بينما وقف السياسيون الأميركيون والأوروبيون مكتوفي الأيدي وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون على سقوط حلب، تحتفل روسيا وإيران ومعهما نظام الرئيس السوري بشار الأسد بنصر “تاريخي” يرون أنه قلب الأوضاع في الحرب الدائرة منذ ست سنوات.
أما سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سامنتا باور فاكتفت باتهام الحلفاء الثلاثة بالهمجية وباستمرارهم في ارتكاب الفظائع، وهي تشاهد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة تسقط في أيدي القوات الموالية للأسد.
بهاتين الفقرتين، استهل مساعد رئيس تحرير صحيفة ذي غارديان البريطانية مقاله بعنوان “ما الذي ينتظر سوريا وحلفاءها وأعداءها بعد سقوط حلب؟”.
يقول سايمون تيسدال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدم في سحقه حلب جوا ذات الوحشية التي استعان بها أسلوبا بحربه ضد الشيشان عام 2000. ولما أنهى حصارا فرضه على غروزني، وصفت الأمم المتحدة العاصمة الشيشانية آنذاك بأنها “المدينة الأكثر دمارا على وجه الأرض”.
أما السؤال الذي يبرز الآن -برأي الكاتب- فهو “ثم ماذا بعد بالنسبة لسوريا؟”. ويجيب بالقول إن الصراع ربما يكون قد مال على نحو حاسم في غير صالح ما يسمى المعارضة المسلحة المدعومة من الغرب والسعودية وشركائها الخليجيين، لكنه لم ينته بعد.
ورغم ذلك، يبقى نظام الأسد “ضعيفاً ومدينا بالفضل لقوى أجنبية” وثمة مؤشرات على أن حلفاءه “الظافرين” بدؤوا يتناحرون “كما اللصوص الذين يتشاجرون حول الغنائم”.
وروسيا -التي أخذ تدخلها القوي الولايات المتحدة على حين غرة، ربما تسعى الآن لوضع حد لتدخلها العسكري “المكلف” ولعب دور رئيسي كوسيط قوي بالشرق الأوسط. وسيحافظ بوتين على قواعده الجوية والبحرية بسوريا، وسيُبقي الأسد “طوع بنانه”. لكنه سيحاول دحض ما تنبأ به الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن روسيا ستغرق في مستنقع “لا غور له” شبيه بما وقعت فيه بلاده في أفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي.
إن تحالف المصالح الذي يربط روسيا بإيران سرعان ما قد يتحول إلى إشكالية. فالمليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا والقادمة من لبنان والعراق وأفغانستان خاضت معظم المعارك على الأرض في حلب.
ويتجدد الحديث عن “هلال شيعي” إيراني يمتد من أفغانستان عبر العراق واليمن إلى البحر الأبيض المتوسط. وعلى عكس موسكو، فإن طهران ترى نجاحاتها بمنظار طائفي.
ويرى تيسدال أن المآلات الحقيقية للصراع الطائفي الدائر بسوريا غير جذابة لموسكو. الآن وقد تفرقت قوات المعارضة المعتدلة وجرى تهميشها، فإن “المقاربة الإيرانية المتطرفة” قد تعزز دعم الأغلبية السنية في سوريا لمجاهدي تنظيم القاعدة المتمركزين حاليا في إدلب جنوب غربي حلب. كما أنها تقوي عضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي يبسط سيطرته على مناطق واسعة في محيط مدينة الرقة بالشمال.
ويمضي الكاتب في عرضه التحليلي إلى أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سيعمل على تحسين علاقات بلاده مع روسيا وقبول وضعها في سوريا وتناسي الخلافات معها بشأن أوكرانيا، وفي مقابل ذلك سيطالبها بالابتعاد عن إيران ودعم جهود محاربة تنظيم الدولة وكبح جماح طموحات إيران الطائفية في سوريا والعراق.
ويؤكد تيسدال في مقاله أن صفقة من هذا النوع تناسب إسرائيل التي تزداد خشيتها من احتمال أن تنتشر المليشيات الموجهة من إيران -مثل حزب الله- على طول حدودها مع سوريا، وبخاصة في مرتفعات الجولان.
ثم إن سلامة أراضي سوريا واستقرارها في المستقبل سيشارك في تحديده إلى حد بعيد تركيا التي لها وجود عسكري في شمال سوريا.
وبالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن سقوط حلب وبقاء الأسد في الحكم وصعود نجم روسيا وإيران يشكل انتكاسة لسياستهما الخارجية. ويعكس هجوم سامنتا باور على روسيا وإيران والأسد مدى “وهن الغضب” الذي يعتمل صدر واشنطن، على حد تعبير المقال.
وختم تيسدال المقال بالقول إن إدارة أوروبا للأزمة المندلعة على أعتاب بابها بأنها “كارثية” وإنه لن يكون لها سلطة البت فيها.