– الأمم الغنية تسببت في نزاعات أو انقلابات أكثر مما سببته الأمم الفقيرة
– الإعلام شريك أساسي في صناعة العدو ويهدف إلى عدم نشر العديد من الحقائق خدمة لقوى كبرى تسيطر عليه
– خطاب القوة يتسم بحالة من الفصام فهو يدين أفعال القوى الخارجية ثم يقوم بنفس الفعل
– الخطاب التاريخي دائماً مزدوج المعايير.. ففرنسا بلد حقوق الإنسان القوة الاستعمارية الثانية في العالم!
بيانات الكتاب:
عنوان الكتاب: صنع العدو أو كيف تقتل بضمير مرتاح.
المؤلف: بيار كونيسا.
ترجمة: نبيل عجان
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
الطبعة الأولى: مايو 2015.
عدد صفحات الكتاب: 318 صفحة.
نبذة عن المؤلف: «بيار كونيسا»، باحث وأكاديمي ودبلوماسي فرنسي، شغل منصب مساعد مدير لجنة الشؤون الإستراتيجية في وزارة الدفاع الفرنسية، وهو حالياً أستاذ في معهد العلوم السياسية، ومن مؤلفاته «دليل الجنة» (صدر عام 2004م)، و«آليات الفوضى» (صدر عام 2007م).
هذا الكتاب:
مؤلف في الفكر الإستراتيجي يفند خلفيات ونفسيات ومآلات الحرب ممثلة في العدو الذي يشنها أو تشن ضده.
لا يهدف الكتاب إلى تحديد طريقة مقبولة أو غير مقبولة للقتل والحرب، لكنه يرنو إلى تحليل كيفية نشوء علاقة العداوة، وكيف يُبنى المتخيل قبل الذهاب إلى الحرب وتفكيك الطريقة التي تجعل العنف شرعياً ومقبولاً من وجهة نظر من يقوم به.
حيث يقول المؤلف: إنه خلافاً لما نستطيع قراءته في كتب العلاقات الدولية، فإن الديمقراطية ليست حاملة للسلام بذاتها، وإلا ما قامت الاستعمارات الفرنسية والبريطانية قط، ولما وُجد الأمريكيون في العراق، ولما استعمر «الإسرائيليون» الأراضي المحتلة، على العكس من ذلك فإن الأنظمة الدكتاتورية ليست كلها داعية إلى الحرب.
وعليه؛ فالكاتب يفند ويفكك إستراتيجية صنع العدو، ويجيب عن السؤال المحوري: هل وجود العدو ضرورة؟ يرى «كونيسا» أن معظم أجهزة الدولة والمخابرات، ومراكز التفكير والتخطيط الإستراتيجية، وكل صُناع الرأي يشتغلون على صنع العدو، سواء أكان هذا العدو منافساً عالمياً (الصين)، أم عدواً قريباً (الهند – باكستان)، أم عدواً داخلياً حميماً (رواندا)؛ حيث ترى هذه القطاعات والأجهزة أنه من المفيد وجود عدو يصهر الأمة، ويؤكد قوتها، ويشغل قطاعها الصناعي والعسكري.
محتويات الكتاب:
يـتألف الكتاب من ثلاثة فصول ومقدمة مختصرة وخاتمة، يقدم في الفصل الأول «ما العدو؟»، من خلال تحديد ماهية العدو وبالتعرف على صانعيه من مثقفين وساسة، وبيان حاجة الدول إلى صناعة أعداء.
الفصل الثاني: «وجوه العدو: محاولة تصنيف»، ويستعرض فيه المؤلف أنواع العدو، وأنواع السلم، ويضرب مثالاً على كل واحد من تلك الأنواع، أما الفصل الثالث فيحاول فيه المؤلف تفكيك العدو منطلقاً من مقولة: «ما دام العدو بنية فهي قابلة للتفكيك».
في هذا الكتاب يريد أن يقول لنا «بيار كونيسا»: إنه لا أحد يقتل من دون مبرر داخلي يجعله يطمئن إلى فعلته الشنيعة، فيتصورها رحمة وإنسانية وغير ذلك من توهمات، قد يخلقها عنده الدين أو الأيديولوجيا أو الحمية العصبية والعرقية، المهم أن القاتل – مع خلفيته المسبقة هذه عن سبب القتل – يقتل وهو مرتاح الضمير، ذلك أنه خلق لنفسه قبل ذهابه إلى الحرب عدواً متوهماً يكون قتله مبرراً.
