يرى الكاتب السوري أحمد موفق زيدان، أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيحول الصراع من دولي إلى إقليمي، وربما تعود لمرحلة ما بعد الانسحاب السوفيتي (1989).
وفي حوار أفاد زيدان أن تنسيق تركيا مع باكستان وحركة طالبان يمكن أن يملأ فراغا حقيقيا في أفغانستان بعد اكتمال انسحاب الولايات المتحدة في يوليو/تموز المقبل.
وشغل زيدان، منصب مدير مكتب فضائية “الجزيرة” في باكستان، وله عدة مؤلفات أبرزها “الأفغان الحمر.. قصة صعود وهبوط الحزب الشيوعي الأفغاني”، و”آسيا الوسطى.. الهوية الضائعة”، و”أسامة بن لادن بلا قناع”.
ووقّع زيدان، على كتابه الجديد في إسطنبول قبل أيام، بعنوان “صيف أفغانستان الطويل”، ملخصا خبرته التي امتدت لـ30 عاما في متابعة الشأن الأفغاني من باكستان.
** فكرة الكتاب
زيدان، روى للأناضول، فكرة كتابه الجديد، قائلا “هذه التجربة (الأفغانية) لو دُرست بشكل حقيقي ومنطقي، وكُتبت بعيون عربية مسلمة سابقا، لاستُفِيد منها في الحرب السورية، لأن اللعبة واللاعبين والمتلاعبين أنفسهم”.
وأضاف “أفغانستان فيها قوى كبرى وإقليمية، ونفس الأمر في سوريا، لو كانت تدرس التجربة الأفغانية بشكل جيد لأنقذنا ذلك من المأزق الذي أدخلنا فيه الروس في سوريا”.
ويستطرد زيدان، “فكرة الكتاب نبعت منذ وصولي إلى باكستان في 1983، بعد خروجي من سوريا”.
وقال “خلال عملي الصحفي والدراسة كنت أشعر أنني أقوم بكتابة المسودة للتاريخ.. الصحفي يوثق الأحداث والمسودة الأخيرة يكتبها المؤرخون، من تلك الفترة كنت أكتب يومياتي، وعملي وفّر لي اللقاء مع المسؤولين وصناع القرار”.
وتابع “كنت ألتقي بهم (صناع القرار) وأُخزّن المعلومات ليوم ما، هذه المقابلات وفرت لي مادة ضخمة، مثلا قابلت كل المسؤولين الكبار في باكستان في المخابرات وغيرها، وكثير منهم رحلوا الآن، ووزراء، وقادة الجهاد الأفغاني”.
ويردف زيدان “كنت أسجل معهم ذكرياتهم، مثل حميد غورا، رئيس الاستخبارات الأفغانية، سجلت معه قرابة 12 ساعة، و(قلب الدين) حكمتيار (زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني) سجلت معه قرابة 20 ساعة، وأحمد شاه مسعود، وبرهان الدين رباني، و(عبد رب الرسول) سياف (رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني)، وملا عمر (زعيم طالبان)، وأسامة بن لادن (زعيم تنظيم القاعدة)”.
** مضمون الكتاب
وحول مضمون الكتاب، قال زيدان، “أغلب مواده عبارة عن مقابلات شفهية ميدانية بحثية مباشرة، بسند عال، أكثر من 70 بالمئة منه مباشر من صناع الحدث، ويلخص منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى 2020، ومفاوضات الدوحة، والاحتمالات التي يمكن أن تحدث”.
وأشار إلى أنه استخدم المنهج الوصفي في البحث، “بوصف وتحليل الأحداث عبر التسلسل الزمني التاريخي، أحيانا أنقل مباشرة عن صناع الحدث وأحيانا اقتباسات”.
ولفت إلى أن “كتب التاريخ جافة، والشعوب لا تقرأها بسبب ذلك، والشخصية العربية ملولة لا يمكن أن تجلس أمام كتاب كبير، فحرصت على أسلوب أدب الرحالة، حرصت أن أكون في ذلك المكان وأعود بالتاريخ حتى أشد القارئ ولا يسأم أو يمل من الكتاب”.
