رغم تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل التي أيَّد فيها انقلاب 25 يوليو، وإجرائه اتصالاً هاتفياً كان هو المبادر لإجرائه، وتصريحات القيادي في الاتحاد سمير الشفي التي أقر فيها بأن “الميدان لم يعد نفس الميدان” الذي نفذ فيه الاتحاد 42 ألف إضراب عام بين عامي 2012 و2013 إبان حكم “الترويكة” المكوّنة من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل الديمقراطي، وحزب حركة النهضة، بينما لم ينفذ حتى الآن أي إضراب عام في تونس.
ورغم تصريحات الناطق الرسمي باسم الاتحاد سامي الطاهري، أو بالأحرى تكراره لمقولة رفاقه بأنه لا عودة لما قبل 25 يوليو، رغم ذلك فبوادر أزمة طاحنة تطل برأسها قد تدفع للصدام بين الاتحاد وقصر قرطاج.
ورغم أن الاتحاد العام التونسي للشغل يتحاشى هذا الصدام بكثير من الانبطاح، وحتى تملق الانقلاب، إلا أن ما يختلج في أعماقه يظهر من فلتات لسان قادته، لدرجة تخرج أحياناً عن اللباقة وتنزلق إلى السوقية.
مخاوف الاتحاد
لا تتمثل قوة الاتحاد في عدد منخرطيه البالغ نحو نصف مليون منخرط، ولا في قوته المالية حيث يعد من أغنى المؤسسات غير الحكومية، وتأتيه أموال طائلة من الاتحاد العالمي للنقابات، وغيره من المصادر بما ذلك، مؤسسة روزا لكسمبورغ، واشتراكات منخرطيه التي تخصمها الدولة من الرواتب وتسلمها له، علاوة على المبالغ الطائلة التي تسلمها الدولة للمؤسسات الخاسرة التي تدين بالولاء للاتحاد، ومنها اتحادات مؤسسات التعليم، والصحة، والنقل بفروعه، وغيرها.
ولكن قوة الاتحاد تكمن في المؤسسات العمومية، وبدرجة أقل بكثير المؤسسات الخاصة، فقوة الاتحاد تتمثل في قدرته على شل قطاعات التعليم، والصحة، والنقل وغيرها بمجرد بيان.
ويخشى الاتحاد من أن تضطر الدولة لبيع المؤسسات الخاسرة المملوكة لها لتغطية عجز الميزانيات؛ وبالتالي شله هو بعد أن كان يستخدم تلك المؤسسات في شل الدولة، ولا سيما بعد الثورة، كما سلف، ورقم 42 ألف إضراب في عامين أكبر دليل، حيث لم تسجل تونس منذ استقلالها عام 1956 وحتى سقوط الطاغية بن علي في 14 يناير 2011 مثل هذا الرقم المهول من الإضرابات العامة.
بوادر الخصخصة
عجزت حكومات ما بعد الثورة عن خصخصة المؤسسات الخاسرة لسطوة الاتحاد الذي كان شريكاً في الحكم دون حقائب وزارية ما عدا وزارة الشؤون الاجتماعية التي يعيّن وزيرها، وكان يستشار في سياسة الدولة الاقتصادية، ولم يكن بالإمكان تمرير شيء دون موافقة الاتحاد.
لكن موازين القوى اختلت بعد انقلاب 25 يوليو، فالاتحاد الذي لا يكف عن عرض عضلاته، وينادي أنصاره “الاتحاد، الاتحاد، أكبر قوة في البلاد”، عاد إلى حجمه الطبيعي، وبعد زئير الأسد أصبح التونسيون يسمعون مواء قط كان في جلد أسد بالأمس!
وليس بإمكان “الاتحاد” أن يواجه الأمن والجيش، وهو يدرك أن المعركة خاسرة لا محالة، لذلك يحاول أن يفتح باب الحوار مع الانقلاب، من جهة، ويطالب بوضع سياسي مغاير لما كان عليه قبل 25 يوليو لأن تركيبة البرلمان والحكم لا تعجب بعض القياديين فيه لأسباب أيديولوجية.
مخاوف مزدوجة
الاتحاد العام التونسي للشغل يخشى عودة الأوضاع لما قبل 25 يوليو؛ لأنه شريك في الانقلاب، ويخشى سقوط الانقلاب؛ لأن المؤشرات الاقتصادية فضلاً عن الاجتماعية والسياسية تدفع لهذا المصير، وفي حالة تمكن الانقلاب من الحصول على قروض، فشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ستدفع السلطة إلى خصخصة المؤسسات التي كانت تمثل أذرعاً له، وسيضعف بذلك لأبعد الحدود.
ولهذا السبب يحاول أن يقف موقفاً مؤيداً للانقلاب ولكن بشروط، منها عدم المساس بالمؤسسات الخاسرة، والوفاء بالتزامات الحكومات السابقة حيال منظوريه من الموظفين والعمال.
ولكن مع عجز بنسبة 9.7 مليار دينار في قانون المالية التعديلي لسنة 2021، وزيادة في الأسعار خلال شهرين بين 20 و50%، وارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 18%، وامتناع البنوك التونسية عن إعطاء قروض للدولة، وامتناع المقاولين عن تنفيذ المشاريع بسبب عدم دفع الدولة لمستحقاتهم، ومطالبة المؤسسات العامة بمستحقاتها (الكهرباء والغاز والماء والاتصالات والضمان الاجتماعي)، وانتظار باخرة محملة بالحبوب تنتظر منذ أكثر من شهر من يدفع ثمن الحمولة 68 ملياراً، والدولة عاجزة، وإلى الآن جميع المؤسسات المالية العالمية ترفض إقراض تونس إلا بعد إصلاحات هيكلية، منها تخفيض كتلة الأجور التي تحتل نسبة 44% من الميزانية.
الاتحاد يحذّر
يبدو أن الصدام بين قصر قرطاج وساحة محمد علي (مقر الاتحاد) حتمي إذا ما أقدم القصر على الخصخصة، وهو مقدم على ذلك لا محالة، وفي هذا الخصوص أكد حفيظ حفيظ، الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل أنه لن يتم فتح باب التفاوض مع الحكومة أبداً فيما يخص التفويت في المؤسسات العمومية، مشدداً على أنها خط أحمر بالنسبة إليهم.
ووصف حفيظ، في تصريح لإذاعة “IFM” الخاصة، أن إصلاح المؤسسات العمومية ممكن جداً، بيد أن ذلك ليس سوى تعويذة يستخدمها الاتحاد منذ أكثر من 10 سنوات.