اقترب شهر رمضان المبارك، وقلوب المسلمين تشرئب جميعاً إلى ضيف عزيز سيهل عليهم قريباً، وما تزال أجواء كورونا هي سيدة الموقف، والمؤشرات تؤكد أن رمضان هذا العام سيكون أصعب رمضان على المسلمين من الناحية النفسية للانقطاع عن المساجد بالدرجة الأولى، ولضرورة التباعد الاجتماعي الذي هو عكس ما يقوم به الناس من تزاور وتهانٍ وعلاقات اجتماعية، وسيتسبب هذا التزامن الكثير من الإرباك لعملية التخطيط لقضاء هذا الشهر المبارك، لأن معظم القرارات الشخصية والمؤسساتية ما تزال معلقة بانتظار تطورات الوضع الصحي.
وفي ظل هذا الإرباك؛ ينبغي لنا التخطيط لجميع الاحتمالات، وتلافياً لازدحام الأسواق قبل رمضان، يمكن للأسرة أن تبدأ من الآن بتحديد احتياجاتها وأولوياتها، وشراء ما يقبل الادخار في هذه الأيام، مع عدم الإسراف كالعادة.
كما سيفتقد الناس الشعائر والعبادات الجماعية المعروفة في شهر رمضان المبارك (صلاة التراويح والقيام والاعتكاف في المسجد وقراءة القرآن فيه) حيث لن تقام الصلوات بالمساجد، وفي هذه الأحوال من الجميل تحديد مكان في المنزل واعتباره مسجداً عائلياً، والتخطيط لأداء العبادات فيه برفقة العائلة، وتخصيص أوقات لقراءة القرآن فيه لاستشعار الحياة المسجدية.
ومن الجيد الاستماع للمواعظ عبر الإذاعة والتلفزيون وبرامج البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لرفع الإيمانيات، وتنظيم المسابقات التحفيزية للأبناء على قراءة القرآن.
والتحدي الذي يضع نفسه أمامنا هو كيفية التخطيط لتعويض الجوانب الروحية في العبادات والشعائر الجماعية في منازلنا في هذا الشهر، ولن يكون إلا بالتخطيط والمثابرة والتشجيع والمداومة.
ولعلها فرصة لتخفيف الضغط على الأهل ومساعدتهم في المطبخ، وليس في ذلك عيب أو حرج، وتعليم الأبناء تحمل مسؤولياتهم بالقيام بتنظيف المكان، ومساعدة الأم، وعدم الاتكالية، ومن له خادمة فليكرمها ويخفف عنها، خصوصاً إذا كانت مسلمة.
وعبادة الصيام لن تتأثر بإذن الله، كما يثير ذلك البعض ويرددون دعاوى واهية عن تأثير الصيام على المناعة، وهذا ليس له أي أساس علمي، وعلى العكس من ذلك.. فقد أكدت الدراسات العلمية أهمية الصيام في تقوية جهاز المناعة، وأكدت دراسة للعالم الأمريكي مارك ماتسون أن الصوم ينشط عمل الجهاز المناعي وقدرة الجسم على استعادة الخلايا التالفة، وأشارت دراسة أخرى نشرها موقع «research gate» أن للصيام تأثيراً بالغاً في تعزيز قدرة الصائم على مواجهة الضغوط النفسية؛ كالقلق والاكتئاب والأرق، وتحقيق الطمأنينة والاستقرار النفسي، وينعكس ذلك بصورة إيجابية على جهاز المناعة.
وهذه الدراسات تبشر الصائمين بفائدتين صحيتين للصيام في مواجهة كورونا:
الأولى: جسدية؛ في تعزيز الجهاز المناعي.
والثانية: نفسية؛ في تقديم الدعم النفسي ومقاومة القلق والضغوط، وهذا من عاجل بشرى العمل الصالح في الدنيا وعاجل بشرى الصيام.
وفي جميع الأحوال، فإن هذه الظروف تفرض علينا تجديد التفكير في طريقة استقبال رمضان هذا العام، واستثمار فوائده الروحية في فترة الحجر الصحي، والتخطيط للتربية الروحية في رمضان، وأداء النوافل بصورة جماعية في منازلنا، وتعويض أجواء المسجد، واستثمار الأجواء الروحية في تقديم الدعم النفسي للأبناء ولتهذيب أنفسنا.
ونسأل الله أن يأتي الشهر الكريم وقد تهيأت الأجواء، وتحسنت الأحوال، وارتفع الوباء والبلاء.