– الثورة لا تزال مهدَّدة و”السترات الحمراء” أحد مظاهر التهديد
– على امتداد السنوات الماضية استطاع التونسيون أن يسطروا مسيرتهم فكتبوا دستوراً توافقياً
– تونس في المرتبة الـ6 بمؤشر الديمقراطية عالمياً
تحيي تونس هذه الأيام الذكرى الأولى لثورة الحرية والكرامة، وسط تجاذبات حادة، وطرف يتباهى بالحرية، والآخر ينشد الكرامة، وطرف انتهازي ثالث يعمل على كتم أنفاس الحرية، والقضاء على ما تحقق من كرامة، والمزايدة بما لم يتحقق منها، كتفشي البطالة، فضلا عن عدم القضاء عليها، وغلاء المعيشة، وتدهور المقدرة الشرائية.
وقد ساهمت الأطراف الانتهازية في صنعها من خلال سياسة وضع العصا في العجلة أو الدولاب، للتدليل على فشل وعود الثورة، التي كانت بلا شك أفضل من الاستبداد، فرغم النقائص الكثيرة فالشعب يتنفس الحرية، ويعبر عن رأيه بكل تلقائية، وهناك من استغل أجواء الحرية ليدنسها ويسيء إليها، ومع ذلك، هذا أفضل من الاستبداد والدكتاتورية وبكل المقاييس، وهذا ما يدركه الجميع، وما يفعلونه ليس سوى رقصة الديك المذبوح، فتونس اختارت طريقها.
دلالات 17 ديسمبر
في مثل هذا اليوم أضرم ملهم الثورة محمد البوعزيزي النار في نفسه، أشعل جسده فالتهبت روحه وانطلقت تغازل سماء الحرية، خرجت الجموع الزاحفة، حيث كانت تلك الشرارة التي بلغ بها نصاب الثورة النصاب خرجت الجموع هادرة، تنادي بإسقاط النظام، وصرخت الحناجر: “ارحل”، بدون مؤامرة، أو تغطية على انقلاب، نريد الحريّة.. نريد الكرامة الإنسانية، استجاب الله، فكان من بين عطاياه ثورة لا تزال تناضل من أجل تحقيق أهدافها رغم كل المصاعب وكل العراقيل وكل القوى المتحالفة ضدها والساعية لإخمادها.
كانت البداية تداعي النظام القديم ليخلف نفسه، وتمكن خلال عام 2011م من لملمة بعضه، وترسيخ بعض المصالح، والمحافظة على مكانه في الإدارة التونسية، وهو ما ساهم في ما بعد في ضرب الثورة من داخلها من خلال الدولة العميقة، ومع ذلك لم تنجح الدولة العميقة في الانقلاب على الثورة وقيمها حتى الآن، وقد مثلت السنوات الماضية عملية امتزاج بين الثورة والدولة العميقة، امتزاج أو تزاوج غير طبيعي، لكنه حافظ على بعض من السلم الأهلي، كما ساعد الثورة على مد عروقها في الدولة، كمرحلة إستراتيجية لتنظيف الإدارة، حيث تعمد الثورة المضادة كما يقول عبد الرحمن الكواكبي، إلى تدمير كل شيء؛ “فناء دولة الاستبداد لا يصيب المستبدين وحدهم، بل يشمل الدمار الأرض والناس والديار”، ويشرح الكواكبي ذلك بالقول: “لأن دولة الاستبداد في مراحلها الأخيرة تضرب ضرب عشواء، كثور هائج، أو فيل ثائر في مصنع فخار، تحطم نفسها، وأهلها وبلدها، قبل أن تستسلم للزوال”، ويتابع: “وكأنما يستحق على الناس أن يدفعوا في النهاية ثمن سكوتهم الطويل على الظلم وقبولهم القهر والذل، والاستعباد، وعدم تأملهم في الآية الكريمة: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {25}) (الأنفال).
إنجازات
على امتداد السنوات الماضية، استطاع التونسيون أن يسطروا مسيرتهم، فكتبوا في الأثناء دستوراً توافقياً ووضعوا نظاماً سياسياً جديداً، مرّروا قوانين ثورية، نصبوا هيئات دستورية، فصلوا بين السلطات فصلاً فعليّاً، قطعوا مع الماضي الكئيب ومنحوا للإعلام الحريّة وللأقلام صوتًا، نظموا الانتخابات بشفافية وديمقراطية بشهادة العالم، ومارسوا الديمقراطية بمسؤولية، وعايشوا معاني احترام الذات، فكانت الصورة موضوعية إلى حد كبير رغم العديد من التجاوزات، ومحاولات الاستغلال السيئ للحرية والديمقراطية.
