يحتسي كوبا من الشاي، يتبلع حبات من حمص، يتدثر بعباءة من صوف شاة برقية، يشاهد التلفاز، يتصفح قنواته التي تملأ الفضاء عراكا، يخايلون بها وساوس شيطان، تقف الموجة عند وثائقية تحكي كيف دخل بونابرت الأزهر؛ خيوله تركض في ساحاته، يتساقط المطر، يدخل في عباءته؛ يتسلل إلى خدر لذيذ، بنت المعلم يعقوب ذات الشعر الأصفر يتماوج على ظهرها، يلمع بريق أسنانها، تختال كما البدر في السماء، يتثنى خصرها، تهتز الأرض تحت قدميها، هل تشبهها إيفانكا؟
من قديم وللغواية في دور المحروسة ألف دليل، يرمون بها شباك صيد لا تخطئ.
فمن تجاوزه السيف أودت به في مجاهلها عيون غزل خضراء، وهل كانت فرط الرمان إلا حبائل إبليس؟
قال شيخ العمود محذرا: فتنة الأنثى أول التهلكة!
يهده وجع يتداخل في عظامه، تفوح من بوابة المتولي رائحة البارود القادم من جهة الجبل؛ يتدافع الدراويش والمماليك صوب الميدان، يمسكون بسيف من خشب؛ تشتعل النار في حارة المغاربة؛ الباب موصد؛ ينهمر الرصاص على المجاورين؛ يخرج عمر مكرم في جمع من أهل المحروسة. يتبعه المجاورون، والآي تحث القوم؛ صون العرض والدين؛ تماسيح في النيل وخيول تجوب البر من رشيد إلى أسوان.
يجري الحرافيش ناحية أم هاشم؛ رغيف الجراية انقطع؛ يطلبون المدد وألف قبلهم أسلموا يزيد رأس الحسين.
ينادي فيهم: لا صلاة لمن شرب من ماء سبحت فيه فرط الرمان.
يطوف الصغار وراءها الحارات والأزقة؛ تطالع وجهها في مرآة بيديها، تختال في مشية تتراقص غزالة؛ ولعطر الأنثى اشتهاء!
نابليون يمتطى جواده؛ يرفعه الدراويش مقام الولاية، يسبحون بمجده، يؤم الناس في ساحة الأزهر؛ تضج الخمر المعتقة من فمه، يعيدون الوضوء وهو لا يبالي أي جهة تكون الكعبة؛ للوهم ألف حيلة وحية تسعى.
من شارع المعز حتى العتبة الخضراء، رايات مرفوعة، موالد وحضرة، طبول ودفوف، يهتفون بالشيخ بونابرته، ينثر الذهب، يهبونه الأوقاف، والمخروسة عمدا لمن غلب!
يعقوب يغالي بها، رأسماله الذي يختزنه، يطوف البراري، يعد لواءه، كم يكره من المآذن نداءها خمس مرات، سنحت لأوهامه الفرصة، يقعى كما القلب تحت قدمي المشتهي ملك مصر والأنهار تجري من تحته.
مجنون يتمسح بجسدها، تستسلم في غواية من تجمع المكر دهاء، يتسامع الناس بفتنتها إلا الحلبي؛ يعد خنجره، تختال أمامه، يغض بصره، تتحرك فيه رغائب؛ يتوضأ، يغتسل كل يوم من مجرى العيون، تتسلل إليه، تواعده الأحلام، تقتله سنابك الخيل تعدو فوق الدم في ساحة المعز، يفر كما الماء، تتبعه، تشي به، لكل عصر يوسفه، يختفي وراء تلة المغربلين، يربض عند الأزبكية، تتماوج فتنة، يردد ورده!
تنادي عليه: ليال أنس وحبات سكر، يشع نورها قمرا، غريب لا دار ولا أهل، شباب وللهبه ضرام، ما لي وللموت يترصدني وحشا، أهرب بها مع الفارين إلى بلاد الفرنجة؛ يقولون: خائن؟
وهل أبصروا الرمح في مؤخرتي، يسبون حمقي، من يفرط فيها مجنون؟
لا يحفلون بغير المنتصر يصنع مجده، مات عمرو كما انتهى صلاح الدين، يهتفون بمجد الغازي بونابرته، خيله وسيفه وذهبه؛ أبواب الزمن الحاضر.
أتسلل إلى بيت يعقوب؛ يضمني إليه، أنال ما أشتهي!
يتقلب في فراشه محموما، يزوره في منامه مشتملا ببردته الخضراء، يمسح على صدره، يخنس شيطانه، يهرع إلى مصلاه، يتلو ورده، يصوب في صدر كليبر طعنة، لا ينزع خنجره المسموم.