وأوضح زيدان، “المقابلات المباشرة كانت مصدر مهم للمعلومات، وكذلك اليوميات والصحف الأفغانية والباكستانية، كانت أهم مصدر للمعلومة، والصحف الإنكليزية أتابعها بشكل يومي وأسجل ملاحظات، والكتب الأفغانية والباكستانية التي صدرت في تلك الفترة كانت مهمة كمصادر”.
** أهمية الكتاب
وعن أهمية الكتاب في تلخيص مرحلة مهمة أفاد زيدان، “كنت في المكان والزمان الصحيحين، وقلما هناك صحفيون يغطون الأحداث لفترة طويلة، غطيت الحدث لـ30 عاما، والكتاب حقيقة وثيقة تاريخية ويمكن أن يدرس في جامعات، وهناك جهود لترجمة الكتاب للغة التركية”.
وزاد “كما يمكن للكتاب أن يعطي فكرة عن كيفية التعامل الدولي الأمريكي الروسي، والإقليمي الهندي الباكستاني الإيراني مع ما جرى في أفغانستان، مع تشابه الحالة في المنطقة.”
وشرح متابعا الصعوبات التي واجهها “عقلية الكاتب تختلف عن عقلية الصحفي المشغول بالحدث اليومي عكس الوثائقي، كنت من البداية أوثق على دفتر من الثمانينيات ماذا قالت الصحف أو قابلت شخصية مهمة، كنت أجهز نفسي”.
وأكد “صعوبة التنقل من إسلام أباد للدوحة ومن ثم إلى إسطنبول.. كثير من الكتب والأرشيف لا يزال في إسلام أباد، والتفرغ لكتابة الكتاب بحاجة لفترة من الوقت مع العمل، تحديات واجهتها، وفرت لي قناة الجزيرة الوقت، وحولت كورونا المحنة إلى منحة بالعمل يوميا بمعدل 16 ساعة متواصلة”.
** الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
وفيما يتعلق بالمستقبل الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي، قال “واشنطن أخطأت في غزو أفغانستان، إذ إنها منطقة ابتلعت الإمبراطوريات (الهندية والبريطانية والسوفياتية)، وكما أن الأمريكيين ورطوا الروس وغاصوا في الوحل الأفغاني 10 سنوات (1979 -1989)، الروس جعلوا الولايات المتحدة تغوص بالوحل الأفغاني 21 عاما، وهو يعني الضُّعف”.
وأضاف “الولايات المتحدة خلال هذه الفترة كانت تقاتل نيابة عن الآخرين؛ الروس والصينيين والإيرانيين، دخلت من أجل تنظيم القاعدة وانتقمت، ولكنها قاتلت من يجب أن تقاتلهم هذه الدول بدلا عنهم على حدودها، والحكومة الأفغانية الحالية أفغانية الشكل ولكن الروح ربما أمريكية”.
وشدد زيدان، على أن “الانسحاب الأمريكي حقيقي، فبحسب صحيفة واشنطن بوست، كلفت الحرب 3 ترليونات دولار، هذه الخسائر المرئية، وهناك خسائر غير مرئية، فضلا عن السمعة الدولية، عبر الانسحاب أمام حركة صغيرة غير مدعومة من أي دولة، مقابل دولة قادت تحالفا من 38 دولة، وأتوقع اتفاقا مع الحركة في الدوحة دون وجود الحكومة”.
** من لعبة دولية لصراع إقليمي
وعن توقعاته المستقبلية، قال زيدان، “أعتقد أن العملية تعود إلى 1989، الفترة التي انسحب فيها السوفييت من أفغانستان، كما تحولت اللعبة من دولية إلى إقليمية”.
وزاد شارحا “ستكون اللعبة بين روسيا وإيران من جهة، وباكستان والصين من جهة، والهند سيكون دورها أقرب إلى روسيا وإيران”.
ويشير زيدان، إلى تصريح جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، لصحيفة أفغانية (لم يحدد متى)، قال فيه إنه “حان الوقت لدمج لواء فاطميون (مليشيا شيعية أفغانية) في سوريا بالجيش الأفغاني”.
