قالت صحيفة “واشنطن بوست”: إن حكومة بورما، التي تكافح للتعامل مع الاتهامات بالتطهير العرقي بسبب معاملتها لمسلمي الروهنجيا، تسعي لعمل تشريع جديد يسعى إلى إشراف أكبر على عمل المنظمات غير الحكومية الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، مما يثير مخاوف من شن حملة على أنشطتها.
يحتوي مشروع القانون الخاص بالمنظمات الدولية غير الحكومية، الذي راجعته صحيفة “واشنطن بوست”، على تعريف غامض للمجموعات التي ستنظمها، ويقترح رصد عمل مجموعات المعونات من قبل الموظفين البورميين، ويوفر للمنظمات المتضررة القليل من الضمانات، ويخول الحكومة بتعليق عملهم، وقد دفع هذا بعض الجماعات إلى الخوف من إمكانية تقييد عملها في بورما، التي تُعرف أيضًا باسم ميانمار.
ويأتي القانون المقترح في وقت تشن فيه حملة هي الأوسع نطاقاً على الحريات الديمقراطية في عهد أونج سان سو كي، الحائزة على جائزة “نوبل”، في الوقت الذي تكافح فيه للتعامل مع تداعيات العمليات العسكرية التي جعلت ما يقرب من 700 ألف من الروهنجيا يهربون عبر الحدود إلى بنجلاديش منذ أغسطس.
الغرض المعلن من القانون أن يسمح للحكومة بقمع الأنشطة التي لا تحبذها وتقويض الجهود المبذولة في النهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بحسب ائتلاف يضم العشرات من مجموعات الإغاثة العاملة في بورما.
ويقوم ممثلو مجموعات المساعدات الدولية والدبلوماسيون بممارسة الضغط على أعضاء اللجنة البرلمانية لمراجعة المسودة لتغيير الصياغة أو سحبها، ولم يتضح ما إذا كان القانون سيتجاوز اللجنة أم الأحكام ستدرجها النسخة النهائية.
كما لم يتضح من الذي كتب المسودة أو إذا كان قد تمت كتابته بناء على توجيه الرئيس أو مكتب مستشار الدولة، وقد وجه زاو هاتاي، وهو متحدث باسم الحكومة، أسئلة حول مشروع القانون إلى وزارة التخطيط والمالية، ولم ترد الحكومة على طلبات للتعليق.
وقال تين ماونج أوو، وهو عضو في اللجنة التي تعمل على التشريع: إن المجموعة تتشاور مع الوزارات وممثلي المجموعات غير الحكومية والخبراء.
وقال: إن مجموعات الإغاثة الدولية تقوم بعمل مهم، وأن الحكومة ترغب في أن “تزدهر”، لكن هناك حاجة إلى قانون للإشراف على عملها.
ويحذر النقاد من أن مثل هذه القوانين هي جزء من اتجاه مزعج في المنطقة.
وقال ريتشارد وير، الباحث في قسم آسيا في “هيومن رايتس ووتش”: عبر جنوب شرق آسيا، اتضح أن مجموعة من القوانين والسياسات والممارسات خلال العام الماضي جعلت المساحة المتاحة للمجتمع المدني وحرية التعبير والنقد تتقلص، وهذا الاتجاه واضح بشكل خاص في ميانمار، حيث اتسعت مساحة المجتمع المدني بسرعة في عام 2011 وتقلصت منذ أن صعدت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية إلى السلطة في عام 2016.
واقترحت الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الحاكمة في ميانمار إدخال تعديلات على قانون الاحتجاج في البلد، من بينها قانون يسعى إلى فرض أحكام بالسجن على من يمكن أن تضر مظاهراتهم بـ “أمن وسيادة القانون واستقرار الدولة”.
وفي أوائل مارس، سار مئات المتظاهرين في وسط مدينة رانجون للاحتجاج على التغييرات المقترحة.
وبعد يومين، تمت الموافقة على التعديلات من قبل مجلس الشيوخ الذي تهيمن عليه الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، والتعديلات الآن في مجلس النواب، حيث تحتفظ العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية بأغلبية المقاعد.
وقال دبلوماسي غربي في رانجون، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالتحدث إلى وسائل الإعلام: إن قانون الاحتجاجات المنقح ومشروع القانون الخاص بالمجموعات غير الحكومية كان “أول خطوتين نشطتين (من قبل) NLD لجعل ميانمار أقل ديمقراطية.
