللاعب الرئيس في الصراع السوري كما هي الحال في أزمة اللاجئين، فيما تبقى مشاريع القرارات التي أعدتها بروكسل غامضة، بما يؤكد عدم وجود رؤية مشتركة واضحة لقادة الاتحاد الأوروبي.
وكان من المنتظر أن يكون الاجتماع الذي عقده وزراء الخارجية، يوم الإثنين 12 أكتوبر في لوكسمبورغ، بمثابة الإعداد لهذه القمة، إلا أن هذا الاجتماع لم يصل حتى إلى الحد الأدنى من التوافق.
أما فيما يتعلق بالنص النهائي لبيان القمة، يمكن ملاحظة وجود تراجع في المواقف مقارنة مع التصريحات السابقة بشأن مصير الرئيس السوري، حيث أكد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مسؤولية نظام الأسد في مقتل 250 ألف سوري، وأن هذا النظام لا يمكن أن يكون شريكاً في مقاومة “تنظيم الدولة”، إلا أن مسألة رحيل الأسد لم تُذكر بشكل واضح.
وباستثناء موقف فرنسا، التي ترى أن بقاء بشار الأسد في الحكم سيكون وراء تواصل الحرب مع انسداد الأفق أمام أي تغيير للوضع في المنطقة، فإن عدداً قليلاً من البلدان الأوروبية أعربوا عن موقفهم بشكل واضح فيما يتعلق بالإبقاء على النظام السوري، حيث ظهرت فكرة جديدة تدعو للتعامل مع وزراء النظام السوري من بين الذين لم يشاركوا في جرائم حرب.
وقال الرئيس الحالي لمجلس وزراء الخارجية، جان إسيلبورن: يجب علينا تعلّم الدرس من الأحداث الماضية، إذ يجب علينا تجنب خلق فراغ من شأنه أن يضر بالجميع، على غرار ما حدث في العراق وليبيا.
ويقف الأوروبيون الذين يريدون ممارسة دور “الميسر”، وراء مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، ستيفان دي مستورا، حيث قالت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني: إن الاتحاد سيمنح السيد دي مستورا “كل الثقل الدبلوماسي”.
ودعا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف المعنية في الصراع السوري للمشاركة في فرق العمل التي وضعها المبعوث ألأممي، مع دعوة كل أصحاب النفوذ، بما في ذلك النظام السوري إلى استخدام نفوذهم لوقف العنف.
ويختلف الأوروبيون في تقييم التدخل الروسي، فقد علّق مصدر رفيع المستوى في الاتحاد الأوروبي قائلاً: إن الانقسام بين الدول الأعضاء وصل إلى درجة أنهم أصبحوا غير متفقين حتى فيما يتعلق بالأدلة الواقعية.
وطلب وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي من موسكو “الكف فوراً” عن قصف المواقع التي لا يسيطر عليها “تنظيم الدولة”، في ظل وجود بعض الدول التي تحجم عن التنديد بالتدخل الروسي، إذ تعتقد إيطاليا أن موسكو يمكنها تسهيل عملية الانتقال السياسي، في حين تقف ألمانيا محايدة فيما يتعلق بالتدخل العسكري الفرنسي، هذا التدخل الذي يزيد من تعقيد الوضع، وفقاً لمصدر ألماني.
ولا تعتقد رئاسة لوكسمبورغ في أن التدخل العسكري الروسي يهدف فقط إلى مساندة نظام الأسد ضد المتمردين، كما حثت باريس روسيا من أجل المساهمة في التوصل إلى حل سياسي.
وقال مسؤول أوروبي رفيع المستوى: إن التطورات في سورية ستحدد مستقبل الاتحاد الأوروبي والموجة المستقبلية الجديدة من المهاجرين، مضيفاً: لا يشارك الاتحاد الأوروبي في هذا الصراع، لكنه سيكون أول من سيتحمل النتائج المترتبة عن هذا التصعيد.
وجاء في مشروع بيان قمة رؤساء الدول الأوروبية أنه يجب العمل على اعتماد خطة عمل مشتركة مع تركيا، إذ تعتقد عديد العواصم الأوروبية في ضرورة التعاون مع أنقرة لوقف الموجة الحالية من اللاجئين، وتخشى تركيا من استعادة نظام الأسد لقوته؛ ما جعلها تنبّه الأوروبيين من أنه في حالة رفضهم لمشروعها المتمثل في إنشاء “مناطق آمنة” على طول الحدود بينها وبين سورية، فإنهم سيواجهون موجة أكبر من طالبي اللجوء.
وفي رسالة موجهة إلى رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، يوم 23 سبتمبر، دعا رئيس وزراء تركيا، أحمد داود أوغلو، لإنشاء هذه المناطق، التي من المفترض أن تسمح بالعودة الطوعية للاجئين إلى شمال سورية، ولكن الأكراد يرون في هذه المناطق تهديداً لهم.
وحذّر رئيس وزراء تركيا، في تهديد غير مباشر، من أنه في صورة عدم إنشاء هذه المناطق الآمنة، سيضطر أكثر من 7 ملايين سوري للهجرة إلى أوروبا، لكن الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، تعتبر أنه من المستحيل تنفيذ هذا المشروع، نظراً للتطورات الأخيرة التي عرفها الصراع في سورية.
ويرغب رؤساء الدول الأوروبية، خلال هذه القمة، طمأنة الرأي العام من خلال التأكيد على ضرورة تعزيز الحدود الخارجية مع اعتماد سياسة العودة لأولئك الذين رُفضت مطالب لجوئهم، مع التوصية بتسريع تنفيذ السياسة التوجيهية المتعلقة بعودة اللاجئين، مع إنشاء مكتب داخل مؤسسة فرونتكس يعني بإجراءات العودة، وذلك قبل نهاية هذا العام.
ويبقى ما جاءت به لائحة دبلن، التي تنص على أن طلب اللجوء يجب معالجته من قبل الدولة التي وصلها اللاجئ أوّلاً، من المحرمات، حيث ترى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن هذا النظام متقادم، في حين ترى فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية أن لائحة دبلن لا تزال سارية المفعول.
http://abonnes.lemonde.fr/proche-orient/article/2015/10/13/la-desunion-europeenne-face-a-la-turquie-la-syrie-et-la-russie_4788136_3218.html