انتخابات نزيهة وشفافة
لقد نجحت تونس في إنجاز 4 انتخابات حرة وشفافة تمثلت في إجراء انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي (أكتوبر 2011م)، انتخابات برلمانية (أكتوبر 2014م)، انتخابات رئاسية (جولة أولى نوفمبر 2014م)، الانتخابات البلدية (2018م) هذه المحطات الانتخابية لم تشرف عليها وزارة الداخلية وإنما الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وهي هيئة مستقلة عن الحكومة والأحزاب.
حق التظاهر مكفول
أصبح التونسيون يخرجون إلى الشوارع للتظاهر بشكل سلمي والانتقاد دون خوف مع تأمين الحكومة لجميع المسيرات حتى تلك التي تتضمن نقداً لاذعاً لها، ولم تسل قطرة دماء واحدة ولم يتدخل لا الأمن والجيش في سير هذه التظاهرات، وأصبح بإمكان الشعب أن يصدح بما يشاء وأن يطالب بحقوقه كاملة، مع تسجيلنا لتجاوزات سواء كان من الدولة وهي ليست سياسة منهجية، وإنما تجاوز يسأل عنه المسؤولون عنه، وهو تحت أنظار القضاء، وقد استغل البعض أجواء الحرية المتاحة للجميع ليسيء للجميع، فخلال عامي 2012 و2013 حصل 42 ألف إضراب، بينهم إضرابان عامان، وهو رقم قياسي غير مسبوق في تاريخ تونس.
حرية الصحافة
لطالما نظرت الصحافة الأجنبية إلى تونس بعين الإعجاب، خاصة وأنها البلد العربي الوحيد الذي استطاع الحفاظ على استقراره السياسي بعد الثورة التي أطاحت بنظام بن علي، وفي مقال للكاتب البريطاني ديفيد هيرست: “تونس بلد صغير إلا أن المتابعين للأحداث فيها جمهور كبير، فعملية انتخاب البرلمان والرئيس فيها ذات شأن عظيم، ليس فقط لأنها تبقي العملية الديمقراطية على قيد الحياة، ولكن أيضاً بسبب الإشارات التي ترسلها إلى بقية العالم العربي، فها هي تونس مهد الثورة، تحتفظ بقدرتها على وضع الأجندة للمنطقة بأسرها”.
أرقامٌ ومؤشرات
تصنيف دافوس فبراير 2017 تونس الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي، تونس في المرتبة 6 في مؤشر الديمقراطية عالمياً متفوقة على روسيا وتركيا، تونس في المرتبة الرابعة عربياً في مؤشر السلام، تونس في المرتبة 96 عالمياً والأولى عربياً في حرية الإعلام، حسب منظمة “فريدوم هاوس”، تونس الأولى عربياً في حرية المرأة والطفل، تونس الأولى عربياً في مؤشر حرية الإنترنت، تونس في المرتبة 75 عالمياً من مجمل 176 دولة والسابعة عربياً في مؤشر مدركات الفساد لمنظم حسب الشفافية الدولية سنة 2016.
تونس مستهدفة
الحديث عن استهداف الثورة التونسية بانقلاب، أو انفلات كبير يفضي لتغيير النظام السياسي خطر لا يزال يهدد تونس، وآخرها وليس آخراً الحديث عن “السترات الحمراء” الممولة من بعض الأنظمة المغرقة في الاستبداد، لكن الثوار يؤكدون أن ذلك سيفشل، وكتب الناشط السياسي وأستاذ القانون الدستوري، جوهر بن مبارك على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قائلاً: إن تونس ستعرف قريباً إشارة انطلاق لسياسة الأرض المحروقة، سيحاولون من خلالها قلب الطاولة بكلّ عنف، وإشعال حرب الكلّ ضدّ الكلّ للإجهاز على العملية السياسية الديمقراطية نهائياً.
وتابع: الأمر سيبدأ بدفع الناس إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الحرية ودوسها بالنعال والتنازل عنها مقابل لقمة العيش، وسيدفعون المساكين للتهليل للاستعباد وحكم الطغيان ثمّ سيخلطون الحق بالباطل لإبطال الدستور وسيعطلون عقول الناس قبل تعطيل عمل المؤسسات الديمقراطية وحلّها وينتهي الأمر بإلغاء الانتخابات تحت شعار “تصحيح المسار”.
وأشار إلى أن لهذا المشروع الفاشل حتماً أعواناً ووجوهاً قبيحة في الداخل هم انكشاريته، أعواناً انتشروا في كلّ مكان في دوائر القرار والسياسة والإعلام والشبكات، ولكنه في أصله مشروع رث لأحد الأنظمة السياسية وأشدها تخلفاً، منتحل لثوب “حدثوتي” رثّ، وقد ندفع ثمناً باهظاً قد يكون أرواحنا، قد يسقط بعضنا في الطريق، ولكنهم سيفشلون في النهاية، وما سيفاجئ المرتزقة أكثر هو ردّ الشعب، ومؤسّساته الوطنية والسياديّة والمدنية عليهم وعلى أسيادهم.