في خضم موجة حر غير مسبوقة في العالم، ووسط تغيرات مناخية شديدة، انتشرت الحرائق من أدنى الأرض إلى أقصاها وفي مختلف قارات ودول العالم: من أصقاع سيبيريا وروسيا إلى الصحاري العربية، ومن أميركا إلى الصين، ومن إيطاليا واليونان وتركيا إلى ماليزيا وإندونيسيا وشرق أستراليا، مرورا بتونس والجزائر والمغرب وإسبانيا وليس انتهاء بألبانيا والهند. العالم يحترق بسبب تأثيرات الاحتباس الحراري وتغير المناخ ونشاطات البشر المدمرة.
وقد أدت هذه الحرائق إلى تدمير ملايين الأفدنة من الأراضي حول العالم، وعشرات آلاف الغابات، وسقوط مئات القتلى والجرحى، وتشريد آلاف السكان من بيوتهم ومنازلهم، كما أدت أيضا إلى استهلاك قدرات الدول في مكافحتها، فصرنا نسمع نداءات الاستغاثة من كل مكان.
وأصدرت الهيئة الدولية لتغير المناخ خلال الأيام الماضية تقريرها السنوي السادس بشأن تغير المناخ في العالم، والتفاصيل التي أوردها التقرير خطيرة وقاتمة.
التقرير ذكر أنه بغض النظر عن إستراتيجيات التكيف وتخفيف المخاطر المتبعة حاليا، فإن العديد من التغييرات السلبية التي تحدث على الأرض ستستمر بلا هوادة في جميع السيناريوهات المستقبلية، بما فيها التغيرات الناتجة عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري وذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حرارة الأرض بشكل متزايد ولا رجعة فيه.
أهمية الاستثمار في تكنولوجيا المناخ
أشار التقرير إلى الأهمية الكبرى للاستثمار في تكنولوجيا المناخ، واستخدام التقنيات الحديثة للسيطرة -أو محاولة السيطرة- على التغير المناخي، وبالذات خفض الانبعاثات الهوائية الناتجة عن النشاطات الإنسانية في قطاعات الزراعة والغذاء والنقل، والسيطرة على الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والحرائق التي في ازدياد مستمر في مختلف أنحاء العالم، وأكد التقرير أن الكوارث الطبيعية ستزداد حدة مع مرور القرن.
وقال الكاتب والباحث داني كرايتون في مقالة له نشرتها منصة “تيك كرانش” (techcrunch.com) مؤخرا في معرض تعليقه على التقرير “إن الكوارث الطبيعية تزداد في كل مكان في العالم، وقد شهدنا الأسبوع الماضي ثاني أكبر حريق في تاريخ ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث اشتعلت النيران في مئات الآلاف من الأفدنة، وفي الوقت نفسه تسببت مئات الحرائق في اليونان في أزمة غير مسبوقة في تاريخ ذلك البلد، وكذلك الحال في الجزائر وغيرها من البلدان، كما تتفاقم موجات الجفاف والفيضانات والأعاصير، وغيرها لتؤثر على حياة مليارات البشر في كل قارة“.
ويرى الكاتب أن أحد أكثر الحلول أهمية يكمن في تطوير أبحاث التكنولوجيا، واستخدام التقنية للتغلب على هذه التحديات الكبيرة التي تواجه البشرية، مشيرا إلى الحاجة إلى تطوير خوارزميات متخصصة، واستخدام الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل البيانات لجعل الاستجابة لحالات الطوارئ أسرع وأكثر كفاءة، وكذلك للتنبؤ بالكوارث القادمة والتحرك السريع لتلافيها.
كما أشار إلى أهمية تطوير أجهزة وبرامج وخدمات سحابية تساعد رجال الإطفاء على مكافحة الحرائق، ويدخل في ذلك تصميم أجهزة استشعار دقيقة لتحديد الأعطال في شبكات الكهرباء والطاقة، وهي إحدى أسباب زيادة الحرائق في العالم.