فكرة الحرب
يرى «كونيسا» أن الحرب هي ترخيص ممنوح شرعياً لقتل أناس لا نعرفهم، أحياناً هي عكس نظام القيم الموجودة أصلاً حيث القتل جريمة، فينعكس الوضع ليصبح القتل مشروعاً ويكافأ الجنود عليه، الحرب هي أن نقول: إنه من غير الممكن التحادث مع هذه المجموعات؛ إذن يجب قتلها، هذا النظام الإستراتيجي موجود ليقنع الرأي العام في البلدان الديمقراطية بأن لا مجال إلا للحرب، وهذا يتم من خلال المثقفين والإعلام، وهو عمل مجموعة، والمثقف هو صوت لا يمكن قياس تأثيره، يوضح للرأي العام ما هو حاصل، يشرح لماذا علينا أن نصنع الحرب، أو لماذا يجب تفاديها، أو ما العدو.
يقول المؤلف: إن تعريف العدو – حسب ما يظهر – هو تعريف اجتماعي أكثر منه حقوقي؛ كما أنه خيار وليس معطى من المعطيات، أي أنه لا ينبني على وقائع عينية ترشحه ليكون عدواً، بل ينبني على حاجة معينة هي التي تلبسه ذلك اللقب كي تبرر محاربته.
يحدد «كونيسا» وجوه العدو: العدو القريب أو عدو الحدود، والخصم العالمي كما كانت الحال بالنسبة إلى الحرب الباردة، العدو الحميم وهو الحرب الأهلية، العدو الهمجي والعدو المحجوب، وهو هاجس ناجم عن نظرية المؤامرة، و«حزب الخير ضد الشر»، واعتبر «كونيسا» أن الجديد الآن هو «الحرب المفاهيمية»؛ إذ إنها المرة الأولى التي لا نلجأ فيها إلى محاربة بلد ما، إنما أفكار معينة، وهي ما يطلق عليها اسم «الحرب الشاملة ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب»، والحرب الإعلامية؛ وهي تشكل الحالة الأحدث في الفراغ الأيديولوجي والإستراتيجي لما بعد الحرب الباردة والتي يجتاحها الإعلام، إذ تتفوق الصورة على النص، وحيث لا مصلحة إستراتيجية بل مصلحة سياسية داخلية.
يقول «كونيسا»: عند اندلاع الحرب وارتداء الجندي البزة العسكرية، فإنه يصبح – جزئياً – غير مسؤول عن الأشخاص الذين يتسبب في قتلهم ضمن حدود قانون الحرب، وكما أنه يكون محمياً بقواعد حماية الجنود وأسرى الحرب التي تغطيهم.
إن قانون الحرب يمثل إلى الآن العدالة التي يطبقها القوي على الضعيف، حيث يبقى جنود الطرف الأقوى محصنين، فالعملية «الإسرائيلية» «الرصاص المصبوب» على غزة أسفرت عن 1400 قتيل فلسطيني، وفي المقابل قُتل 14 جندياً «إسرائيلياً»؛ وهو ما دفع «إسرائيل» لتعديل اتفاقات جنيف التي تفرق بين المدنيين والمحاربين، ما قد يسمح بقتل المدنيين بصورة أكثر شرعية.
يرى «كونيسا» أن الدول الكبيرة هي من يملك حق تعريف عدوها وتحريفه في نفس الوقت، فإذا رأت أن تعريفاً ما لا يخدم مصالحها الإستراتيجية أو الآنية، لذلك تلجأ إلى وضع مصطلحات تحررها من المسؤولية وتوحي بمسؤولية القتيل عما حدث له لا مسؤولية القاتل عن فعلته.
فمثلاً ابتكرت أمريكا مصطلح «المحارب غير الشرعي» لتبرير السجن أو التعذيب، وهو المحارب الذي لا يرتدي البزة العسكرية، ولا تنطبق عليه بذلك قوانين حقوق الأسرى، كما أن مصطلح «الإرهاب» جاء كمراوغة مشابهة، فبما أن الحرب على الإرهاب ليست حرباً ضد دولة؛ فإن اتفاقات جنيف لا تطبق على أسراه ومحاربيه.
