عادة ما يتم استخدام مصطلح الأمن والأمان كمصطلح رديف للإنجاز الرسمي في الأردن، بينما يقابل هذا المصطلح بالتقليل منه من قبل المعارضة الأردنية أو إن صح التعبير الحركات الاحتجاجية في الأردن؛ لأن مصطلح الحكومة والمعارضة ينطبق على من وصل للسلطة عبر الصناديق والمعارضة هي الأقلية التي لم تصل للسلطة والحكم عبر الصندوق.
بلا شك أن الأمن والأمان بمفهومه الشرطي هو العمود الفقري في أي عملية نهوض وتطور، فلا يمكن للمجتمعات أن تنتج وتتقدم وتبني وطنها إلا إذا كان هناك أمن وأمان شرطي، فلا يمكن أن يكون هناك إنتاج ولا استثمار ولا سياحة ولا عمارة ولا استقرار إلا بوجود الأمن الشرطي، فهو العمود الفقري في كل ذلك، والدولة بدونه ستكون حقلاً من الألغام الذي لن يسكنه أو حتى يقترب منه أحد.
بلا شك أن الأجهزة الأمنية في الأردن وعبر أكثر الأوقات حساسية ودقة وفي ظل إقليم ملتهب حول الأردن استطاعت أن تحافظ على عنصر الأمن والأمان واستقرار الأردن، فأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم، وأصبح الأردن قبلة لجوء لكل المهجرين العرب الذين فقدوا هذا العنصر الرئيس في حياتهم من فلسطين والعراق وسورية وليبيا واليمن.
الإنسان مجموعة من الأولويات، ويقف على رأس سلم هذه الأولويات الأمن والأمان الشرطي، فلا يخشى الإنسان على حياته ولا دمه ولا عرضه ولا ماله، وبعد ذلك يبحث الإنسان عن الأمن في الجوانب الأخرى وضرورات الحياة الأساسية.
بلا شك أن هناك جوانب من الأمن منقوصة في حياة الشعب الأردني، فما يعانيه الأردني في الأمن المائي خلل كبير؛ إذ إن الأردن يصنف ثالث أفقر دولة في العالم في الأمن المائي، وحصة المواطن الأردني من الماء أقل من 100 متر مكعب، وهي من النسب الأقل على مستوى العالم.
أما بخصوص الأمن الغذائي، فإن الأردن يستورد ما يقارب 95% من السلع الاستهلاكية التي يحتاجها الشعب لحياته اليومية، أما بخصوص الأمن الوظيفي؛ فإن البطالة وصلت في الربع الأول من عام 2022 إلى 20.5% بالنسبة للذكور، مقابل 31.5% بالنسبة للإناث، وتتفشى بشكل أكبر بين الطبقة الحاصلة على التعليم الجامعي أكثر من الطبقة التي لم تحصل على التعليم الثانوي.
أما بخصوص الأمن الاجتماعي؛ فقد ارتفع سن الزواج في الأردن للشباب إلى 30 سنة، وارتفع بالنسبة للإناث إلى 27 سنة، وهذا نتيجة مباشرة لارتفاع نسبة البطالة وضيق ذات اليد بالنسبة للشباب والشابات، وفي ذلك خطر اجتماعي كبير جداً.
يحتاج الأردن إلى تعزيز نجاحه في الأمن الشرطي، والمحافظة على هذا الإنجاز تعزيز النجاح في الأمن في كل المجالات الأخرى، فكل تلك العناصر المكونة للأمن تتشابك مع بعضها بعضاً، وتعزز بعضها بعضاً، أو تقوض بعضها بعضاً إن اختل عنصر من هذه العناصر، فالأمن منظومة كاملة لا يمكن أن يتحقق بعضها دون البعض الآخر، وأن توفر الأمن الشرطي مع فقدان باقي عناصر الأمن فهو أمن يصعب الحفاظ عليه، فهي منظومة متكاملة لا تنفك عراها ولا تنفصل حلقاتها عن بعضها بعضاً.
على المعارضة أو حركات الاحتجاج الأردنية أن تدرك أهمية الأمن الشرطي، ولا ترذل هذا الإنجاز بالتهكم والسخرية، فساعة واحدة من فقدان الأمن لا سمح الله تعني الخسارة الكبيرة، ولن يبقى لأي شيء قيمة أو أهمية، فمن حولنا من أشقاء تركوا أراضيهم وبيوتهم وأموالهم، وبعضهم ترك بعضاً من أهله وفلذات أكبادهم فراراً من فقدان الأمن والأمان والنجاة بأرواحهم، وعلى الحكومات الأردنية المتعاقبة ألا تراهن على الأمن الشرطي وحده، فهو إنجاز الأجهزة ويقظتها ومؤسسيتها لا إنجاز الحكومات المتعاقبة، على الحكومة أن تدرك أن جوانب الأمن الأخرى هي مهمتها الرئيسة التي يجب أن تعمل عليها وتبحث عن حلول إبداعية تتجاوز سياسة الترقيع والتسيير اليومي للأمور، والانتقال من التكتيك إلى الخطط الإستراتيجية بعيداً عن البحث عن الأعذار والمبررات للإخفاق والنكوص والفشل في كثير من الملفات.
في ظل الظرف الذي نعيش أصبح من أولى أولويات الحكومات التي يمكن أن تنزع فتيل الأزمة التي يعيشها الأردن حالياً هو الأمن الوظيفي، فهو حجر الزاوية في بناء الدولة ودوران عجلة تقدمها ونهوضها بعد الأمن الشرطي، فلا إنتاج إلا بتوليد فرص العمل، ولا ابتكار إلا بتوليد فرص العمل، ولا دوران لعجلة الاقتصاد إلا بتوليد فرص العمل، بلا شك أن كل عناصر الأمن شبكة متكاملة تسمّع على بعضها بعضاً، وأن المنظومة الأمنية أشبه ببركة من الماء إذا ما ألقيت بها حجراً سوف تبقى تتوسع الدوائر فيها لتصل إلى آخر البركة، فلا انتقاص من الأمن الشرطي ولا زهد أو تزهيد في باقي عناصر الأمن المائي والوظيفي والغذائي والاجتماعي.. إلخ.