ـ الفكرة من الناحية النظرية أجدى وأعظم أثراً على المتعلم مقارنة بالتلقين والاستظهار
ـ أولياء الأمور يناشدون الوزارة أن ترحمهم من هذه التكاليف التي لا طائل من ورائها
ـ مراكز خدمة الطالب تنفذ المشروع والطالب لا يعلم عنه شيئاً
ـ المشروعات الطلابية التي تديرها المدرسة وتشرف عليها هي الحل
تستطيع أن تزرع نباتات المناطق الباردة في مناطق شديدة الحرارة، وتستطيع أن تقوم باستنبات نباتات المناطق الحارة في مناطق قارسة البرودة، كل هذا ممكن بشروط يمكن أن يكون من بينها تهيئة التربة وضبط درجة الحرارة، أو إحداث تغيير جيني في النبات ذاته ليتحمل الظروف الجديدة أو ربما تهجينه مع نباتات الأرض الجديدة وتحصينه ضد آفاتها.
هذه قواعد في تربية النبات، تنطبق أيضاً على الإنسان، بمعنى أنه من غير الجائز أن نأتي بنظريات تربوية من مجتمعات تختلف اختلافاً جذرياً عن مجتمعاتنا ونقوم بتطبيقها بـ»عبلها» وحذافيرها بدون تغيير ولا تبديل ولا دراسة ولا تهيئة ولا تطوير ولا تحصين في مجتمعاتنا، هذا لعمري شيء مجافٍ للمنطق ومخالف للعقل، ولكننا نفعله في مجتمعاتنا مع شديد الأسى والأسف.
وللكويت تجارب مرة في هذا المضمار مثل تجربة مدارس المقررات التي أثبتت فشلها الذريع بعد إنفاق مليارات الدولارات على التجربة، وكان بالإمكان تجنب هذا الهدر لو سبق التطبيق دراسات علمية عميقة ومتأنية من متخصصين مخلصين وأكفاء.
بداية غير مدروسة
تتمثل تلك البداية في مفاجأة وزارة التربية مدارسها الحكومية والخاصة العربية بما يسمى التعليم من خلال «المشاريع الطلابية»، والفكرة – في حد ذاتها – من الناحية النظرية أجدى وأنفع وأعظم أثراً على المتعلم مقارنة بالتلقين والاستظهار والفصول الدراسية التي يقودها المعلم، لكن تظل المشكلة في التطبيق والممارسة.
فهل ما بدأت مدارسنا في الكويت في تطبيقه من تعليم أو تعلم من خلال المشاريع الطلابية يتميز – كما يقول المتخصصون – بالتركيز على خبرات تعلم أصيلة، ويقتضي التحقيق المتعمق، ويشجع التفكير متعدد التخصصات، ويستثمر فوائد التعاون والتقييم المستمر؟
وهل من خصائصه التركيز على الأسئلة المفتوحة والمهام التي تثير التحدي وخلق الحاجة إلى معرفة المحتوى والمهارات الأساسية والتحقق من المعرفة، و/ أو خلق شيء جديد من خلال التفكير الناقد، والتمكن من حل المشكلات، والتعاون، ومختلف أشكال الاتصالات، وما يعرف باسم “مهارات القرن الـ21”؟
البداية كانت من المكتبات ومراكز خدمة الطالب، للوقوف على أساس المشكلة؛ حيث ذكر أكثر من مصدر لـ”المجتمع” أن الطالب لا يعرف عن المشاريع ولا عن الأبحاث حتى أسمائها، وأحياناً نقترح عليه نحن اسم البحث أو المشروع، وهي في الواقع لا هي أبحاث ولا مشروعات! وغالباً ما تكون أشياء منقولة أو مقتبسة من على شبكة الإنترنت!
ثم انتقلنا إلى أولياء الأمور، وهم أكثر المتضررين من الأمر من الناحية المادية؛ حيث رأوا أن ما يسمى بالتعليم على أساس المشاريع الطلابية عبث لا ينفع الطالب بل يضره، ويرهق جيوب ولي أمره.