وقد لاحظت المجموعات الدولية غير الربحية وضع ضغوط أوسع ضد عملهم لأن الحكومة تزيد من صعوبة الحصول على التأشيرات وتصاريح السفر. واعتقد بعض الحاضرين في اجتماع منتدى المنظمات غير الحكومية الذي انعقد في فبراير الماضي أن مشروع القانون يمكن أن يكون “مقدمة لمزيد من القيود على الفضاء المدني، كما حدث في بعض البلدان الأخرى”، وفقاً لمحضر الاجتماع الذي استعرضته صحيفة “واشنطن بوست”.
ويفرض القانون المثير للمشكلات على المواطنين البورميين الذين يعملون لحساب منظمة غير حكومية دولية التعاون مع الحكومة، إضافة إلي مراقبة يمكن أن تقوض الثقة ويكون لها تأثير سلبي على اتفاقيات الشركاء، وفقا لعرض منتدى “INGO”.
وفي تحليل لمشروع التشريع، كتب المركز الدولي للقانون غير الهادف إلى الربح الذي يتخذ من واشنطن مقراً له أنه “لا يمكن العثور على أمثلة مقارنة في قوانين أخرى”.
ووفقاً لتين مونج أو، ينطبق مشروع القانون على عمل الأمم المتحدة في بورما، وقد منعت الحكومة بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة من دخول بورما، ومنعت محقق حقوق الإنسان التابع لها، ونددت بهم.
ووفقاً لتين مونغ أو، فإن مشروع القانون ينطبق على عمل الأمم المتحدة في بورما، منعت الحكومة بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة من دخول بورما، ومنعت محقق حقوق الإنسان التابع لها، ونددت بتصريحات الأمم المتحدة حول معاملة بورما لمسلمي الروهنجيا، والتي وصفتها بأنها “مثال كتابي للتطهير العرقي”.
جدير بالذكر أن انتقاد الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة واضح بشكل خاص في ولاية راخين، حيث تتهم الحكومة البورمية بالتطهير العرقي للروهنجيا في راخين لصالح البوذيون منذ فترة طويلة.
ومن غير الواضح ما إذا كانت الحكومة ستتمكن من تطبيق القانون على الأمم المتحدة وعملها في بورما، وقال ستانيسلاف سالينج، المتحدث باسم مكتب المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في بورما: إن البلد هو بالفعل من الموقعين على “الاتفاقيات الدولية” التي تحكم عمل الأمم المتحدة في البلاد.
لكن وكالات الأمم المتحدة تنفذ العديد من برامجها من خلال مجموعات غير حكومية يمكن أن تتأثر بالقانون.
وقد عبرت الأمم المتحدة وشركاء آخرون في التعاون الإنمائي عن قلقهم من أن بعض الأحكام الواردة في مسودة القانون الحالية تعسفية ومفرطة، ويمكن أن تحد من قدرة المنظمات غير الحكومية الدولية على الاضطلاع بدورها الإنساني والإنمائي المهم.
وأضاف: نعتقد أن القانون لن يساعد الحكومة على تنظيم وإدارة المنظمات الدولية غير الحكومية، ولا يساعد المنظمات غير الحكومية الدولية على العمل بفعالية وكفاءة وشفافية أو مساءلة.
وبالإضافة للتشريع المقترح حديثاً، واصلت الحكومة التي تقودها العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية أيضاً استخدام العقوبات القائمة، مثل قانون الاتصالات المثير للجدل، وهو جزء من التشريعات التي وقعتها الحكومة السابقة وكثيراً ما يستخدم لتجريم انتقادات السلطات.
وقد تم تعديل القانون في العام الماضي -وهو الحد من مدة السجن المحتملة وتضييق نطاق الأشخاص الذين يمكن توجيه التهم إليهم- لكنهم لم يصلوا إلى حد الإلغاء التام الذي طالب به النشطاء، وقد وجدت مجموعة الدفاع عن حرية التعبير Free Expression Myanmar أن 9 شكاوى جنائية قد تم تقديمها في أغسطس 2017، عندما تم تعديل القانون، وفي نوفمبر 2017.
وقال مونج ساونج خا، وهو ناشط وشاعر سجنته الحكومة السابقة لمدة ستة أشهر بموجب القانون: “لقد قاموا بتعديل المادة (66 د) فقط لإنقاذ المظاهر”، في إشارة إلى مادة من القانون، “إنهم يريدون السيطرة على حرية التعبير مثلما فعلت الحكومة السابقة”.