وأضاف “هذا يعني أن إيران تحضر لما بعد الانسحاب الأمريكي، التصعيد العسكري الطالباني سيكون ضحيته المصالح الإيرانية وأدواتها، وبالتالي ستحصل مواجهة قطعا بين طالبان وإيران، وبين باكستان وإيران”.
وأكمل “أتصور أن الإيرانيين سيكونون شرسين أكثر من سوريا، لأن أفغانستان مجاورة لإيران، فيما سوريا غير مجاورة، وبالتالي تأثيرات وصول حركة طالبان السنية إلى السلطة لن يتسامح معها الإيرانيون، ولكن في أفغانستان الأمر مختلف لأن إسلام أباد لا تتسامح مع وجود إيراني ذو نفوذ قوي في أفغانستان، وبالتالي الدعم الباكستاني لحركة طالبان ضد إيران سيكون قويا”.
** حرب أهلية بين طالبان وأتباع إيران
زيدان، واصل حديثه عن مآلات المستقبل الأفغاني مبينا “في أفغانستان هناك تجربة مع الاحتلالات، وهو ما يوحد الشعب ضد إيران، هناك أتباع لإيران في أفغانستان لا يتعدون 15 بالمئة، والشعب الأفغاني أغلبه بشتون، وبالتالي المرجعية فقهية مذهبية حنفية، وهناك مرجعية قبلية تختلف عن الوضع في سوريا، التي ليس فيها مرجعيات سنية”.
وأردف “الأمر في غاية الصعوبة أمام إيران في أفغانستان، أعتقد ستكون هناك حرب أهلية، وحرب فصائلية تستمر لسنوات تنهك الأطراف، ولكن حظوظ طالبان في بسط السيطرة على أغلب أراضي أفغانستان مرتفعة جدا”.
ولفت إلى أن “واشنطن سترتاح وستدفع بقوى أخرى مناوئة لها إلى الصراع في أفغانستان، وربما تشغل الصين، ولكن بكين أذكى من ذلك، ربما يكون لها دور وراء الستار مع باكستان”.
ونفى زيدان، إمكانية ظهور التنظيمات الراديكالية مثل تنظيم داعش، الذي “يحاول تفعيل نفسه في أفغانستان بدعم هندي حسب تقارير، في مواجهة طالبان والشعب الأفغاني، وبالتالي يكون مبرر لإيران، ولكن باعتقادي أن الأمر صعب في أفغانستان ولا ينجح كما في المنطقة العربية بسبب المرجعيات وعدم وجود منافس لحركة طالبان”.
** مثلث تركيا باكستان طالبان
وفيما يخص الدور التركي المستقبلي في استضافة محادثات السلام، قال زيدان، “يمكن لتركيا أن تلعب دورا كبيرا مع الانتباه أن العقلية الأفغانية استقلالية بطريقة رهيبة، الأتراك يستطيعون لعب دور كبير، وحسب المعلومات، المفاوضات ستعقد في إسطنبول خلال شهر، وربما تصغي حركة طالبان للأتراك”.
واعتبر زيدان، أن “العلاقة التركية الباكستانية قوية تاريخيا، وهناك مثلث تركي أفغاني باكستاني ربما يستطيع أن يلعب دورا في ملء فراغ حقيقي سيحصل بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان”.
وتساءل “ولكن هذا المثلث إلى أي مدى سيصطدم مع المثلث الروسي الإيراني الهندي، لأن هناك قطعا ستكون قضية اصطفافات وهذا سيدخل ضمن اللعبة الدولية والمصالح والمساومات، ولكن على الأقل ستكون المرحلة المقبلة انسحابا أمريكيا للخلف، وانسحابا روسيا، والدفع بقوى إقليمية مثل إيران وباكستان للمواجهة”.
وختم بالقول “الدور التركي إن تم بالتنسيق مع باكستان بشكل حقيقي، ومع حركة طالبان، يمكن أن يشكل قوة موازية مهمة في أفغانستان”.