اندلع غضب الفنانين والمبدعين بمصر بعد إعلان لجنة الدراما بالهيئة الوطنية للإعلام عن قوائم بالموضوعات ذات الأولوية المطلوب تناولها في الأعمال الفنية المعروضة، واعتبر مبدعون هذه القوائم تأميماً للإبداع.
وعلى الرغم من الثورة الكبيرة التي اندلعت بين المبدعين والفنانين بمصر بعد انتشار أنباء حول وجود قوائم رسمية لضبط الدراما، فإن النظام مضى قدماً في تعميمها على الفضائيات المملوكة في معظمها لأجهزة سيادية، أو الواقعة تحت سيطرتها.
وتضم هذه القوائم الموضوعات ذات الأولوية التي يجب الالتزام بها عند إنتاج الأعمال الدرامية، وهي أشبه بالموضوعات الإنشائية التي يجري تكليف طلاب المدارس بكتابتها في حصص التربية القومية.
وأفصحت عضوة لجنة الدراما خيرية البشلاوي عن بعض ما تحويه القائمة من موضوعات تخص محاربة الإرهاب والإشارة لإنجازات النظام بالقول: إن “الدراما الحالية لا تتناول ما تمر به البلاد من محاربة للإرهاب وإنشاء بنية تحتية قوية”، مؤكدة أن “لجنة الدراما تسعى فقط لضبط ما يعرض للناس”.
وطالبت البشلاوي في حوارها بإحدى الفضائيات بضرورة عرض الأعمال الدرامية التلفزيونية على الرقابة بعد الانتهاء منها، سعياً للتوافق مع تلك القوائم، ما يشير إلى أنها قوائم ملزمة للمنتجين.
وجددت تلك الضوابط الجدل بالقاهرة حول سعي أجهزة النظام المصري وهيئاته لإحكام السيطرة على كل ما تراه أعين المصريين، وتسمعه آذانهم، وضبطه على بوصلة ما يخدم النظام الحالي.
وتعد لجنة الدراما رقابة لاحقة على إنتاج العمل الدرامي تسجل ملاحظاتها عليه عند عرضه.
واللجنة مستحدثة لتكمل عمل هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، التي تستوجب عرض النصوص عليها قبل عرضها.
نموذج ألمانيا النازية
وهاجم بيان لجبهة الإبداع إصدار لجنة الدراما قائمة لأولويات الدراما المصرية.
وعبّر بيان الجبهة التي تضم فنانين ومخرجين وكتاب سيناريو عن دهشة الأوساط الفنية من هذه القائمة.
واعتبر البيان وضع تلك القائمة “ضرباً من الوصاية غير المقبولة على مبدعي مصر وأيضاً على المتفرج”، منتقداً “الخلط بين الإعلام والفن، وبين دور الدولة وإعلامها الرسمي”.
وقال البيان: إن النموذج الماثل في الأذهان لقيام مؤسسة من مؤسسات الدولة بدور مماثل “كان في ألمانيا النازية في عهد هتلر ووزير دعايته جوبلز وأستديوهات أوفا”؛ التي كانت تنتج الموضوعات والرسائل التي يشجعها جوبلز.
وتساءل البيان: “هل تلك هي الصورة التي نرغب في أن يكون عليها المشهد الفني في مصر: فناً تحت الوصاية ومدجناً؟”.
ورأى الناقد الفني حسام الغمري هذه الضوابط “عبثاً وسخفاً”، لمحاولة استنساخ أجواء فترة الستينيات، التي سيطر فيها نظام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر على الإبداع الفني والسينمائي.
واستنكر الغمري فكرة اقتراح لجنة الدراما لمضامين الدراما، واعتبرها “تأميماً مضحكاً للإبداع”، واستدرك بالقول: إنه من “المقبول فقط وضع قواعد رقابية عامة خاصة بالدين والجنس”.
وذكَّر المتحدث رئيس لجنة الدراما المخرج محمد فاضل بمسلسله القديم “الراية البيضاء”، الذي ناقش صراعاً بين متعلمين أصحاب حق وجهلة أصحاب قوة، مؤكداً أنه هو نفسه لم يكن ليرضى بهذه الضوابط التي كان يمكن أن “تحجب عملاً مميزاً مثل ذلك”.
وأكد أن من شأن تطبيق هذه القوائم فرض مزيد من التضييق على المبدعين، ما يمكن أن يدفع بهم للهجرة بأعمالهم إلى فضاءات أرحب خارج مصر.
خنق الإبداع
وسخر كاتب السيناريو عمرو سمير عاطف من قائمة اللجنة بالقول: إنها “موضوعات إنشائية مدرسية”.
واعتبر عاطف أن طرح هذه الفكرة “أمر غير مسبوق”، ولو جرت محاولات تطبيقه قسراً على المبدعين؛ “فسوف تجهز على الإبداع المصري”.
وقال: إن الإبداع مسألة لا تعني القائمين على أمر اللجنة، وعلى العكس “فهدف مثل هذه اللجان هو خنق الإبداع”.
وتوقع المؤلف أن تكون الفترة المقبلة “شديدة القسوة على مناخ الإبداع عموماً، وربما تصل لإعلان النظام الحرب على المبدعين”.
وطالب عمرو عاطف المنتجين بالتفكير جدياً في فتح مسارات جديدة لعرض أعمالهم “بعيداً عن القنوات الخاضعة لسيطرة هذه اللجنة”، مثل نت فليكس، وهي مؤسسة إنتاج وعرض أعمال درامية وسينمائية على الإنترنت.
وفنّد عمرو عاطف حجة رئيس اللجنة لطرح هذه القائمة بوجود فوضى في الدراما منذ عام 2011، ولفت إلى “تطور الدراما التلفزيونية منذ ثورة يناير، وتقديم أعمال عظيمة”.
بدوره، استنكر الممثل المعروف عادل إمام ضوابط لجنة الدراما، وطالب بعدم فرض وصاية على المبدعين، مؤكداً أنه ليس بإمكان أحد السيطرة على الإبداع.
ووصف إمام في مداخلة بإحدى الفضائيات قائمة هذه اللجنة “بالفاشية التي ستجني على الفن”.