حراك سياسي مستمر في الكويت أفضى إلى عفو أميري طال كثيراً من الشخصيات الكويتية في محاولة لوقف حدة التوترات، في ظل أزمات سياسية يمر بها البلد الخليجي، والعمل في إطار مصالحة وطنية.
يأتي العفو الأميري بعد احتقان سياسي مستمر منذ أكثر من عامين، بسبب الخلافات التي وقعت بين الحكومة ومجلس الأمة، لتعود مجدداً خلال الشهر الأخير بعد تشكيل حكومة جديدة عقب الانتخابات التي شهدتها البلاد.
في هذا التقرير نبحث عن انعكاسات العفو الأميري على الواقع السياسي في البلاد، والحديث عن أبرز الخطوات التي استبقت العفو الأخير، وإمكانية تهدئة الأوضاع السياسية في الكويت.
عفو أميري
خلال العامين الماضيين، شهدت الكويت عدة مراسيم عفوتضمنت شخصيات سياسية كبيرة ومعارضة، كان آخرها إعلان الحكومة الكويتية، (17 يناير 2023)، صدور مرسوم أميري بالعفو عن مدانين بأحكام بالسجن في “إطار مصالحة وطنية”.
وقالت الحكومة في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية: “صدر مرسوم عفو من أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بالعفو عن العقوبة المقيدة للحرية المحكوم بها على بعض الأشخاص”، دون تحديد هويتهم أو عددهم.
وأكدت الوكالة “إيمان القيادة السياسية بأن عهود الازدهار والاستقرار لا تتم إلا بمصالحة وطنية وفتح صفحة جديدة والتأكيد على أن الكويت أولى بأبنائها”.
وأوضح البيان أن العفو الأميري “يتضمن شريحة واسعة من أبناء الوطن ممن هم على أرضه داخل المؤسسات الإصلاحية (السجون) بعد أن قضوا مدة من العقوبة، وأيضاً شريحة من أبناء الوطن بالغربة (بالخارج) ممن ضاقت عليهم الأرض وظنوا أن العودة للديار أفلتت دون رجعة”.
وأشار إلى أن الحكومة “على ثقة بأن هذه الخطوة ستهيئ الأجواء نحو تعاون مثمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وفق الأسس الدستورية”، في إشارة لمطلب نيابي متكرر بالعفو عن سجناء بالداخل ونشطاء بالخارج.
شخصيات بارزة
شمل العفو الأميري 37 شخصية سياسية وأمنية ومواطنين، بينهم 3 من الأسرة الحاكمة، بعضهم محكوم عليهم بالسجن وآخرون خارج البلاد.
ومن بين من شملهم العفو، عذبي فهد الأحمد الصباح، رئيس جهاز أمن الدولة الكويتي السابق، وأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت، وهو ابن شقيق أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح.
وكانت محكمة الجنايات الكويتية قد أصدرت حكماً، في مايو 2016، بحبس عذبي الفهد 5 سنوات مع الشغل والنفاذ في قضية “قروب الفنطاس” إلى جانب 13 آخرين.
كما يتضمن المرسوم الأميري العفو عن الشيخ خليفة العلي الخليفة الصباح، إضافة إلى أحمد داود سلمان الصباح وعبد المحسن العتيقي، وفلاح الحجرف، الذين حوكموا بذات قضية “قروب الفنطاس”.
و”قروب الفنطاس” هي مجموعة كويتية على تطبيق واتساب اشتهرت في 2 أبريل 2015، عندما استقبل أغلب الكويتيين رسالة على هواتفهم النقالة عبر تطبيق الواتساب من رقم مجهول يبدأ بمفتاح دولة غير الكويت، تحدثت فيه عن مؤامرة تحاك على الدولة لقلب نظام الحكم والقضاء.
كما يتضمن العفو الأميري عدداً من الكتاب والناشطين؛ مثل رانية السعد، وحمد عبد العزيز إبراهيم الناشي، المرشح السابق لمجلس الأمة، وآخرين يقيمون حالياً خارج البلاد.
التوافق والتفاهم
وأعرب النائب د. عادل الدمخي عن الشكر الجزيل لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ مشعل العهد على صدور مرسوم العفو الخاص عن مجموعة من الأشخاص.
وقال الدمخي في تصريح بالمركز لإعلامي لمجلس الأمة “جزاكم الله خيرا يا سمو الأمير ويا سمو ولي العهد على هذا العفو الكريم، وعدتم وأوفيتم وأفرحتم أهل الكويت”.