الذكاء الاصطناعي يدخل المعركة
وفي هذا السياق، قامت شركة طيران بريطانية في منطقة إدمونتون في المملكة المتحدة بنشر طائرات مسيرة (drones) عالية التقنية لمساعدة رجال الإطفاء في مكافحة حرائق الغابات الضخمة الخارجة عن السيطرة في المنطقة، وذلك كما ذكر موقع “غلوبال نيوز” (globalnews) في تقرير له مؤخرا.
وذكر التقرير أن هذه الطائرات تستخدم الذكاء الاصطناعي لجمع وتحليل المعلومات والبيانات الأساسية عن الحرائق في المنطقة، ليس فقط للمساعدة في إدارة وإطفاء النيران ومنع انتشارها، ولكن أيضا للحفاظ على سلامة رجال الإطفاء الموجودين في الخطوط الأمامية.
وطورت شركة “بيغاسوس إيميجاري” (Pegasus Imagery) هذا النوع من الطائرات لمكافحة الحرائق والكوارث البيئية قبل 3 سنوات. وقال مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي كول روزينتريتر “إننا ننفق مليارات الدولارات كل عام على مكافحة حرائق كبيرة في البلاد، مثل تلك التي حدثت في بريطانيا عام 1975“.
وهذه الطائرات أداة استطلاع بالدرجة الأولى ومزودة برادار محمول جوا، وتستخدم الذكاء الاصطناعي لرسم الخرائط وتقديم المعلومات الضرورية والهامة جدا لرجال الإطفاء بشأن الحرائق التي تحدث، ومكانها ومدى انتشارها، والتوقعات الخاصة بامتدادها لمناطق أخرى طوال ساعات اليوم.
وأوضح روزينتريتر “نحن نوفر كثيرا من الوقت والجهد لرجال الإطفاء الذين كانوا يمشون لساعات طويلة بحثا عن الحرائق والنقاط الساخنة لإخمادها، نقدم لهم كل هذه المعلومات خلال دقائق فقط“.
وأضاف أن “المعلومات التي نقدمها لهم تجعلهم أكثر أمانا وفعالية في أداء مهامهم، بدلا من البحث لساعات عن الحرائق، نقدم لهم المعلومات، وخلال دقائق يسيطرون على الحريق، وينتهي الأمر“.
وهذه هي السنة الأولى التي تستخدم فيها هذه الطائرات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي في الخطوط الأمامية لمكافحة حرائق الغابات، حيث تم استخدامها للمساعدة في إخماد العديد من الحرائق في مناطق مختلفة في بريطانيا.
تطور تقني في غاية الأهمية
وقال براين كورنفورث رئيس قسم مكافحة الحرائق في منطقة باركلاند “إن المعلومات التي تردنا من هذه الطائرات توفر لنا الوقت، والموارد اللازمة من حيث عدد رجال الإطفاء والمعدات التي يجب أن تكون معهم، لمكافحة حريق معين، لهذا حين نتحرك فإننا نستهدف المنطقة التي يحدث بها الحريق بالضبط، وتكون لدينا معلومات شاملة وكاملة عنه، وهذا يساعدنا كثيرا في السيطرة على الحريق بسرعة ودقة“.
وأضاف كورنفورث “هذا تطور تكنولوجي مهم جدا ويسعدنا رؤيته في إدارة الطوارئ لدينا.. أتمنى لو كان لدينا مثل هذه التقنية منذ سنوات طويلة، حين كنا نعاني في العثور على الحرائق، ونستهلك كثيرا من الوقت والجهد والرجال لإخمادها، نحن نتطلع لزيادة العمل مع هذه التقنية وزيادة مستوى ذكائنا في الميدان“.
من جهته، أكد روزينتريتر أن هذه الطائرات قادرة على الطيران لمدة تصل إلى 10 ساعات، وهي فترة زمنية أطول بكثير من قدرة الطائرات التجارية العادية بدون طيار أو طائرات الهليكوبتر التي تعمل على خزان واحد من الوقود.
وتوفر هذا الطائرات أيضا خدمات المعلومات الجوية للاستخدام التجاري لحالات الكوارث الطبيعية الأخرى مثل الفيضانات والأعاصير المدمرة.
_____________________________________
* المصدر: “الجزيرة.نت”.