ربما يثير التساؤل في الوقت الحالي حول مدى احتمالية تكرار عملية «طوفان الأقصى» لدى البعض الكثير من الحيرة والدهشة! إذ كيف يمكن تصور تكرار مثل هذه العملية في ظل تصعيد الاعتداء الصهيوني على الفلسطينيين في أعقاب ما وقع في 7 أكتوبر الماضي؟!
أعقب ذلك مباشرة قيام مختلف الأجهزة الأمنية للاحتلال باتخاذ كل ما يمكن اتخاذه من إجراءات الحيطة والحذر لمنع تكراره، فيما شدد رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو على أن ما حدث في 7 أكتوبر لن يحدث مرة أخرى، الأمر الذي يجعل من تكرار «الطوفان» ووفق الحسابات الأمنية والعسكرية والمخابراتية عملاً مستحيلاً يصعب على المقاومة الفلسطينية أن تفكر فيه.
وعلى الرغم من اختلاف الظروف والملابسات بين ما قبل يوم 7 أكتوبر وما بعده، فإن فكرة استحالة تنفيذ عملية مثل «طوفان الأقصى» كانت هي الفكرة المهيمنة على الذهنية الصهيونية والكثير من الداعمين لها.
فالاحتلال، ووفق ما يروج له، كان يراقب كل ما يدب على أرض القطاع؛ ما جعله يتعاطى باستخفاف شديد مع كل التحذيرات التي وصلته قبل «الطوفان» حول خطورة رد فعل المقاومة على السلوك العدواني المتصاعد على عدة جبهات ضد الفلسطينيين، وأبرزه الانتهاكات في كل من المسجد الأقصى والضفة الغربية، بالإضافة للتطورات السلبية على صعيد المواقف الأمريكية، وهو الاستخفاف الذي تهاوت أركانه عندما وقع المحظور واستيقظ الاحتلال على طوفان جرف معه كل الأساطير والأكاذيب التي كان يروجها حول قوته المزعومة.
تخوفات صهيونية
ما سبق يعني بوضوح شديد أن الدهشة إزاء طرح سؤال احتمالية التكرار لا محل له من الإعراب، فلم يعد على مستويي المنطق والواقع غير مستبعد، خاصة أن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الفعل في ظل أي ظروف مهما كانت طبيعتها.
يؤكد ذلك نجاحها في الصمود أمام قوات الجيش الصهيوني في حرب غزة التي حشد فيها كل إمكانياته دون قدرة على تحقيق أي من أهدافه المعلنة، وهو ما يستحضره الاحتلال بقوة؛ ما يفسر لدى بعض المحللين العسكريين والخبراء الإستراتيجيين عمليات جيش الاحتلال لتركيز آلياته ودباباته في بعض الساحات والمناطق الزراعية على الأطراف، فضلاً عن سحبها من داخل قطاع غزة في بعض الأوقات؛ إذ يرون أن ذلك خشية تكرار عملية «طوفان الأقصى».
ولعل التصريحات العديدة الصادرة عن شخصيات أمنية وعسكرية للاحتلال تدعم هذه الاحتمالات، ومنها ما طالب به قائد شرطة الاحتلال في الجنوب من الاستعداد خوفاً من تكرار عملية السابع من أكتوبر على الأراضي المحتلة عام 1948م في صحراء النقب.
كما أشارت تحذيرات أخرى إلى أن العملية من الممكن أن تتكرر من جنوب الضفة الغربية؛ أي من مدينة الخليل، فيما نقلت تقارير إعلامية عن مسؤولين صهاينة اعتقادهم أن قوات «حزب الله» أو بعض عناصر «القسام» أو «سرايا القدس» المتواجدة في لبنان تجهز نفسها لعبور الحدود نحو مستوطنات صهيونية كجزء من هجوم متعدد الجوانب.
فيما نقلت القناة الـ«13» الصهيونية عن دفير كريب، الموظف السابق في «الشاباك»، تخوفه من تكرار «الطوفان» بإحدى مستوطنات الضفة الغربية بعد اغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري، مطالباً باتخاذ أعلى درجات الاستعداد القصوى في منطقة الشمال والضفة؛ لأنه من الممكن أن تدك «حماس» المستوطنات على رؤوس ساكنيها، وأن يفعلوا شيئاً لم يكن في الحسبان.
