في كل عام في فصل الشتاء يمن الله تعالى على عباده بالأمطار، وهذه الأمطار ما هي إلا هبة من الله تعالى لعباده لتسقي الأرض وتنبت العشب وتغسل النفوس، وسبحان الله وقت هطول الأمطار عادة ما يكون ابتهاجاً للنفوس وتعم السعادة والفرح لكل الناس!
ولكن..
ما بعد هطول الأمطار إما أن تكون النتائج جيدة ويستمر ابتهاج النفوس ويستمتع الناس بالخروج إلى الصحراء ومشاهدة الخباري والفياض والهواء العليل هذا في حالة الاستعداد الحقيقي لموسم هطول الأمطار، وهذا ما نشاهده في الدول الأوروبية، حيث إن الأمطار هناك لا تتوقف طوال العام بل هناك الثلوج المستمرة طوال الشتاء.
ولكن هنا في دول ما يسمى بالعالم الثالث كما حدث في المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة بعد كارثة السيول ووفاة ما يقرب من 20 شخصاً جراء السيول.
وإن كنّا نعذر الأردن نظراً لكمية الأمطار الهائلة وقلة الإمكانات، ولكن نحن عندنا الوضع مختلف، فدولة الكويت بحمد الله وشكره تتمتع بوفرة مالية إن لم تكن ممتازة فهي جيدة جداً، فمن غير المقبول أن نغرق كما يقول المثل الشعبي “بلد تغرق بشبر ماء”.
الكل يشهد ما كانت تتمتع به دولة الكويت في السبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من بنية تحتية راقية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، فكانت الأمطار تهطل بغزارة وتصرف بالكامل بالمناهيل المعدة لها.
ولكن خلال العشرين سنة الماضية أصبحنا يصيبنا الهلع والذهول من جراء سقوط الأمطار، مع أننا نرى الشركات تعمل في أشهر الصيف في المناهيل وتبليط الشوارع ونستبشر بهذا العمل، ولكن ما أن تهطل علينا قطرة مطر تنقلب الدنيا رأساً على عقب، والعجب العجاب أن نفس هذه الأماكن كل ما تهطل الأمطار تغرق (جسر المنقف – طريق الغزالي – الدائري السابع)، والآن أضيف إليها مدينة صباح الأحمد السكنية الحديثة.
إن السبب في ذلك ما هو إلا الفساد المتعمق والمتجذر في أكثر من جهة، ابتداءً ممن أرسى المناقصات على هذه الشركات إلى الشركات المنفذة والمتنفذة انتهاءً بمديري المشاريع ومهندسي المشاريع الذين قاموا بالتوقيع على صلاحية هذه المشاريع.
وكذلك ما يكون بعد هذه الأمطار من تطاير الحصى في الطرقات وتكسير زجاج السيارات، بل إن الأمر يتعدى الزجاج فلو تخيلنا أن شخصاً يسير في الطريق ويتطاير الحصى ويصيب عينه وكما نقول: “تروح عينه”، من يفيد هذا الشخص إذا ذهبت عينه؟
إن الأمر جلل ويجب أن تنفذ توصيات سمو رئيس مجلس الوزراء بمحاسبة كل من تسبب في هذه الأضرار من أكبر مسؤول إلى أصغر مهندس وعامل في مشاريع البنية التحتية، وخصوصاً من نفذ وخطط لجسر المنقف والغزالي ومدينة صباح الأحمد وغيرها، والإحالة للنيابة وليس فقط الاستقالة؛ لأن الاستقالة ما هي إلا حماية لهذا المتسبب، ويجب أن تكون هناك دراسة من شركات عالمية لوضع البنية التحتية في دولة الكويت بالكامل، فالشعب الكويتي لا يستحق الغرق في شبر ماء.
وعلى عاتق مجلس الأمة مسؤولية عظيمة بالتحقيق الحقيقي واتخاذ خطوات تصحيحية للمحاسبة الحقيقية.
إن الرقم الطويل جداً الذي عرضه النائب الخلوق أسامة الشاهين فيما سمي بجلسة الأمطار لهو رقم مخيف ودليل دامغ على أن الفساد في المشاريع الحكومية قد بلغ مداه، ولا يكفي فقط لجنة تحقيق، بل يجب أخذ إجراءات عملية حتى لو أدى ذلك إلى خصخصة وزارة الأشغال، فوالله لو كان من يقوم بإنشاء وصيانة البنية التحتية يعلم أنه سوف يوقف عمله في دولة الكويت ويسحب ترخيص مزاولته العمل في حالة الإخلال بالعمل لعمل عملاً متقناً، ويجب على كل مقاول أن يكون شعاره حديث أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، وعلى مهندس المشروع أن يستشعر قول الله تعالى: “وقفوهم إنهم مسؤولون”.
ولا نود أن نسمع أن الفاسد الوحيد الذي عوقب في الكويت هو “حسين بن عاقول” بمسلسل “درب الزلق”، وإن شاء الله تكون هذه الأمطار بداية النهاية لكل فاسد في البلد، فالكويت لا تحتمل فاسدين.
وكذلك فإن المادة (25) من الدستور الكويتي التي تقضي بتعويض كل من تضرر يجب الاستعجال بتعويض كل من تضرر من مواطنين ومقيمين، وأستذكر من توفي أثناء الأمطار وهو يحاول إنقاذ أهله من الغرق أحمد براك الفضلي يرحمه الله، وهو غير كويتي يجب أن يكون له تكريم خاص لأبنائه وأهله.
ولكن في ظل وجود هذه النظرة السوداوية هناك وجه مشرق لهذه الأزمة وهو التعاون الرائع ما بين الشباب الكويتي الذي دائماً يثبت للحكومة أنه شباب “كفو” لو أُعطيت له المسؤولية، وكذلك ترفع القبعة لرجال الجيش والحرس الوطني والداخلية والإدارة العامة للإطفاء ووزارة الإعلام وإدارة الطيران المدني ووزارة الصحة.
وكذلك أثبتت الفرق التطوعية وجمعيات النفع العام تعاونها مع الدولة من خلال إعلانها عن تشكيل فرق إنقاذ ومساعدة للمتضررين كما قامت نماء للزكاة والتنمية المجتمعية، بالتعاون مع فريق عطاء وصقور صباح للإنقاذ، وكذلك فريق الإنقاذ الكويتي، وكذلك العديد من جمعيات النفع العام التي أصدرت بيانات المساعدة والإنقاذ أمثال جمعية الإصلاح الاجتماعي والجمعيات والفرق التطوعية الأخرى.