مساء الخميس من كل أسبوع، تذهب إيفا، وهي امرأة من ألمانيا (45 عاماً)، إلى مسجد شمالي العاصمة البريطانية لندن من أجل الحصول على وجبة غذائية ساخنة، وهو أمر نادراً ما يتحصل عليه شخص مشرد يفترش الأرض ويلتحف السماء.
وتعيش إيفا في المملكة المتحدة منذ خمس سنوات، وأصبحت بلا مأوى في الأعوام الثلاثة الماضية.
وفقدت إيفا وظيفتها كعاملة نظافة عندما أُغلقت الشركة التي كانت تعمل بها أبوابها، ومنذ ذلك الحين، تسكن الشوارع، وتكافح من أجل العثور على عمل.
وكانت إيفا تعيش على مساعدات الكنائس، لكن تلك المساعدات باتت شحيحة في الأشهر الأخيرة.
وتقول إيفا: قبل أن توفر الكنيسة الغذاء الأساسي وبعض المأوى لي، كان عليّ أن أسأل المقاهي والمطاعم عن الطعام الذي لا يحتاجون إليه، لكن كانت مطالبي تقابل بالرفض أحياناً بسبب سياسات تلك الأماكن.
لكن على مدى العامين الماضيين، وجدت إيفا طريقها إلى الحدث الأسبوعي “وجبة للجميع” الذي يستضيفه مسجد “فينسبري بارك” مساء كل خميس حيث تحصل على عشاء مجاني وتتجاذب أطراف الحديث مع غيرها من المشردين والآخرين من المتطوعين.
ويشمل الطعام الذي يقدمه المسجد مجموعة متنوعة من المأكولات، من الكاري الهندي إلى الكباب الشرق أوسطي والشاورما.
وتقول إيفا من قاعة الطعام المزدحمة في المسجد: “أعتقد أن هذه المبادرة فكرة ممتازة”.
وتضيف: “إنهم يقدمون لنا طعاماً جيداً بكميات كبيرة ولا يتم استثناء أحد”.
في الشارع، كنت تشعر بأنك وحيد وغير مرئي، ولكن هنا يتحدثون لك ويرغبون في التعرف عليك، ليس لكونك مشرداً، ولكن لأنك إنسان لديك مشاعر وعواطف، تتابع إيفا.
وتعترف: لقد غيرت هذه المبادرة الطريقة التي أرى بها المجتمع المسلم في المملكة المتحدة.
وبينما تحتسي كوباً ساخناً من الشاي بعد الوجبة تقول: من قبل، كانت لدي أفكار سلبية عنهم (المسلمون) ولكن الآن رأيت ما فعلوه بالنسبة لي ورأيت كيف يهتمون بالمجتمع، مسلماً كان أم غير مسلم، أود أن أشكرهم من كل قلبي.
وجبة للجميع
وأطلق المسجد في أغسطس 2015 مبادرة “وجبة للجميع”، كما يقدم أيضاً عدداً من الخدمات مثل تقديم المشورة بشأن القضايا التي تحيط بالتشرد، وتوفير المعلومات عن الخدمات المحلية التي يقدمها متطوعون للمشردين.
وتختتم إيفا بالقول: بالإضافة إلى ترحيبهم بك في مجتمعهم، فإنهم يحترمونكم ويعاملونكم بكرامة، ولهذا سأواصل زيارة المسجد، لأنهم يجعلونني أشعر بالسعادة.
وقد حظي المسجد باهتمام دولي في العام الماضي عندما دهس دارين أوزبورن، في عمل إرهابي، بشاحنته يوم 19 يونيو، حشداً من المصلين في إحدى ليالي شهر رمضان المبارك، ما أسفر عن مقتل أحدهم وإصابة الكثيرين.
ومع ذلك، فإن المسجد لم يدع الهجوم الإرهابي المذكور يؤثر على عمله.
يقول محمد كوزبار، القائم على إدارة مسجد “فينسبري بارك”: وجبة للجميع هو مشروع نحاول من خلاله مساعدة مجتمعنا.
ويوضح أن التشرد قضية كبيرة هنا في المملكة المتحدة، وهي تتزايد للأسف، كل مجتمع وكل مركز مجتمعي لديه واجب ومسؤولية للمساعدة في هذه المسألة ولدينا شركاؤنا في المجتمع المسيحي، وهذا هو السبب في أننا قررنا إطلاق هذا المشروع.
ويتابع: هذه المبادرة مفتوحة للجميع، بغض النظر عن ديانة الأشخاص وجنسياتهم، الأمر لا يتعلق بتقديم الطعام فحسب، بل يرتبط بالدمج الاجتماعي من خلال جمع الناس معاً ومحاولة مساعدتهم في قضايا أخرى مثل الإسكان والبطالة وغير ذلك.
ويردف بالقول: لقد مررنا بوقت صعب جداً العام الماضي بعد الهجوم الإرهابي، إلا أن مجتمعنا لديه القدرة على المقاومة.
ارتفاع معدل التشرد
وأصبح التشرد في المملكة المتحدة ظاهرة متفشية، حيث يتم تسجيل واحد من كل 200 شخص (أكثر من 300 ألف شخص) رسمياً كمشردين، وفقاً لمجموعة “شلتر” الخيرية.
وقالت الجمعية: إن هذه الأرقام أقل من تقديرها الحقيقي، لأنها لا تشمل أولئك الذين لم يتم تسجيلهم على أنهم بحاجة إلى مساعدة إسكان.
وتتصدر العاصمة البريطانية لندن قضية التشرد، إذ إن واحداً من كل 59 شخصاً هناك بلا مأوى.
ومع ذلك، شهدت منطقة شمال غربي إنكلترا أكبر زيادة في معدلات التشرد بنحو 39% منذ العام الماضي، وفقاً لمنظمة “هومليس لينك”، وهي مؤسسة خيرية تعني بالعمل مباشرة مع المشردين في البلاد.
وثمة أسباب كثيرة لازدياد التشرد بشكل ملحوظ في المملكة المتحدة، وتشمل عدم رغبة البعض في استيعاب أقاربهم وأصدقائهم في منازلهم، فضلاً عن ارتفاع كلفة استئجار وصيانة الوحدات السكنية.