المروءة والكرم صفتان متلازمتان في أغلب الأحيان، فلا تكاد تجد امرءاً ذا مروءةٍ إلا وهو كريم، ولا تكاد تجد امرءاً كريماً إلا وهو صاحبُ مروءة، ولقد جاء الإسلام بالأخلاق الفاضلة التي تعضد هاتين الصفتين وتؤكدهما، ولما كانت المروءة من مساعي البر، وتمثل طهارة النفس من جميع الأدناس والأرجاس؛ لذا فإنَّ كلَّ آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل، أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدلُّ على المروءَة، وترشد إلى طريقها، ومن ذلك قول المولى سبحانه وتعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {199}﴾(الأعراف)، وفيها المروءَة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق.
أما الكرم؛ فيقال كَرُمَ فلان أي: أعطى بسهولة وجاد، فهو كريم، وقد كان نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، وأجود الناس، وقد وصفه رب العزة سبحانه في كتابه العزيز بالكريم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ {40} وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ {41}﴾ (الحاقة)، والأحاديث الواردة في بيان كرم وجود النبي صلى الله عليه وسلم فكثيرة جداً، والتي تدل على بالغ كرمه وعظيم مروءته وجوده صلوات ربي وتسليماته عليه.
وما أحلى أن يتحلى المسلم بالمروءة والكرم، وهما صفتان جليلتان تحملان النفس على التحلي بمكارم الأخلاق، وهما سببان رئيسان في خلاص صاحبهما من المهالك والعثرات.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة تدل على مروءتهم وكرمهم، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية الرائعة والتي كان بطلها التاجر علي عبدالوهاب المطوع رحمه الله، وقد وردت هذه القصة في كتاب “محسنون من بلدي”، الجزء الثاني، إصدار بيت الزكاة، ص 161- 167 (مستشار التحرير د. عبد المحسن عبدالله الجارالله الخرافي)، وتحت عنوان “مروءة وكرم” بما نصه:
“كان المحسن علي عبدالوهاب رقيق القلب، ذا مروءة فريدة، يرق لحال المحتاجين ويبغض استغلال حاجاتهم أو المتاجرة في معاناتهم، وقد حدث يوماً أن اشترى بيتاً، وعندما ذهب لاستلامه سمع بكاء أهل البيت، فسأل عن سبب بكائهم، وعلم أنهم اضطروا إلى بيع البيت لسداد ديونهم التي حل أجلها، فقام يرحمه الله بشراء البيت وسجله مرة أخرى باسمهم بعد أن سدد عنهم ديونهم.
ولم يكتف بهذا الموقف الكريم مع أهل البيت، وإنما ألحق اسم هذه الأسرة بسجل الزكاة عنده، فكانت تتقاضى نصيبها من زكاته إلى أن توفاه الله تعالى”.
والأهم من ذلك أن هذه الواقعة ظلت طي الكتمان بينه وبين أهل البيت ولم تُعرف إلا بعد وفاته رحمه الله.
وهذا كان حال الكثير من آبائنا من أبناء الكويت الكرام في ذلك العصر، حيث كانوا أصحاب مروءة وكرم، يصنعون المعروف مع جميع من يتعاملون معه قريباً كان أو غريباً، وهم بذلك يضربون لنا أروع الأمثلة في الالتزام بقول الحق سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {262} ﴾(البقرة)، وتحقيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ” وعد منهم: “وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ..” (متفق عليه).
رحم الله العم علي عبدالوهاب المطوع وكل أصحاب المروءات الكرام، وأصحاب المواقف الجليلة والأعمال النبيلة من أهل كويت العطاء.