لابد من وقفة تأمل مع أداء الدولة ككل فيما تمر به الكويت الآن، و ربما لعدد قليل من السنوات الماضية، فحضور الدولة في هذه المرحلة كان ملموساً، ليس بصورة ردات أفعال لمانشيت جريدة أو تصريح نائب،. بل بمبادرات قوية ومتتالية أشبه بالصدمات المنشطة للجسد المتمدد باسترخاء وغفلة فوق سكة حديد لقطار.. ينهب الأرض نحوه بسرعة مخيفة .
لقد نزل الوزراء المعنيون بالأزمة مع فرقهم المتخصصة إلى الشارع، أولاً، بقرارات صائبة، ثم بمتابعة وتطبيق حازم في ميادين الصحة والتموين والأمن الوقائي والشؤون الاجتماعية والإعلامية والمالية، لم يكن أحد يتخيل خطوة إغلاق المنافذ البرية والجوية للكويت، وهي خطوة قامت بها لاحقاً دول كثيرة، بعضها كان متردداً، ثم توالت القرارات التنفيذية ولن نستعرضها هنا.. فهي ليست موضوعنا الرئيس.
الأهم من ذلك كله أن الشعب الكويتي استرجع الدولة التي كانت تجلس في “مسرح” مجلس الأمة على المقاعد الأمامية مثل أي متفرج يتابع بشكل مشوش (مدوده) الأداء الإستعراضي، والخناقات المسرحية التي يتضاحك أصحابها بعد خروجهم من القاعة، ولتلك الخناقات هدف واحد فقط، هو فرض “الهيبة”.. بل قل الترويع.. لتمرير المعاملات بيسر وسلاسة ، ومعظم القائمين بها من النواب ينتظرون نائب حسن النية ليستفيدوا من استجواباته المتلاحقة، ليتم الحصاد من ورائه (…..) بتمرير معاملات مخالفة من وزراء ظن أكثرهم أن تواقيعهم عليها سوف توفر لهم الحماية، فلا تمر إلا أسابيع قليلة حتى يأتيهم الدور ويصطف أهل تلك المعاملات ضدهم، لوجود حسبة داخلية (توقف معاي ضد فلان… اوقف معاك ضد فلنتان)!!
هذه “الدولة الحائرة والمترددة”.. تغيرت خلال السنوات القليلة الماضية بنسبة 30٪، و في تجربة كورونا تغيرت بنسبة 100٪.
لقد شهدنا الوزير (…)…أي وزير… على فترتين، شاهدناه في “الدولة” المسترخية، و في “الدولة” المبادرة، إنه نفس الشخص، إلا أن أدائه بين الدولتين مختلف كل الاختلاف، و بالتبعية استرجع الجهاز الإداري في وزارته الثقة بالنفس والقدرات، بعد أن كانت مكاتبهم تعج بنواب، تحدث أحدهم بغطرسة أمام الملأ مخاطباً مدير مكتب الوزير “قول للوزير.. عندي اجتماع لجنة الميزانية”، وهو تهديد مبطن، سمعته بنفسي أثناء مراجعة نادرة لي لأحد الوزراء، بينما هي تحدث تقريباً بشكل يومي !
لقد أعدنا اكتشاف أنفسنا، فسبقت الكويت بريطانيا والولايات المتحدة، دعك من إيطاليا، وفي الوقت الذي يطرح فيه الانجليز فكرة طائشة تقول بالتساهل وقبول فقدان نسبة من السكان على طريقة الملك آرثر في حروب الانجليز مع الاسكتلنديين، قال الملك آنذاك “مشكلة اسكتلندا.. أن فيها ناس كثيرين /
The problem with Scotland that there are many Scottish there!! “.
هذا الفكر السخيف الذي يتعامل مع البشر كقطيع من الأغنام، قابله فكر كويتي رائع يتابع شؤن المواطنين والمقيمين بمثابرة منقطعة النظير، ويستأجر الفنادق في الخارج لإيواء المواطنين العالقين، و يوزع المعقمات والتجهيزات على أكبر عدد ممكن من الطلبة في الخارج… الخ.
عجيب، أين كانت هذه الدولة؟
و..هل… سنفقدها بعد انتهاء مرحلة كورونا؟
إنني من المؤمنين باستمرار العمل بالعقد الدستوري الذي يمثل صمام الأمان للدولة، وهذا الإيمان به يقتضي العمل على حمايته من التعديات بعد أن أتقن الفساد استعمال أدواته ببراعة، وانحرف البعض بمفهوم الحصانة المقررة لحماية حرية التعبير فاستعمل هذه الحصانة للترويع وأحياناً بألفاظ نابية تنتهي بتمرير مخالفات.. إلخ، ومن يقرأ التجربة البرلمانية في مصر قبل ١٩٥٢م يتعجب من انضباط الأداء النيابي بوجود لائحة داخلية صارمة تجعل أي كلمة تسفيه من نائب لوزير، أو العكس، سبباً لمنعه من حضور الجلسة التالية، فإذا تكررت تلك التصرفات علقت العضوية.. إلخ.
نعم، الإيمان بأهمية العقد الدستوري يستلزم حمايته من التعديات، وإبعاد سلطة النائب عن المال العام، كونه في النهاية مسيراً بالحافز الإنتخابي، ويجب أن يقتصر دوره على مناقشة الموازنة المالية في بداية فصل الانعقاد وتعديلها، ومراقبة عدم الانحراف عنها طوال الفصل التشريعي، وصولاً إلى مراجعة الحسابات الختامية للدولة في نهاية الفصل .
لقد آذانا كثيراً عهد (اقتراح برغبة) وحولنا إلى دولة مستدينة لتمويل.. تلك الرغبات!!
وقد أفاقتنا الصدمات المنشطة “كورونا” من وهم “العجز المزمن”.. لا.. و ألف لا.. لسنا عاجزون.
ختاماً..
عارض الصحابة جميعاً أبابكر الصديق في قراره الحازم تجاه نقض عرى الإسلام، وتجبر المرتدين على الدولة، فلما اجتازت الدولة ذلك الاختبار الكبير، دخل عمر – زعيم المعارضين – إلى المسجد، وكان أبابكر جالساً، فقبل رأسه، وقال (بأبي أنت وأمي يا أبا بكر… لولا.. أنت.. لهلكنا).