وفي هذا السياق نكتفي بما ذكره “أبو حمزة” – وهو ولي أمر لطلاب وطالبات في المراحل المختلفة – حيث يقول: “نناشد الوزارة أن ترحم أولياء الأمور من هذه التكاليف التي لا طائل من ورائها!”، ويتساءل بحسرة: “كيف لولي أمر له أربعة من الأولاد والبنات أو أكثر في المراحل المختلفة أن يدفع تكاليف عشرة مشاريع (طلابية) على الأقل لكل واحد منهم، مشاريع على الورق لا يقترحها الطالب ولا يشارك فيها؟!”.
رأي الخبراء
ثم كان من الطبيعي بعد ذلك رفع الأمر إلى القائمين على العملية التربوية من مديري المدارس والمدرسين؛ حيث التقينا بالأستاذ حسن محمد العجمي، مدير مدرسة ابتدائية بالكويت، وسألناه عن تجربة المشاريع الطلابية، فقال: المشاريع الطلابية كنهج تربوي لها هدف سامٍ؛ لأن أثرها عميق وباقٍ على الطالب بعكس الطرق التقليدية المعتمدة على التلقين والحفظ والاسترجاع ذات الأثر المحدود في تنمية معلومات وخبرات ومهارات المتعلم، ونحن في أمسّ الحاجة لمثل هذا النهج التربوي حتى نلحق بركب التقدم المنطلق بأسرع مما نتخيل.
لكنه أضاف: في الواقع المستفيد الوحيد بما يسمى بالمشروعات الطلابية هي مراكز خدمية تسمى مراكز الطالب، وهي تنتشر في الكويت انتشار النار في الهشيم، والطالب، وخصوصاً طالب الابتدائي، يحتاج لمن يأخذ بيده وهو يخطو خطواته الأولى في مشوار العلم الطويل، وليس من المعقول أن نطلب منه أن يقدم مشروعين في كل مجال من المجالات الدراسية في الفصل الواحد، كما كان يحدث سابقاً قبل أن تتراجع الوزارة استجابة لضغوط أولياء الأمور، وتوعز لنا بقبول ورقة واحدة في كل مشروع.
المشروعات المدارة هي الحل
أما الأستاذ محمد الطنطاوي، المدير المساعد لإحدى المدارس الابتدائية الخاصة، فيرى أن الحل ليس في إلغاء المناهج القائمة على المشروعات الطلابية؛ بل الحل أن تعاد دراسة الأمر برمته، وتجرى دراسات وتجارب من قبل متخصصين تربويين على دراية بالمجتمع والطالب الكويتي، وأعتقد أنه يمكن أن تكون هناك مشروعات طلابية تحت إشراف وإدارة المدارس بمعلميها وإدارييها؛ بحيث تفتح فيها مكتبات ومعامل ومراسم المدرسة للطلاب، ويقوم الطالب بالعمل فيها بنفسه تحت إشراف معلميه وإداراتهم.
ومن التعليم الابتدائي إلى التعليم المتوسط؛ حيث يقول الأستاذ مجدي بدوي، المدير المساعد بإحدى المدارس المتوسطة: لا أحد ينكر أن التعلم الحق يكون من خلال العمل، يقول المثل الصيني أو لعله حكيم صيني: “قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم”، فلا شك إذن أن المشاريع الطلابية ستشكل طفرة في التعليم إذا طبقت تطبيقاً صحيحاً، ولا يستطيع من عنده ذرة معلومات عن التربية أن ينكر ذلك.
ثم تساءل: من يقف ضد الإبداع والإتقان؟ ومن يعترض على استثمار مواهب الطلاب في عمل مشروعات مفيدة لهم ولمجتمعاتهم؟ من ذا الذي يقف ضد إدماج الطلاب في بيئتهم ومجتمعاتهم من خلال مشروعات تخدم الطالب والبيئة والمجتمع؟ المشروعات الطلابية فكر تربوي منتج ومبدع على المستوى النظري.
