انتشر مصطلح «التعليم عن بُعد إلكترونيًا» عالميًا في الأشهر الماضية بعد انتشار جائحة كورونا، ورغم أن المفهوم جديد في بعض الدول، لدرجة أنهم لم يستطيعوا التعامل معه، إلا أنه بالفعل قديم متجدد لمن أراد أن يستثمر هذا العلم، فمنذ انتشار عالم الإنترنت بين الناس مطلع التسعينيات، بدأ البحث العلمي في هذا العالم المفتوح، بدأ عشوائيًا ثم أخذ بالانتظام تقنيًا وفنيًا وعلميًا في مختلف المجالات، وانتشر نقل المحاضرات العامة، ثم الدورات العلمية والتخصصية، حتى ظهرت الأكاديميات والمعاهد والجامعات المفتوحة التي تقدم محاضراتها عن بعد عبر الإنترنت، ويحصل بموجبها الطالب على شهادة رسمية، ولم يكن معترفًا بها في كثير من الدول آنذاك خوفًا من عدم الالتزام والجدية في التعلم.
وبالمقابل هناك ما يسمى بـ «التعليم المنزلي»، وهو منتشر في دول العالم الغربي، وفكرته رغبة الوالدين في عدم ذهاب الابن للمدرسة إما لأسباب قيمية أو صحية أو بعد السكن.. أو غير ذلك، ويتكفل الوالدان بالتعليم، والاستعانة بالمدرسة عند الحاجة، مع الالتزام بالمناهج المدرسية الحكومية وطرق التعليم ومواعيد الاختبارات، واستفاد الناس من الإنترنت في التعليم بوجود أرشيف تعليمي إلكتروني هيأته وزارات التعليم لعموم الطلبة.
كانت هاتان الفئتان مهيأتين عالميًا لمرحلة «التعليم عن بعد» بشكل رسمي في مختلف المراحل الدراسية، على مستوى الهيئة التعليمية والفنية والطلبة وأولياء الأمور، فباشر الجميع عملهم فور إيقاف التعليم في المدارس والجامعات الحكومية والخاصة، واستمرت الدراسة، وانتهى العام الدراسي الماضي بنجاح، وتخرج من تخرج، من الابتدائي حتى الدكتوراه.
وتشجيعًا لهذه المرحلة من التعليم الإلكتروني عن بعد، فقد أعلنت العديد من الشركات العالمية عن اعتماد تلك الشهادات، واعتماد التعاقدات الخاصة وفق الكفاءة لا الشهادة، خصوصًا في مجال الإلكترونيات والتسويق.
ولم تكن الكويت بعيدة عن ذلك، فلوزارة التربية محاولات سباقة منذ السبعينيات عبر التعليم التلفزيوني (المراجعة أيام الاختبارات)، متقدمة على دول عربية كثيرة، وفي الألفية الثالثة حاولت ترسيخ التعليم الإلكتروني عبر الفلاش تارة، والتابلت تارة أخرى، لكنها لم تلق النجاح رغم الجهود الكبيرة المبذولة آنذاك من كفاءات محلية، لعدم انتشار تلك الثقافة في المجتمع ككل، والذي كان يحتاج حملة إعلامية متواصلة.
لذا.. نشبت صراعات فكرية بين مختلف الأطراف عند طرح مشروع التعليم عن بعد، كان وزير التربية ضحية سياسية لها، والطلبة ضحية تعليمية، والنتيجة إنهاء العام الدراسي بشكل غريب وغير عادل، والإعلان عن بدء الدراسة إلكترونيًا عن بعد.
لن ينجح التعلم عن بعد إلا إذا كان مشروع دولة، بالتعاون بين القطاع الحكومي والخاص، بعيدًا عن الصراعات الفكرية والسياسية والاقتصادية والمصالح الخاصة، ولدينا من الخبرات والكفاءات الوطنية والعربية الكثير ممن يستطيعون إثراء هذا التعلم بأحدث الأساليب وأسهلها، وتحقيق أفضل النتائج الإيجابية، فهل من مبادر؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.