4 دوافع
والحقيقة أن التخوف الصهيوني ينطلق من 4 دوافع رئيسة، أولها: يتمثل في التصريحات التي جاءت على ألسنة قادة حركة «حماس»، ومنها ما صرح به إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، عقب «الطوفان»، حيث قال: «إن الطوفان بدأ من غزة، ولكنه سيمتد للضفة والخارج وكل مكان يتواجد فيه شعبنا وأمتنا»، وهو ما كرره بعد ذلك أيضاً نائبه الشهيد صالح العاروري، فيما كانت دعوة قائد «كتائب عز الدين القسام» محمد الضيف صريحة حيث قال: «يا أهلنا في الداخل والنقب والجليل والمثلث، أشعلوا الأرض لهيباً تحت أقدام المحتلين».
وأما الدافع الثاني: فيتمثل في التحذيرات التي أطلقها مسؤولون أمريكيون حول احتمالية مواجهة الاحتلال خطر اندلاع جبهة ثانية غير غزة، وخروج الوضع عن السيطرة في الضفة الغربية المحتلة، حتى إنهم يخشون ألا تقتصر العمليات ضد الاحتلال على عناصر المقاومة، بل تشارك فيها عناصر في شرطة السلطة الفلسطينية.
وبكل تأكيد، فقد لاقت التحذيرات الأمريكية اهتماماً من الاحتلال، حتى إنه وبحسب صحيفة «هاآرتس» العبرية أصدر نتنياهو تعليماته في الآونة الأخيرة إلى الجيش لوضع خطة عمل لإحباط أي هجوم محتمل من جهة الضفة الغربية على المستوطنات أو البلدات القريبة من خط التماس، مشيرة إلى أن التحذير الأمريكي من اشتعال الضفة لم يفاجئ كبار الأمنيين الصهاينة، لكنه قد يُفاجئ شرائح واسعة في المجتمع.
وثالثها: أن المقاومة تمكنت بالفعل من أن تقوم ببعض العمليات النوعية التي تشبه إلى حد كبير «طوفان الأقصى»، ومنها ما أعلنته «كتائب القسام» وبعد نحو 40 يوماً من الطوفان الأول مسؤوليتها عن عملية اقتحام الحاجز العسكري الفاصل بين شمال بيت لحم وجنوب القدس المحتلة وقتل وإصابة عدد من الجنود الصهاينة.
وأما رابعها: فهو نجاح الشباب في الضفة بتشكيل عدد من التنظيمات المقاومة التي تمكن بعضها من تنفيذ عمليات ناجحة، ومنها كتائب جنين وطولكرم ونابلس وعرين الأسود ولواء الشهداء ومجموعات قباطية وبرقين، في حين أعلنت «القسام» عن وصول خلاياها بالضفة إلى مرحلة تستطيع من خلالها تنفيذ عمليات مركزية ومتسلسلة ضد الاحتلال.
الأجواء المتشابهة
وعملاً بالقاعدة المنطقية حول أن تشابه المقدمات يؤدي إلى نفس النتائج، فإن تكرار الطوفان وارد وبقوة، فها هو الاحتلال يواصل انتهاكاته واعتداءاته على الفلسطينيين في الضفة الغربية، فلم تتوقف قوات الاحتلال ليوم واحد عن التوغل في مدن وقرى الضفة، واعتقال نحو 5 آلاف فلسطيني منذ «طوفان الأقصى»، في إطار ما يسمى بـ«كاسر الأمواج»، فضلاً عن تضييق الحصار الاقتصادي، وهو سلوك بلا شك سيكون له تداعياته.
وتبقى حالة الفشل والترهل الأمني والاستخباراتي للاحتلال عاملاً مهماً للتكهن بتكرار الطوفان، لا يغير من ذلك غطرسة القوة والتوحش اللذين يمارسهما في غزة والضفة، إذ لم يعد خافياً أنه فشل للشهر الرابع على التوالي، وهو الفشل الذي أقر به بشكل ضمني حلفاء وداعمو الاحتلال منذ الوهلة الأولى للطوفان عندما أعلنت الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي الدعم الكامل للاحتلال، بل إن واشنطن ولندن لم تترددا في تحريك قواتهما للمنطقة، وهما لا تفعلان ذلك إلا في الحروب المصيرية، فما الذي يمنع إذن تكرار «الطوفان»؟!