لكنه قال مستدركاً: لكن للأسف، التطبيق في وادٍ والنظرية في وادٍ! التطبيق يصب في جيوب مجموعة من الذين يقتاتون على هامش العملية التربوية، أولئك الذين يديرون ما يسمى بمراكز خدمة الطالب، وهم غالباً من الهواة وغير المتخصصين في مجال التربية، والطالب معذور في اللجوء إليهم!
وبمزيد من التفصيل يعدد الأستاذ فهد بدر الشطي، مدير مدرسة متوسطة، أسباب إعذار الطالب في اللجوء لمراكز خدمة الطالب في الأسباب التالية:
1- أنه يطلب منه مشروعان في كل مجال دراسي في كل فصل دراسي، أي أكثر من عشرة مشروعات.
2- الطالب عنده امتحانات قصيرة شفوية وتحريرية في كل المواد بشكل دوري.
3- الطالب عنده واجبات يومية تقريباً في جميع المواد.
4- مرحلة الطالب السنية لها مطالبها الأخرى التي لا ينبغي إغفالها مثل اللهو واللعب وممارسة الرياضة والهوايات وغير ذلك.
المشكلة والعلاج
ومن التعليم الابتدائي والمتوسط إلى التعليم الثانوي؛ حيث الطلاب هناك أكبر وأكثر نضجاً، وقد التقينا الأستاذ عبدالله مبارك العجمي، مدير إحدى المدارس الثانوية، لنسأله عن الحل؛ فأجاب بأنه يمكن تطبيق أي نظريات تربوية على الطالب الكويتي، لكن النظريات التربوية مثل القماش الخام تحتاج إلى تفصيل وقص وحياكة حتى تناسب الطالب، وهي ليست ملابس جاهزة (Free Size) نأتي بها ونلقيها للطلاب فيلبسونها وتتناسب معهم بشكل آلي، الطالب الكويتي طالب صعب لا يقبل إلا ما يتناسب مع طموحاته ومع بيئته ودينه وتراثه.
ثم يستطرد قائلاً: المشاريع الطلابية لا شك أداة فعالة من أدوات التعليم المنتج المنسق القائم على المشاركة والتعاون، وهو مهمة منظمة تقدم خبرة أصيلة للمتعلم وتشجع على التفكير متعدد التخصصات وتستثمر فوائد التعاون بين الطلاب بعضهم بعضاً وبينهم وبين معلميهم وبينهم وبين بيئتهم، لكن للأسف ما يحدث عندنا أننا لا نفيد الطالب ونهدر وقته ومجهوده، ونهدر مال ولي أمره الذي ربما يعمل أكثر من 12 ساعة يومياً في دوامين ليسد حاجاته وحاجات الأسرة التي لا تنتهي.
وكان الختام مع الأستاذ بدر العبد الغفور، المدير المساعد لإحدى المدارس الثانوية، الذي قال: كلما فشلنا في التركيز على الجوهر تمسكنا بمظاهر فارغة، وما أكثر المظاهر الكاذبة في نظمنا التعليمية لا في الكويت وحدها ولكن في كل أنحاء العالم العربي.
وأضاف أن التركيز على التعليم يعني بناء أمة وبناء حضارة وحائط صد لا يمكن اختراقه أمام أعداء خبثاء يستخدمون كل أنواع الحيل العلمية والتكنولوجية لمسخ شبابنا وفصلهم عن أصالتهم وتراثهم.
واختتم العبد الغفور قائلاً: الكويت تستطيع أن تكون نموذجاً ومثالاً يحتذى إذا ما نجحت في تطبيق الوسائل والأساليب التربوية الحديثة بشكل جدي، بعد دراسة مستفيضة وتجريب وتدريب يأخذ ما يستحق من الوقت والجهد، حتى إذا ما طبق آتى أكله! أما أن ننقل الأساليب التربوية التي أثمرت مع بيئة غير بيئتنا وأينعت في تربة غير تربتنا، معتقدين أنها ستؤتي أكلها بمجرد إلقائها عندنا بغير دراسة فهذه سذاجة تهدر الوقت والجهد والمال وتضيع الأبناء والأجيال.