التفجيرات التي حصلت في باريس وأودت بحياة أكثر من مائة، وتحطّم الطائرة الروسية، والهجمات التي تنفذها جماعات جهادية جاءت للحكومة “الإسرائيلية” على طبق من ذهب، أو هدية من السماء، كما عبّر عن ذلك ضمناً.
الاحتلال “الإسرائيلي” الذي فوجئ بانتفاضة القدس التي انطلقت بداية أكتوبر الماضي، واستمرار أحداث الانتفاضة من عمليات دهس وطعن ومواجهات وإطلاق رصاص، هذا الاحتلال يحاول أن يستغل أحداث العنف في العالم من أجل الانقضاض على الانتفاضة وسحقها.
ويركز الاحتلال الصهيوني في برنامجه هذا على عدة محاور:
1- الربط بين موجة العنف هذه، وبين انتفاضة الشعب الفلسطيني، ومحاولة إيجاد روابط فكرية وثقافية بينهما.
2- تشويه سمعة الفلسطينيين وإظهارهم بمظهر أصحاب الفكر المتطرف.
3- محاولة إيجاد صلة بين أهداف المجموعات العنفية وأهداف الشعب الفلسطيني.
4- تأمين غطاء سياسي – إعلامي عالمي لضرب انتفاضة القدس، في نفس الوقت الذي تقوم به روسيا وفرنسا والولايات المتحدة بضرب جماعات عنفية.
5- محاولة الحكومة الصهيونية الحصول على تعاطف عالمي يمكنها من الحصول على مساعدات، والانضمام إلى تحالفات عالمية لضرب ما يسمى بـ”الإرهاب”، بحيث يستخدم الاحتلال هذه التحالفات في مزيد من القمع والقوة ضدّ الشعب الفلسطيني.
بعد هجمات باريس، صعَّدت الحكومة “الإسرائيلية” من مواقفها ضدّ انتفاضة القدس.. وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ليل السبت – الأحد الماضي، اعتبر أنه لا يوجد ثمة فروق بين عناصر الإسلام الجهادي المتطرف الذين شنوا هجمات باريس والفلسطينيين الذين يستهدفون المستوطنين في أرجاء الضفة الغربية، عادّاً أي محاولة للتمييز بين الحالتين مجرّد نفاق.
ودخل كتَّاب ومحللون على الخط، فقد اعتبر الكاتب اليميني أمنون لورد أنه لا يوجد ثمة فرق بين هجمات باريس وعمليات الطعن بالسكاكين والدهس التي ينفذها الفلسطينيون ضدّ المستوطنين وجنود الاحتلال في الضفة الغربية، على حد زعمه، وفي مقال نشرته صحيفة “ميكور ريشون” في عددها الأحد الماضي، حرص لورد على إعادة موضعة أحداث الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال “الإسرائيلي” بأثر رجعي اتساقاً مع هجمات باريس، معتبراً أن الانتفاضة الفلسطينية ضدّ الاحتلال تأتي في إطار الحرب التي يشنّها “الإسلام المتطرف على الغرب”، وعدّ لورد تجرؤ الجهاديين على استهداف أوروبا بأنه نتاج تأييد الغرب لحركات التحرر الوطني في العالم الثالث.
لكن.. هل تنجح هذه المحاولات الصهيونية؟!
تاريخياً، يحاول الكيان الصهيوني طمس الحق الفلسطيني وتذويب الهوية الوطنية، وحرص الاحتلال على وصف حقّ الفلسطينيين في الدفاع المشروع عن أنفسهم ومقاومتهم بـ”أعمال تخريبية”، ووصف المقاومين والفدائيين بـ”المخربين”، ثم بـ”الإرهابيين”، ولطالما ربط الاحتلال بين مقاومة الشعب الفلسطيني و”أوامر خارجية” لنزع الصفة القانونية الوطنية المحقة عن أهدافهم في الحرية والتخلص من الاحتلال.
واليوم يكرّر الكيان الصهيوني نفس المحاولة؛ توظيف غضب العالم على التفجيرات من أجل قمع الشعب الفلسطيني.
وهذا يتطلب وعياً سياسياً وإعلامياً فلسطينياً، وتمسكاً بالحقوق، وتواصلاً دبلوماسياً عالمياً، وهي أفكار تعزّز من رفض غالبية شعوب العالم تصديق الرواية الصهيونية.
رواية الشعب الفلسطينية أكثر مصداقية، لكن ذلك لا يمنع من وجوب التحرك الفاعل لإحباط مخطط الاحتلال.