تفاقمت الاضطرابات النفسية في اليمن لتصبح مشكلة ملحة تؤثر بشكل كبير على الشباب والسكان عامةً، فوفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، يعاني واحد من كل أربعة أشخاص في اليمن من مشكلات عقلية ونفسية واجتماعية.
ويعزى جزء كبير من هذا الارتفاع في الأمراض النفسية إلى النزاع المسلح المستمر، والنزوح القسري، والبطالة، ونقص الغذاء، والظروف القاسية التي تواجهها البلاد.
بالنظر إلى مرور نحو 9 سنوات من الحرب والانهيار الاقتصادي، أصبح التحدي أكبر، فقد أغلق النزاع الكثير من المستشفيات النفسية التابعة للدولة، مما أدى إلى تفاقم الأمراض النفسية وتأثيرها على مختلف شرائح المجتمع، وأضحت البلاد تحتل المرتبة 46 بين 57 دولة في مؤشر الصحة العقلية، ويعاني نحو ربع السكان من صعوبات في التعامل مع ضغوط الحياة اليومية، وفقًا لمؤشرات كشفتها منظمة «سابين لابس» الأمريكية.
الحرب التي دمرت البنية التحتية الصحية، ونفدت على إثرها الموارد الأساسية؛ أصبحت تهديدًا حقيقيًا للصحة النفسية للسكان، فيعاني أكثر من ثلثي السكان من حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، بينما تعاني أكثر من نصف المرافق الصحية من نقص حاد في الموارد والكهرباء والأدوية والمعدات، وهي ظروف تزيد من تفاقم الأمراض النفسية بين الشباب والسكان عامةً، مما يجعل الحاجة إلى التدخل الوطني والدولي لتحسين الوضع الصحي والنفسي في اليمن أمرًا ضروريًا وملحًا.
صدمة الحرب
تشير الأبحاث إلى وجود روابط بين التعرض للصدمات، بما في ذلك تلك المتعلقة بالنزاعات والحروب، وظهور الضغوط النفسية، وهناك ارتباط وثيق بين النزاع، والاكتئاب واضطرابات القلق، وذلك وفقًا لدراسة «عبء المرض العالمي» لعام 2015م.
وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص الذين يتعرضون لحالات الطوارئ يعانون من بعض أشكال الضغوط النفسية، فإن الأدلة تشير إلى أن نسبة تتراوح بين 15% و20% من الأفراد الذين يتأثرون بالأزمات يمرون باضطرابات نفسية خفيفة إلى معتدلة، مثل الاكتئاب والقلق والإجهاد الناتج عن الصدمة، وهناك نسبة تتراوح بين 3% و4% يعانون من اضطرابات نفسية شديدة مثل الذهان والاكتئاب الشديد والقلق، مما يؤثر على قدرتهم على العمل والنجاة.
تحديات قائمة
تصنف الأبحاث النفسية الحالية الاكتئاب، واضطراب الوسواس القهري، واضطراب الهلع، واضطراب الشخصية، واضطرابات الأكل، والقلق، والاستهلاك، كأمراض نفسية شائعة بين الشباب في اليمن، تلك الأمراض تمتلك تأثيرًا كبيرًا على حياتهم، وتسبب انخفاض الإنتاجية، وتزيد من الأخطار الصحية والاجتماعية.
وترجع أسباب انتشار تلك الأمراض إلى عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، ومن هذه العوامل:
– الحروب والنزاعات: اليمن عانى من حروب ونزاعات مستمرة لعدة سنوات، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وفقدان الأمان والاستقرار النفسي، وقد زاد هذا التوتر الدائم من تطور الأمراض النفسية بين الشباب.
– البطالة والفقر: يعاني الشباب في اليمن من مستويات عالية من البطالة والفقر، وهو ما أدى إلى الضغوط النفسية بسبب عدم القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية وضغوط العيش.
– قلة الوصول إلى الخدمات الصحية النفسية: وهو ما يعيق الوصول إلى التشخيص والعلاج المناسب للأمراض النفسية، ويؤدي إلى زيادة انتشارها.
– قلة الوعي والتثقيف: يفتقر غالبية الشباب إلى الوعي بأهمية الصحة النفسية، وقد يتجاهلون أعراضها، أو يخجلون من طلب المساعدة.
– الضغوط الاجتماعية والثقافية: يواجه الشباب ضغوطًا اجتماعية وثقافية تتعلق بالزواج والأسرة والتوقعات المجتمعية، وهي ضغوط تسهم في انتشار الأمراض النفسية.
