شهدت مصر انتقادات عديدة ومستمرة لملف حقوق الإنسان بها، لاسيما منذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، في صيف 2013، وفق تقارير حقوقية محلية ودوليةـ غير أنه هذا الهجوم يلقى دفاعا دائما من الحكومة عن موقفها وتبريرات متعلقة بالهجمات “الإرهابية” التي تواجهها في شبه جزيرة سيناء ووادي النيل على حد سواء.
وبحسب تقارير عديدة حقوقية دولية ومحلية تابعتها الأناضول عن مصر في السنوات الثلاثة الأخيرة، فهناك انتهاكات حقوقية بارزة بحق مناهضين للإدارة الحالية، التي يرونها نتاج “انقلاب عسكري”، بينما تراها قطاعات أخرى من المصريين حصاد استجابة لرغبة شعبية رافضة لحكم جماعة الإخوان المسلمين، بينما يضج الطرفان من الأزمات لاسيما الاقتصادية البارزة في عهد هذا النظام.
ومن بين الانتهاكات الحقوقية التي ارتفع الحديث عنها، “التعذيب والاختفاء القسري، وأعمال القتل خارج نطاق القانون” طيلة هذه الفترة، فيما ردت وزارتا الخارجية والداخلية المصريتان مرارا في أكثر من بيان أن هذا “غير صحيح”، وأن السجون لا تضم معتقلين سياسيين، وإنما متهمين ومدانين جنائيين، يخضعون لمحاكمات وفق الإجراءات القانونية السارية وليست سياسية.
وتؤكد الداخلية المصرية تحديدا أن من يقتلون في عمليتها “خارجون عن القانون” يلقوا حتفهم عادة خلال تبادل إطلاق نار أثناء محاولة القبض عليهم بتهم متعلقة بالعنف ينفيها على الدوام ذوو القتلى وحقوقيون.
وحسب بيانات سابقة لحقوقيين، يبلغ عدد السجناء السياسيين منذ إطاحة الجيش بمرسي، عدة آلاف، و40 ألفًا حسب جماعة “الإخوان المسلمين”، فيما تنفي السلطات المصرية ذلك تماما.
أحد هذه التقارير نشرته، مطلع العام الجاري، منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية الدولية، يوثق انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها مصر خلال عام 2016 ، ومن أبرزها “التعذيب والتوقيف دون تهم والاختفاء القسري الذي طال المئات”.
وتحدث التقرير وقتها عن مقتل 6 سجناء سياسيين في سجن العقرب، جنوبي العاصمة المصرية، جراء الإهمال الطبي.
ونفي مسؤولون أمنيون وحقوقيون حكوميون بمصر في تلك الفترة تقارير صحفية معارضة وحقوقية تتحدث عن تزايد حالات “القتل داخل السجون” عبر الإهمال العمد وغيره، مؤكدين تمتع السجناء بالرعاية الصحية “المناسبة”، وهو ما كان محل تشكيك دائم من المعارضة والجهات الحقوقية غير الرسمية.
ومنذ الإطاحة بمرسي، تتحدث روابط لأسر سجناء سياسيين لاسيما في برج العرب (شمال مصر) والعقرب (جنوبي العاصمة) عن انتهاكات واسعة بحق ذويهم، وسط إعلانات متكررة من سجناء عن الدخول في إضراب عن الطعام، كان آخرها الأسبوع الماضي، بإضراب جهاد الحداد المتحدث باسم الجماعة عقب نقله لزنزانة انفرادية عقابا له على مقال رأي كتبه في صحيفة أمريكية، وتم نشره الشهر الماضي.
وتحدثت جماعة الإخوان المسلمين التي أنشئت عام 1928، في بيانات شبه متواصلة عن “انتهاكات واسعة” طالت رموزها “قتلا وتوقيفا وإخفاء قسريا”، غير أن السلطات المصرية التي تعتبر الجماعة تنظيما إرهابيا منذ عام 2013، ترفض اتهاماتها.
