- تطرح الدولة أو بعض الشركات أسهمها على الجمهور، ويتساءل الناس عن حكم الاكتتاب في هذه الشركات: هل هو جائز شرعاً أم غير جائز، مع العلم بأن هذه الشركات تتعامل مع البنوك الربوية؟
– هناك ثلاثة أنواع من الشركات، هي:
أولاً: شركات الاكتتاب فيها حلال بلا شك، وهي الشركات التي تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية مثل البنوك الإسلامية، فالاكتتاب في مثل هذه الشركات لا شيء فيه بالإجماع بين العلماء فهو حلال ولا حرج فيه.
والنوع الثاني: من الشركات لا يجوز الاشتراك فيها بالإجماع وهي الشركات التي تمارس نشاطاً محرماً، مثل شركة تستورد الخمور أو تستورد الخنازير أو مما تستورده الخنازير والخمور، في بلد مسلم، أو شركات الملاهي، أو السينمات أو أي شيء لا تلتزم بأحكام الشرع، أو شركات تقوم على الربا والبنوك الربوية، التي تتعامل بالفوائد أخذاً وعطاء، أو لا تلتزم بأحكام الشرع، أو شركات التأمين التي لا تلتزم بأحكام الشرع، كل هذه الشركات التي يعتبر نشاطها محظوراً شرعاً لا يجوز الدخول فيها بالمساهمة ولا بالاشتراك.
والنوع الثالث: شركات الأصل في عملها الحلال، أي تباشر نشاطاً حلالاً، مثل شركة الماء والكهرباء وشركة الإسمنت، وشركة السكك الحديدية، لكن الشبهة تأتي من أن هذه الشركات تدخل عليها الفوائد الربوية من ناحيتين؛ الأخذ، والعطاء، فالأخذ أن تقيم مشاريع تحتاج فيها إلى الاقتراض من البنوك الربوية بفائدة وهذه أقل خطراً، والأخطر منها أن تودع أموالها في البنوك الربوية بفائدة حين تفيض عندها أموال من أرباحها بطول السنين، فمن المعروف أن الفائدة هي الربا المحرم، كما قرر ذلك مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة، والمجمع الفقهي الدولي الإسلامي في جدة التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومؤتمر البنوك الإسلامية وغيرها، التي قررت أن الفائدة هي الربا المحرم شرعاً، وأن أخذ زيادة على المال يكون مشروطاً على ذلك ما زاد على رأس المال بشرط، فهو ربا، فالنشاط في مثل هذا النوع حلال لكن الربا يأتي بعد ذلك، والعلماء المعاصرون اختلفوا في هذا؛ فهناك فئة تقول: ما دام الربا دخل في الشركة أخذاً وعطاء اقتراضاً وإيداعاً فهي محرمة لا يجوز الاقتراب منها ولا المساهمة فيها، ولا الاشتراك معها، لأنها مشاركة في الحرام وتعين على الحرام، هذه الطائفة من العلماء لهم وزنهم ولهم رأيهم، وهناك فئة أخرى من العلماء نظرت في الأمر نظرة واقعية، وهي أن هذا أمر عمت به البلوى، وإننا إذا حرمنا هذه الأشياء فإننا نحرم المتدينين من المسلمين من المشاركة في ثروات الأمة الكبيرة، أي في هذه الشركات الكبرى، فالذي يخاف الله، لن يشترك في الثروة، لذلك نظر هؤلاء العملاء وقالوا: ما دام النشاط أصله حلالاً فلا مانع، هناك شبهة، ولكن أمام هذه الشبهة حاجة أقوى من هذه الشبهة، وها نحن نرجع هذه الحاجة على الشبهة، لحاجة أقوى منها، والحاجة هي أن نشرك مجموع الشعب في هذه الثروات، وفي هذه الشركات الكبرى، وما دام أصل النشاط حلالاً، وهذا الأمر سيطرأ فيما بعد، فلا مانع.
والمساهمون هم الذين يكونون الجمعية العمومية لأي شركة، والجمعية العمومية هي السلطة العليا التي تستطيع أن تغير سياسة أي شركة، فهي التي تنتخب مجلس الإدارة، وتستطيع أن تغيّر حتى في النظام الأساسي وتعدّل فيه، فلو كثر المتدينون في شركة ما، استطاعوا بالأغلبية أن يقولوا للشركة: لا تودع الأموال في البنوك الربوية، بل في البنوك الإسلامية، ويقولون: لا تقترضوا بالربا، اعملوا مرابحات مع البنوك الإسلامية.
ونرى جواز الاكتتاب في مثل هذه الشركات؛ لأنه أيسر على الناس وأليق بتحقيق المقاصد ودرء المفاسد، وأضاف: إنما شرعت الأحكام وأنزلت الشريعة لتحقيق مصالح العباد في المعاش والميعاد، وعندما يشترك الشخص في مثل هذه الشركة ويعرف فيما بعد أنها أودعت أموالها في بنوك ربوية أو أخذت أموالاً بالفائدة، ويظهر ذلك في الميزانية، نستطيع أن نقول: عليكم أن تطهروا الأرباح بنسبة كذا، أن تخرجوا نسبة كذا من الأرباح حتى يصفو لكم الباقي.. ولا حرج عليكم إن شاء الله.
العدد (1641)، ص57 – 24 المحرم 1426ه – 5/3/2005م