– نقص التمويل والدعم النفسي: قلة التمويل ونقص الدعم النفسي والاجتماعي يقللان من إمكانية تقديم الخدمات النفسية والعلاج النفسي للشباب المتأثرين.
ولعل مواجهة هذه التحديات تحتاج إلى تعزيز الوعي بالصحة النفسية، وتقديم خدمات أفضل في هذا المجال، وتوفير فرص اقتصادية للشباب، والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.
دور التوعية والتثقيف
التوعية والتثقيف يؤديان دورًا حاسمًا في الوقاية من الأمراض النفسية وتحسين الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات، فزيادة الوعي بمسائل الصحة النفسية تساعد الأفراد على فهم مفهوم الصحة النفسية وأهميتها، كما توضح الأعراض والعوامل المؤثرة في الأمراض النفسية.
تقليل الوصم والتمييز المرتبطين بالأمراض النفسية جزء مهم من دور التوعية والتثقيف، ومن خلال التوعية، يمكن تشجيع الأفراد على التعبير عن مشاعرهم والبحث عن المساعدة دون خوف من الوصم أو التمييز.
وتعزز التوعية أيضًا من التعرف المبكر على الأعراض، وتشجع الأفراد على البحث عن العلاج المبكر، ويمكن أن تكون هذه الخطوة حاسمة في تحقيق الاستجابة الصحيحة والفعالة للأمراض النفسية ومنع تفاقمها.
بالإضافة إلى ذلك يمكن للتوعية توجيه المزيد من الموارد نحو تقديم الخدمات الصحية النفسية وتوفير الدعم اللازم للأفراد المتأثرين، وهو ما يشمل في المقام الأول تحسين البنية التحتية للرعاية الصحية النفسية وزيادة التمويل لهذا القطاع.
برامج التوعية
وفي ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها شباب اليمن في هذا الوقت الصعب، تبرز قضية الصحة النفسية كواحدة من أهم القضايا التي ينبغي تعزيز الوعي بها، فالشباب هم مستقبل أي مجتمع، والاهتمام بصحتهم النفسية يعكس الاهتمام بالمجتمع بأسره.
فمع أن شباب اليمن يعيشون ظروفًا صعبة نتيجة النزاع المستمر والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تسببت فيها تلك الظروف، ويعاني الكثيرون منهم من تأثيرات نفسية جسيمة نتيجة التوتر والقلق وضغوط الحياة اليومية، فإن الاكتئاب واضطرابات القلق ليست أمورًا غير مألوفة بين شباب اليمن، وهو ما يجعل الحاجة إلى التوعية والدعم النفسي أمرًا حيويًا.
أولاً: دمج مناهج تعليمية حول الصحة النفسية في المدارس تسهم في تزويد الشباب بالمعرفة والأدوات الضرورية لفهم الصحة النفسية وكيفية العناية بها.
ثانياً: استخدام وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر المعلومات والنصائح حول الصحة النفسية لما لها من تأثير كبير في نشر الوعي والمعرفة.
ثالثاً: تنظيم ورش العمل والمحاضرات حول الصحة النفسية في المجتمعات والمدارس والمؤسسات، لتوجيه النقاش حول هذا الموضوع المهم وتوجيه الأفراد نحو مصادر الدعم.
رابعاً: تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات المتأثرة بالأمراض النفسية؛ لمساعدة الأشخاص على التعامل مع تحدياتهم النفسية بفعالية.
خامساً: تعزيز التعاون بين المنظمات الصحية والمجتمعية لتقديم خدمات صحة نفسية شاملة ومتاحة لأكبر عدد ممكن من الأشخاص.
التوعية والتثقيف حول الصحة النفسية إذًا لهما دور حيوي في تحسين الفهم للأمراض النفسية، وتشجيع الحوار المفتوح والصريح حولها، وتشجيع الأفراد على البحث عن الدعم الصحي عند الحاجة، ويتيح فرصة أفضل لتحسين جودة الحياة للأفراد والمجتمعات وتقديم الدعم اللازم لمن يحتاجون.
وتعزيز التوعية والتثقيف حول الصحة النفسية بين الشباب في اليمن أمر أساسي للوقاية من الأمراض النفسية وتحسين حياة الشباب، ويجب أن يكون هذا الجهد جزءًا من إستراتيجية شاملة تستهدف تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للشباب وتشجيعهم على طلب المساعدة وتطوير استراتيجيات التواصل والتعبير عن مشاعرهم.
____________________
باحث متخصص في الشأن اليمني.