أنواع العدو
يؤكد «بيار كونيسا» أنه ليس هناك تصنيف نقي بصورة كاملة بالنسبة للأعداء، إذ كثيراً ما تختلط الأنواع المختلفة في صراع واحد، ثم يقدم ثمانية أصناف من الأعداء الذين نصنعهم، أو نصطنع العداوة معهم ليصبحوا وقود الالتفاف القومي أو الوطني وأشياء أخرى مهمة إستراتيجياً.
وهم: العدو القريب الذي نشترك معه بحدود جغرافية، العدو العالمي وهو المنافس في خصومة قوتين تعطيان لأنفسهما أبعاداً عالمية (الحرب الباردة)، العدو الحميم (الحرب الأهلية)، العدو الهمجي (المستعمَر في نظر المستعمِر)، العدو المحجوب (نظرية المؤامرة)، حرب الخير ضد الشر، العدو التصوري (فعل إمبريالي للقوة العظمى)، العدو الإعلامي وهو ما كان الغرب يحاربه بعد الفراغ الذي أنتجته الحرب الباردة.
يرى المؤلف أن العدو يؤدي دوراً اجتماعياً وسياسياً ضرورياً في المجتمعات المعاصرة؛ وهنا يبرز سؤال «كارل شميث»: هل يجب على الهوية أن تبنى بالضرورة ضد الآخر؟
العدو يقدم خدمات كثيرة، فهو يعمل مهدئاً لقلقنا الذي لا بد أن نسكته بإيجاد عدو ولو كان متخيلاً فقط، كما يمكن لصناعة العدو أن ترسخ الأواصر الجمعية، ويمكنها أن تكون مخرجاً بالنسبة إلى سلطة تواجه مصاعب على الصعيد الداخلي.
الحرب الاستباقية
يرى «كونيسا» في الحرب العادلة، يحدد العدو نفسه عبر عدوانيته، إذ إن تعرضه للهجوم هو أمر حتمي، هذا ما اعتمد عليه «بلير» في تبرير الحرب على العراق، حيث قال: «صدام حسين يمتلك صواريخ يمكن نشرها خلال 54 دقيقة، حيث يمكنه قتل 30 ألف شخص».
لقد وضع مفكرو المحافظين الجدد «الحرب الاستباقية» دليلاً ومبرراً لهم، واعتبرت الولايات المتحدة أنه يمكنها أن تتخذ قراراً أحادياً حين تعتبر أن شروط «الحرب العادلة» متوافرة من أجل المصلحة العامة؛ ما يعني بالنسبة لهم أن المصلحة الأمريكية هي مصلحة العالم، والدولة المارقة هي دولة عدوانية بطبيعتها.
هل يمكن أن نعيش من دون عدو؟ هذا هو السؤال الأول الذي يطرحه «بيار كونيسا» لتفكيك نوابض الحرب، وسرعان ما يجيب نفسه: «العيش من دون عدو للدولة صعب ولكنه ممكن»، إن أول خطوة لتفكيك العدو هي الاعتراف بالمسؤولية والتكفير عن الذنب، كما فعلت ألمانيا عام 1945م، لكن روسيا احتفظت بفتيل الأزمة حين رفضت الاعتراف بمسؤوليتها عن قتل 14 ألف ضابط وكادر بولندي في مذبحة «كاتين».
ثم تأتي المصالحة كإحدى وسائل تفكيك العدو، وتبدو المصالحة أحياناً صعبة، ولكنها تظل دائماً أكثر فاعلية، تتمثل صعوبة المصالحة في سيطرة حرب الذكريات التي من الصعب تجاوزها، خصوصاً أن كلا الطرفين يحتفظ برواية مغايرة للأحداث.
بعد عرض «كونيسا» لخطوات كثيرة، يرى أنها قد تسهم في تفكيك العدو، يقدم الاتحاد الأوروبي كتجربة كيان بلا عدو، رغم ما يعترضه من عقبات ذاتية وموضوعية وتحديات خارجية، فإن تصوره للدفاع المشترك يمنحه فرصة لتقليل الأعداء.