ولم تسلم المنظمات الحقوقية المحلية بمصر، من مواجهة حكومية، كان أحدثها إغلاق مركز “النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب” (غير حكومي)، وردت الجهات الحكومية بأن بالمركز مخالفات إدراية، في مقابل اتهامات حقوقية لها بـ”قمع” منظمات المجتمع المدني.
وفي أيلول/سبتمبر 2016، قررت محكمة جنايات القاهرة، منع 5 حقوقيين مصريين، بينهم الناشطان جمال عيد، وحسام بهجت، بجانب 3 مؤسسات حقوقية تعمل بمصر، من التصرف في أموالهم.
والأشخاص الخمسة هم “جمال عيد”، رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان، والناشط الحقوقي “حسام بهجت” مؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، و”بهي الدين حسن”، مؤسس ومدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، و”مصطفى الحسن” مدير مركز هشام مبارك للقانون، و”عبد الحفيظ طايل” مدير المركز المصري للحق في التعليم.
والمراكز الثلاثة هي: “هشام مبارك، والمركز المصري للحق في التعليم، ومركز القاهرة لحقوق الإنسان”.
وعقب القرار، قال جمال عيد في تصريحات للصحفيين إن هذا الحكم “انتقام من الحقوقيين المستقلين”، وأنه يمكن له أن يعيش “مسجونًا وليس متواطئًا على الانتهاكات بحقوق الإنسان في مصر”، مضيفا “النظام مستمر في عدائه لحقوق الإنسان”.
وكانت أبرز القضايا الحقوقية في مصر المرتبطة بالخارج، في 25 يناير/كانون ثانٍ 2016، عقب اختفاء الباحث الإيطالي “جوليو ريجيني”، طالب الدكتوراه في جامعة كامبريدج البريطانية، في حي الدقي (غربي القاهرة)، قبل أن يعثر على جثته على طريق “القاهرة-الإسكندرية” (شمال العاصمة) وعليها آثار تعذيب، في 3 فبراير/ شباط من العام ذاته، وفق بيان للسفارة الإيطالية بالقاهرة آنذاك.
وفي أبريل / نيسان من العام الماضي، قررت الخارجية الإيطالية سحب سفير بلادها من القاهرة (ماوريتسيو ماساري) في أعقاب فشل أول لقاء بين المحققين المصريين والإيطاليين حول مقتل ريجيني.
أما بشأن الحق في الرعاية الصحية للسجناء، فذكر تقرير سابق أعدّه “المرصد المصري للحقوق والحريات” (غير حكومي)، أن “هناك 150 من المحتجزين بالسجون المصرية مصابون بمرض سرطان الرئة، و50 بسرطان القولون، و90 بسرطان البروستاتا، و200 باللوكيميا (سرطان الدم)، فيما يعاني 200 مسجون من سرطان الغدد الليمفاوية، و100 من سرطان البنكرياس”.
وأضاف المرصد، في تقريره الصادر في 16 أكتوبر/تشرين أول 2016، أن “نصف عدد مرضى السرطان داخل السجون المصرية، اكتشفوا إصابتهم بالمرض خلال فترة احتجازهم، بعد ظهور أعراضه عليهم، بينما النصف الآخر جرى حبسه وهو مريض”.
وفي وقت سابق قال عبدالله النجار، مدير مركز العربي الإفريقي للحقوق والحريات (مصري غير حكومي)، للأناضول، إنه “منذ عام 2013 وحتى الآن توفي 32 سجينًا داخل السجون بسبب مرض السرطان، من بين 491 متوفى بسبب الإهمال الطبي داخل السجون المصرية”.
وتعرب مصر وفق بيانات رسمية عديدة عن انزعاجها الدائم من التركيز على ملف حقوق الإنسان ببلادها، وتقول إن عليها التزامات تقوم بها، وأنها تعمل في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وهجمات إرهابية متكررة، بينما تستمر التوقعات الحقوقية في الذهاب إلى أن الملف الحقوقي بمصر مصدر قلق مستمر للمنظمات وسط التضييقات التي تنفيها القاهرة باستمرار.