توقع الكاتب التركي –من أصل فلسطيني- سعيد الحاج أن يترك الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا، مؤخرا، آثاره على مختلف مناحي الحياة، لا سيما الحياة السياسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، المقررة في يونيو المقبل، وكان من المتوقع تبكيرها لـ14 مايو.
وقال الحاج في مقال له على موقع “الجزيرة.نت”: “من الطبيعي أن تكون لزلزال بهذه الآثار تبعات سياسية، كما أنه من البديهي أن أي حكومة يحصل في عهدها حدث بهذه الحدة ستتحمل مسؤولية سياسية، وتدفع ثمنا بهذه الدرجة أو تلك، بغض النظر عن مدى مسؤوليتها عما حصل أو طريقة تعاملها معه”.
وأكد الكاتب التركي أن ملامح التبعات السياسية للزلزال “تتمثل في تعمق حالة الاستقطاب في البلاد بين الحزب الحاكم والمعارضة، وتحديدا حزب الشعب الجمهوري، ذلك أن رئيسه حمّل أردوغان والحكومة المسؤولية الكاملة عما حدث، ورفض أن يتعامل مع الأزمة بـ”منطق فوق سياسي”، وأعلن مقاطعة الرئاسة والحكومة. بعد ذلك بأيام وخلال صلاة الجنازة على الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال؛ تجنب أردوغان مصافحة كل من كمال كليجدار أوغلو ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو”.
وحول تأثير الزلزال على الانتخابات وإمكانية اللجوء لتأجيلها، أكد أنه أمر معقد من الناحيتين القانونية والسياسية، فضلا عن مسوغاته؛ فثمة من يرى أنه لا يمكن إجراء حملات انتخابية وعملية اقتراع في المحافظات المنكوبة، حيث لا أبنية ولا مؤسسات ولا بيروقراطية حكومية، فضلا عن عدم مناسبة الأجواء العامة لذلك. لكن هناك أيضا من يرى أن الناخبين قد انتقلوا لمدن أخرى وبالتالي سيستخدمون حقهم في الاقتراع الذي سيكون معبراً عن تقييمهم لمن المسؤول عن أزمتهم.
وحول التكييف القانوني للأمر أشار إلى أن المادة 78 من الدستور تنص على إمكانية تأجيل الانتخابات “في حال تعذر تنظيمها بسبب الحرب”، وأناطت صلاحية ذلك بمجلس الشعب التركي الكبير (البرلمان) حصرا؛ مما يعني وفق نص المادة عدم إمكانية تأجيل الانتخابات بسبب الزلزال.
لكنه استطرد أن تفسيرات المادة قد تختلف عن نصها المباشر؛ إذ يمكن ربط التسويغ بـ”تعذر تنظيمها” وليس فقط “الحرب”، وبالتالي يُذهب إلى أن الدمار الذي أحدثه الزلزال لا يقل فداحة عن آثار الحرب. ولعل مما يدعم فهما كهذا تكرار مقارنة آثار الزلزال بقوة 500 قنبلة ذرية، كما جاء على لسان أكثر من مسؤول.
وأشار الحاج إلى أن هناك إمكانية لتعديل الدستور وتشريع التأجيل في الكوارث الطبيعية الكبيرة، وفي كلتا الحالتين سيحتاج التحالف الحاكم للتوافق مع المعارضة أو بعض أحزابها؛ إذ لا يملك الأغلبية التي تخوله تعديل المادة الدستورية. ولئن جاءت التعقيبات الأولى من حزب الشعب الجمهوري برفض التأجيل مطلقا، ومن الحزب الجيد برفض التأجيل طويل المدى، إلا أن توافقا على تأجيل قصير الأمد ما زال ممكنا. ذلك أنه إضافة إلى الأبعاد الإنسانية ثمة بعد سياسي يرتبط بإيصال رسالة للمواطنين/الناخبين أن مأساتهم مقدمة لدى الأحزاب السياسية على مكاسب الانتخابات المفترضة.
وأضاف الكاتب التركي: “من المنطقي أن الزلزال وتبعاته سيكونان الملف الأول والأهم على أجندة الانتخابات المقبلة، بغض النظر عن تاريخ إجرائها. وهنا ستتنافس لإقناع الناخبين سرديتان: ستقول المعارضة إن الحكومة تقاعست وأهملت وتسببت في الكارثة؛ وعليها أن تدفع الثمن في صندوق الانتخابات. وستقول الحكومة إن الزلزال أكبر من قدرة أي حكومة أو دولة على مواجهته، وإن المعارضة تحاول استغلال الكارثة لمكاسب سياسية”.
واختتم سعيد الحاج مقاله قائلا: “في الخلاصة، فإن الزلزال الجيولوجي الذي حدث تسبب بزلزال سياسي بدأت بعض ملامحه في التبلور، حيث سيصبغ الحياة السياسية الداخلية بصبغته لفترة طويلة جدا، فضلا عن تأثيراته على السياسة الخارجية التركية التي لم يتسع المقال لتناولها. ومن المؤكد أن الزلزال سيترك أثره بشكل واضح على نتائج الانتخابات المقبلة، بيد أنه من الصعب الجزم باتجاه هذا التأثير فضلا عن درجته.
فإذا كان من المنطقي أن التداعيات الثقيلة للزلزال تضعف فرص أردوغان والعدالة والتنمية الذي يحكم منفردا منذ 20 سنة، فإن الحكم النهائي للناخب سيتأثر بالتأكيد بالإجراءات الحكومية المنتظرة من إيواء ودعم وتعويضات وإعادة إعمار فضلا عن مدى اقتناع مختلف شرائح الشعب بإحدى السرديتين اللتين ستتنافسان بشراسة خلال الأشهر المقبلة”.
يذكر أن إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) أعلنت، اليوم السبت عن ارتفاع عدد قتلى الزلزال –الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري في السادس من شهر فبراير الجاري- إلى أكثر من 64 ألف إنسان، منهم 40 ألفا و642 في تركيا.