وأضاف إن المرسوم الأميري صدر بالعفو في قضايا كانت من أسباب السجن والغربة للكثير من أبناء الكويت، مبينا أنه” حسبما سمعنا ستكون هناك أسماء أخرى يشملهم العفو”.
وأضاف إن سمو رئيس مجلس الوزراء صدق بوعده أيضا في هذا الأمر حينما وعد النواب خلال اللقاء الذي تم معه عند رئيس مجلس الأمة بأنه ماض في تطبيق مرسوم العفو.
وقال الدمخي” شكرا لكل من ساهم بهذا العفو ودعا إليه من النواب الكرام والناشطين”.
وأكد الدمخي استمراره في الدعوة إلى التوافق والتفاهم بالتعاون مع النواب الذي يدعون إلى هذا التوافق ويبذلون فيه جهودا صادقة، سواء بالنسبة لمشاريع القوانين الواردة في برنامج عمل الحكومة أو الاقتراحات بقوانين التي يقدمها غالبية أعضاء المجلس.
وأضاف الدمخي إن سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد النواف صدق مع النواب في كل ما وعدهم به في السابق، وقال في لقائنا معه وفي أكثر من مناسبة أن يده ممدودة للتفاهم.
وأوضح الدمخي “نحن كذلك أيدينا ممدودة للتفاهم بما يحقق إصلاحات حقيقية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو قضايا تتعلق بمحاور رئيسة في حياة المواطن من صحة وتعليم وإسكان”.
وأضاف ” نعم للتفاهم والتوافق وليس الفرض، ولا يمكن أن نأتي بفرض قوانين إلا من خلال الدراسة والتفاهم”.
طحالب الفتنة
وأشارالدمخي إلى من أسماهم (طحالب الفتنة) وضحايا العهد السابق مبينا أنهم متألمون أشد الألم من العفو الكريم الذي أدخل الفرحة إلى قلوب الناس، وأحبط مساعي تأجيج الوضع والدعوة إلى المواجهة، مبينا أن هذا العفو أثبت أنه حق خالص لسمو الأمير لا دخل لأحد فيه.
ورأى أن (طحالب الفتنة) يبذلون كل ما يستطيعون لإثارة الفتنة من جديد، بدليل إعادة نشر مقاطع تهدف إلى إثارة الفتنة، مؤكدا أن ما يقوم به هؤلاء يدل على ألمهم من المصالحة بين العهد الجديد وكل من كان لديه خلاف سياسي في السابق.
وأشار الدمخي إلى أن البعض يرى أنه تراجع عن مواقفه السابقة، قائلا “نحن كنا نواجه عهدا فاسدا وأناسا أفسدوا في البلد على مدى 15 عاما ومازلنا نواجه هذه الفساد كلما أطل برأسه من جديد”.
وأوضح الدمخي أن هذا الفساد عبر عنه الخطاب الأميري الذي ألقاه سمو ولي العهد حينما أشار إلى المرحلة السابقة والانتقال إلى عهد جديد وتصحيح المسار من أجل استقرار البلد.
وأضاف الدمخي “نعم تغيرنا من أجل الإصلاح وبناء البلد من جديد، لكن مازال لدينا حق استخدام كل أدواتنا الدستورية من أسئلة برلمانية ولجان تحقيق وصولا إلى المساءلة السياسية”.
وبين الدمخي أن الإنجاز والترميم والبناء من جديد لا يتم في مدد قصيرة بل يحتاج إلى جهد كبير، مؤكدا أن النواب ماضون يدا بيد حكومة ومجلسا لتحقيق هذه الإنجازات بالتفاهم والتوافق.
من ناحية أخرى قال الدمخي إن الحكم الذي صدر من القضاء ببراءة المتهمين في قضية اليوروفايتر يتعلق فقط بمذكرة التفاهم بين وزارة الدفاع الكويتية ووزارة الدفاع في إيطاليا، ولا يتعلق بالعقد وتوابعه الذي تحقق فيه اللجنة البرلمانية بهذا الشأن.
وقال الدمخي إن اللجنة البرلمانية مازالت تحقق في العقود وتوابعها وكل ما شاب هذه العقود من أمور، مبينا أن الكثير من الناس اعتقدوا أن الحكم يتعلق بالعقد.
