مع قدوم العام الدراسي الجديد، تزداد الحاجة إلى تجويد المنظومة التعليمية، وإضافة عوامل جذب تزيد من إيجابية وفاعلية بيئة التعليم، وتجعل من المدرسة هدفاً مرغوباً، ووجهة مفضلة لدى الطلاب.
ومن الأهمية في هذا الصدد الأخذ في الاعتبار التحديات التي تواجه العملية التربوية والتعليمية، والتطور السريع والفائق في وسائل التكنولوجيا ومتغيرات العصر، خاصة أن المعـارف تتضاعف كل 3 – 5 سنوات.
إن البيئة التعليمية ليست فصلاً دراسياً فقط، أو جدراناً جميلة، بقدر ما هي عملية متكاملة تشمل إلى جانب المدرسة، المعلم، والمحتوى التعليمي، والوسائل التعليمية، والبرامج المحفزة، والطالب ذاته، الذي يحتاج إلى وعي باحتياجاته، وإدراك لمتطلبات نموه الذهني وتطوره المعرفي.
حين تصبح جميع مكونات العملية التعليمية والبيئة الدراسية جاذبة ومتناغمة وناضجة؛ هنا يمكن ترقب ظهور جيل واعد يقود نهضة الأمة، ويعالج مشكلاتها، ويسد ثغراتها، بل يبدع في مواجهة الصعاب والتحديات، ويقود سفينة الأوطان إلى المستقبل بنجاح.
ومن المهم أولاً أن تتضح الرسالة التربوية بما يحفز الطلاب على التعلم، ويرفع مستوى إدراكهم للمهمة الملقاة على عاتقهم، فنحن نريد عقولاً تبني، وقلوباً ذات بصيرة تسير على الدرب الصحيح.
ليس المطلوب عقولاً تحفظ فقط، أو تتجهز فقط لاجتياز الامتحان كل عام، إنما نريد عقولاً واعية، ونفوساً سوية، وسلوكيات منضبطة، فهم -أي الطلاب- جزء من النظام المدرسي من أهم عوامل نجاح البيئة المدرسية الإيجابية.
ولا يقل بأي حال من الأحوال الدور الذي يقوم به المعلم، والرسالة التي يؤديها، في تخريج وتخليق جيل مبدع مبتكر، يغرس فيه الخير والصلاح، ويزوده بالقيم النبيلة، ويفتح المدارك أمامه نحو غاية العلم، وسمو المقصد، فكم من معلم كان له عظيم الأثر في تخريج نوابغ وعلماء للأمة! وكم من معلم تسبب في إفساد الفسيلة، فأنتج الجاهل والمشوّه نفسياً والمتأخر دراسياً وعقلياً وأخلاقياً!
نحن لا نريد المعلم الناقل للمعلومات، المتاجر بالدروس الخصوصية، الساعي للراتب الشهري، بل نريد المعلم البنائي، القادر على التعامل مع الطلاب، وتفهم احتياجاتهم، والتأثير فيهم، حتى ينتقل من درجة معلم إلى مربٍّ.
كذلك تزيد جودة البرامج التعليمية من جاذبية البيئة المدرسية، لا سيما مع التطور الهائل في وسائل وبرامج التعلم، والحاجة إلى استخراج المواهب والكفاءات، وضرورة تطوير قدرات المتلقين، وتنمية العلاقات البينية الإيجابية بين الطلاب، وتعزيز روح التعاون والمشاركة، بما ينعكس على تماسك المجتمع وصموده الداخلي.
ومن الضروري كذلك توفير بيئات تعلم إلكترونية تتناسب مع احتياجات المجتمعات في القرن الحادي والعشرين، وتتجاوز التعليم التقليدي المتبع في مدارسنا، ومنها التعلم عن بُعد، والتعلم التشاركي، والتعلم القائم على التجربة، والتعلم القائم على المشاريع، والتعلم التكيفي، والتعلم الهجين، وغير ذلك من أنماط حديثة تسير على دربها الدول المتقدمة.
إن الدراسات الحديثة، وفي إدراك لجميع جوانب العملية التعليمية، لم تغفل الجانب العاطفي عند تصميم البيئات التعليمية الافتراضية الذكية، كمنتج تعليمي، على اعتبار أن الإنسان ليس مركباً آلياً، ولا يمكن أن يكون كذلك، وهو ما يجب الانتباه إليه، وأن نعيد توظيف الجانب العاطفي عند تصميم البيئات التعليمية، الواقعية منها والافتراضية.
في هذا السياق، يزيد من جاذبية المدرسة توافر المواد التعليمية المناسبة، والأثاث، والألعاب التربوية، والأنشطة المدرسية، وغير ذلك من وسائل تعين على تحقيق أهداف التعليم، وفتح الأفاق لدى الطلاب نحو البحث والتفكير، والاستكشاف والاختراع.
ومن الحكمة الأخذ بعين الاعتبار التصميم الداخلي للمدرسة، وديكورات الفصول، وحالة المرافق والخدمات، وجاهزية المكتبات والمختبرات والملاعب، وكفاءة أركان التعلم المختلفة، كركن الخط، والرسم، والإنشاد، والابتكار، والتمثيل، والصحافة، والإذاعة المدرسية، وغيرها من أركان ومسارات من شأنها، توفير بيئة متكاملة للطالب.
ووفق خبراء تربويين، فإن بيئة التعلم تقاس وتُقيّم جودتها من حيث كونها فقيرة أو غنية، مملة أو ممتعة، تقليدية أو حديثة، طاردة أم جاذبة، مغلقة أم منفتحة، ضاغطة أم مريحة، وهي معايير تأخذ بها الدول المتقدمة، بما يجعل من بيئة التعلم جاذبة، ويرفع من نسب التعلم، ويصنع الفرق في معارف الطلاب ومهاراتهم واتجاهاتهم ونتائجهم.
المدرسة محضن ووعاء، سيخرج منه العالِم والطبيب والمهندس والصحفي والمحاسب، سيخرج منه رجل الدين والقانون والقضاء والإعلام، سيخرج منه آباء وأمهات المستقبل؛ لذلك لا نريد محضناً من أجل الامتحان فقط، كما هي الحال في بلادنا، بل نريده محضناً للوعي والفكر والمعرفة، محضناً للثراء المعلوماتي والأخلاقي والقيمي والإيماني.