أعلن الرئيس ترمب أنه سيوقف التمويل لمنظمة الصحة العالمية في انتظار إجراء تحقيق في تعامل الوكالة مع وباء فيروس كورونا.
وقد استند البيت الأبيض في قراره إلى سلسلة من التصريحات المضللة التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية، وكذلك إلى المديح المثير من قبل المدير العام تيدروس أدهانوم جيبريسوس للحكومة الصينية، (فليس من قبيل الصدفة، أن دعمت الصين محاولة تيدروس قيادة المنظمة في عام 2017م).
ولكن النقاد يتهمون ترمب بالتضحية بمنظمة الصحة العالمية بذريعة فشل الإدارة، في حين يحذر آخرون من أن سحب التمويل سيضعف جهود مكافحة الوباء، ولكنهم مخطئون في الحالتين.
ليس سراً أن البيت الأبيض قد بدأ في وقت متأخر في مكافحة فيروس كورونا، وقد قلل ترمب من خطر المرض حتى مع قيام مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بتحذيرالأمريكيين ومطالبتهم بالتأهب لتفشي المرض، وانتقدناه بسببه، لكن من الواضح أن هذا لا يوفر أعذاراً لإخفاقات وتحيزات منظمة الصحة العالمية.
فقد اعترض تيدروس على قرار ترمب الصحيح بفرض قيود على السفر إلى الصين، مدعيا أنه “سيكون له تأثير علي زيادة الخوف، للحصول علي القليل من الفوائد الصحية العامة” – وهو تناقض صارخ مع تصريحاته التي تحترم رد فعل مشابه للصين. في منتصف يناير الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه “لا يوجد دليل واضح على انتقال فيروس كورونا عبر البشر من شخص لآخر”، على الرغم من التقارير العديدة التي تناقض ذلك. فالتضليل الصيني المتعمد لم يكن كافياً بالنسبة لـ تيدروس: فقد امتدح الحزب الشيوعي الصيني على “وضع معيار جديد للسيطرة على تفشي المرض”، وفي وقت لاحق، عارض تيدروس اعتراضات زملائه في منظمة الصحة العالمية، وأخر إعلان حالة الطوارئ العالمية للصحة العامة، وهذا كلف العالم وقتًا ثمينًا في الاستعداد للتصدي للوباء.
نظراً لعدم وجود لقاحات أو علاجات مثبتة لـكوفيد-19، فإن المعلومات هي المورد الأكثر قيمة لدينا في مكافحة هذا الوباء، ولذلك وجب على واضعي السياسات معايرة ردودهم بناءً على البيانات التي يتم جمعها محليًا والمستلمة من الخارج، وبصفتها ميسر التبادل الدولي للمعلومات، كان من المفترض أن تقوم منظمة الصحة العالمية بفحص وتوفير ونشر البيانات من 194 دولة عضو، ولكن المنظمة سقطت في هذه المهمة الأساسية عن طريق تبني وجهة النظر الصينية.
ويزعم البعض أن حجب تمويل أمريكا لمنظمة الصحة العالمية – 400 مليون دولار سنوياً – سيعيق جهود الإغاثة الدولية، وهذا مصدر قلق مشروع، لكن أخطاء منظمة الصحة العالمية نفسها هي التي أعاقت مكافحة الوباء في مرحلة حرجة، وعلى أي حال، لا يجب أن يعتمد التمويل الأمريكي للإغاثة من الجائحة على أي بيروقراطية متعددة الأطراف واحدة. والواقع، أن الولايات المتحدة قد أنفقت بالفعل أكثر من 500 مليون دولار على المساعدات الخارجية لمكافحة الوباء – حوالي 25 % من الميزانية السنوية لمنظمة الصحة العالمية – بالإضافة إلى المساهمات الحالية للمنظمات المتعددة الأطراف وغير الحكومية.
وخلال فترة 60 يوماً من تعليق الأموال لمنظمة الصحة العالمية، قال البيت الأبيض إنه سيعيد توجيه الموارد إلى برامج الصحة العامة التي لا يلوثها النفوذ الصيني.
وبينما يجري البيت الأبيض تحقيقاته، فإن منظمة الصحة العالمية ستحتفظ بالجزء الأكبر من مواردها الكبيرة، وفي تلك الأثناء، ستواجه عن كثب تدقيقًا دولياً لتواطؤها الواضح في التستر الصيني على فيروس كورونا.
والحق أنه كلما استسلمت منظمة الصحة العالمية للقوة الصينية الناعمة، كلما كانت أقل فعالية – وأقل استحقاقًا لدعم أمريكا، فالبيت الأبيض محق في ممارسة الضغط الجاد على محاولة التحقق من هذا الاتجاه.
——————
المصدر: National Interest