السعادة الغامرة
أكد النائب خالد العتيبي أن السعادة الغامرة التي عبر عنها الشعب الكويتي في المنصات كافة عقب صدور العفو وما زالت مستمرة حتى الآن تعد بمثابة ترجمة حقيقية لأهمية وحجم الحدث الذي انتظره المواطنون سنوات عدة.
وقال العتيبي إنه متفائل بصدور دفعات وكشوفات أخرى سيتم الإعلان عن العفو عنها لكي تستكمل الفرحة وعلى رأسها أبناء شمر وبقية الشباب المدانين في قضايا الرأي.
وأعرب العتيبي عن أمنيته أن يكون هذا العفو الكريم الصادر من والد الجميع دافعا لكل أعضاء الحكومة والمسؤولين التنفيذيين بأن يتخلوا عن الفكر القديم ويستغلوا الحالة والظرف للإنجاز والعمل لصالح الكويت وأهلها ، داعيا إلى طي صفحات الماضي وإغلاق تام لحقبة استنزفت قوى المواطن وأهدرت الكثير من وقته وطموحاته.
وقال العتيبي ” سمو أمير البلاد وولي عهده الأمين صاحبا الفضل بعد الله في هذا العفو فقد سبقا توقعات الجميع بمراحل وجمعا شتات المهجرين وأعادا هؤلاء إلى أهاليهم وأوطانهم”.
الحركة الدستورية الإسلامية
أصدرت الحركة الدستورية الإسلامية ” حدس ” بيانا بمناسبة صدور العفو الأميري الكريم .
وجاء في البيان : مبادرة كريمة حكيمة من صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد تعكس حرص سموه على تعزيز وحدة المجتمع والاهتمام بكل أبنائه وتعبر عن روح التسامح والعلاقة الوطيدة بين القيادة السياسية والشعب والحرص على تحقيق مصالح الوطن العليا
وأضاف البيان : نتقدم بخالص الشكر والعرفان لصاحب السمو وسمو ولي العهد وسمو رئيس الوزراء
وأكد البيان على أن المبادرة أشاعت الفرح والبهجة لدى المشمولين وعائلاتهم وجميع الشعب الكويتي، ونتقدم بالتهنئة للجميع وندعو أن يشمل العفو بقية المستحقين في أقرب وقت ممكن حتى تكتمل الفرحة، نحث الجميع على التوافق و تغليب المصلحة الوطنية لتحقيق مطالب طموحات الشعب الكويتي
وفيما يلي نص البيان :
قال تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله..) «الشورى الآية 40».
تلقينا ببالغ التقدير والامتنان المرسوم الأميري السامي الخاص بالعفو عن مجموعة من أبناء الكويت في إطار مبادرة كريمة من صاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وهي خطوة أشاعت أجواء الفرح والبهجة ليس فقط لدى المشمولين وعائلاتهم، وإنما للشعب الكويتي كافة، كما أنها مبادرة حكيمة تعكس حرص سموه على تعزيز وحدة المجتمع الكويتي والاهتمام بكل أبنائه، ولا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نتقدم بخالص الشكر والعرفان لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، وإلى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وإلى رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح، داعين المولى عز وجل أن يوفقهم ويسدد خطاهم.
كما نتقدم بالتهنئة لجميع من شملهم هذا العفو ولعائلاتهم الكريمة، وندعو لأن يشمل بقية المستحقين من أبناء الكويت في أقرب وقت ممكن حتى تكتمل الفرحة لجميع أطياف المجتمع، وفي ذلك تأكيد على أن الكويت وكما كانت دائما تتسع لجميع أبنائها وتحرص على مستقبلهم ومصالحهم.
إن الحركة الدستورية الإسلامية تثمن مبادرة العفو الأميرية وتعدها تعبيرا عن روح التسامح والتآلف التي جُبل عليها المجتمع الكويتي وعلى العلاقة الوطيدة بين القيادة السياسية والشعب الكويتي، كما تؤكد هذه المبادرة الكريمة الحرص في تحقيق مصالح الوطن العليا، وإنها جاءت لتطوي صفحة من تاريخ الكويت السياسي وتفتح أخرى عنوانها المصالحة الشاملة والتعاون والوحدة والتفاهم لما فيه خير الكويت وأبنائها.
وتدعو الحركة بهذه المناسبة الجميع الى الاستفادة من دروس المرحلة الماضية بما يعزز قيم التعاون لما فيه خير الكويت وتنميتها ونهضتها، كما تحث الجميع على تغليب المصلحة الوطنية وعلى التوافق بما يحقق طموحات ومطالب الشعب الكويتي.