أشكال السلام
كما قدم «كونيسا» رؤيته في أنماط الأعداء ومن ثم طبيعة الحرب، فإنه عرض في المقابل أنموذجاً لجميع أشكال السلام وفق القدرات التي تملكها القوى للتفاعل فيما بينها، وهي: سلم التوازن، وسلم الهيمنة، وسلم الإمبراطورية، وسلم العجز، وسلام الرضا.
ويقول «كونيسا»: الأغرب أن يصبح وجود العدو حاجة قومية ملحة، إنه عقار قوي لبقاء دولة أو مجتمع أو عرق ما، لذلك يمكن أن تعتمد إستراتيجية ما على قتل الخصم بحرمانه من العدو، نورد هنا الكلمة الشهيرة لـ«ألكسندر أرباتوف»، المستشار الدبلوماسي لـ«ميخائيل جورباتشوف» عام 1989م: «سنقدم لكم أسوأ خدمة؛ سنحرمكم من العدو»، كان «ألكسندر» يقول: إنه بنهاية «صدام حسين» في حرب الخليج الأولى ستفقد أمريكا كثيراً من حيويتها.
خلاصات الأفكار:
يمكن أن نوجز في نقاط خلاصات الأفكار التي قدمها «بيار كونيسا» في كتابه «صنع العدو» في النقاط التالية:
1- قانون الحرب يمثل إلى الآن العدالة التي يطبقها القوي على الضعيف، حيث يبقى جنود الطرف الأقوى محصنين، حتى لو كان القتلى من المدنيين؛ وهو ما دفع «إسرائيل» لتغيير اتفاقية جنيف التي تفرق بين المدنيين والعسكريين في منطقة النزاع.
2- هناك حالة ملحة للعدو، فهو من أنجح العوامل التي تعيد وحدة المجتمع وهويته، وتغذي ذكرى الحرب الأساطير الجماعية لهوية الجماعة، ونلاحظ أن التاريخ منوط نوعاً ما بالتبرير في حال النصر، وبالتمثيل أو العذر في حال الهزيمة.
3- لقد وضع مفكرو المحافظين الجدد «الحرب الاستباقية» دليلاً ومبرراً لهم، واعتبرت الولايات المتحدة أنه يمكنها أن تتخذ قراراً أحادياً حين تعتبر أن شروط «الحرب العادلة» متوافرة من أجل المصلحة العامة؛ ما يعني بالنسبة لهم أن المصلحة الأمريكية هي مصلحة العالم، والدولة المارقة هي دولة عدوانية بطبيعتها.
4- يُشكل قرب حدوث التهديد عاملاً يسمح باستخدام القوة، وتؤدي وسائل الإعلام دوراً أساسياً لإقناع الرأي العام بتجسيد الشعور بقرب الخطر، وهو ما قامت به مجموعة «فوكس نيوز» للترويج للحرب في العراق.
5- يتسم خطاب القوة بحالة من الفصام، فهو يدين أفعال القوى الخارجية بل والحلفاء، ثم يقوم بنفس الفعل، متحججاً بأن الآخر يقوم بها.
6- الخطاب التاريخي دائماً ما يكون مزدوج المعايير، فالشيوعية كانت «جنة العمال» في نفس الوقت الذي كان الإضراب ممنوعاً، وتبقى فرنسا بلد حقوق الإنسان على الرغم من كونها القوة الاستعمارية الثانية في العالم.
7- القول: إن «الفقر يولد الحرب» غير منطقي؛ لأن الأمم الغنية هي التي تسببت في نزاعات أو انقلابات أكثر مما سببته الأمم الفقيرة.
8- لدى نظرية المؤامرة ميزة أساسية؛ وهي أنها تجيب عن كل التساؤلات المبهمة أو التساؤلات في الأوضاع الخطرة، أو الأوضاع التي تتسم بالصدمة، فتجعل الفرد مهيأ لتلقي أي أفكار، وتظهر وكأنها الحلقة المفقودة التي تفسر كل شيء فجأة وببساطة متناهية.
9- يمكن تفكيك حالة العداء من خلال الاعتراف بالذنب التاريخي وتفعيل خطاب متعدد.
10- يفكر الجميع في الاستقرار انطلاقاً من التفوق العسكري، وهي حالة من ازدواجية المعايير تجعل العالم ملتهباً، وتدفع إلى سباق التسلح للنيل من الآخر.