كنا في المقالين السابقين قد طرحنا 5 سمات مساندة للمدرِّب المتألِّق، ونكمل في هذا المقال بعض السمات المساندة الأخرى، منها:
6– الاحترام والتقدير:
من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يحترمهم ويقدِّر جهودهم، وذلك بإعطاء فرصة لجميع المتدربين في الحوار والنقاش وتوجيه الأسئلة.
ففي إحدى دورات القطاع النفطي، دار نقاش وارتفعت أيادي المتدربين؛ كل يريد أن يدلي برأيه، فسمحت لأحد المتدربين بالنقاش؛ فاعترض متدرب آخر، وقال: لقد كنت رافعاً يدي قبله، ولكنك اخترته قبلي، وليس في ذلك عدل ولا إنصاف! فقام من مقامه وهو يصرخ قائلاً: لن أستمر معكم في هذه الدورة! فقلت له: أنا أعتذر إليك، لم أرَ يدك، تعالَ أصافحك، ولكنه استمر في صراخه، وآثر الخروج!
وعليه؛ فالمدرب المتألق هو الذي يحتوي المواقف المحرجة في أثناء دوراته، ويسعى لاحترام المتدربين، ولا يسعى إلى تصعيد تلك المواقف، وكذلك هو آخر من يخرج من قاعة التدريب؛ احتراماً لبعض المتدربين الذين يخجلون من النقاش أمام زملائهم في أثناء الدورة؛ فيمنح لهم وقتاً للنقاش على انفراد بعد نهاية الدورة.
وإليكم هذه القصة: في إحدى الدورات القيادية لمركز الداعيات بوزارة الأوقاف الكويتية، استوقفتني سيدة من المتدربات نصف ساعة بعد الدورة، تسألني عن كيفية تطبيق مبادئ الدورة في مجال التربية لأبنائها، وكنت آخر من يخرج من القاعة احتراماً لها، واستجابة لطلبها.
المدرِّب المتألِّق هو الذي يحتوي المواقف المحرجة ويسعى لاحترام المتدربين
بالإضافة إلى ما سبق، يمكن القول: إن على المدرب أن يقدر جهود المتدربين، ويحترمهم، كما أنه يمنحهم هدايا وجوائز تقديرية؛ تقديراً لجهودهم، ومن أنواع هذه الجوائز:
– أحد المؤلفات من كتب المدرب الورقية أو الإلكترونية.
– أحد المؤلفات الإلكترونية لمشاهير التدريب في العالم.
– شهادات تقدير في نهاية الدورة.
– بوسترات ملونة لاقتباسات معروفة.
وأذكر مثالاً: في دورة الموارد البشرية للدكتور أحمد من الجامعة الأمريكية في القاهرة، قام بتوزيع قطع من الشوكولاتة على المتدربين –وقد كنت واحداً منهم- وذلك لكل من يتفاعل معه في الدورة، وكانت حركة لطيفة وظريفة منه!
وبناء على ذلك؛ فإن المدرب المتألق يستمر في تقدير المتدربين في أثناء الدورة التدريبية وبعدها، ويحيطهم علماً بآخر ما توصل إليه العلم في موضوعها.
7– المرونة واللين:
كذلك من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يكون معهم مرناً وليناً، ولكن كيف يوفِّق المدرب بين الالتزام والانضباطية، والمرونة واللين؟! نلخِّص الإجابة في: على المدرب المتألق ألا يكون شديداً فيُكسر، ولا ليناً فيُعصر! وعليه أن يدرك إنما جاءه المتدربون لأغراض عديدة، منهم: من جاءه ليتعلم ويستفيد، ومن جاءه ليستريح من عناء وظيفته، ومن جاءه ليتحرر من التزاماته، ومن جاءه ليدردش مع زملائه، ومن جاءه ليثبت إمضاءه على ورقة الحضور ثم ينصرف.
ولذلك، على المدرب أن يراعي كل هذه الظروف لدى المتدربين؛ فيلتمس الأعذار لكل من يصل متأخراً للدورة، ومن يغادرها مبكراً، ومن يطلب الإذن بالخروج مؤقتاً ليقضي حاجة خاصة له، ومن يكثر من النقاش الجانبي مع زملائه، ومن يدخل طبقاً من الطعام معه أو فنجاناً من القهوة أو كوباً من الشاي إلى قاعة التدريب.. ولكنه في الوقت نفسه يضبط ذلك كله دون أن يأتي على حساب التدريب، وتوصيل المعلومات إليهم.
.. وألا يكون شديداً فيُكسر ولا ليناً فيُعصر ويدرك أن المتدربين جاؤوا لأغراض مختلفة
هنا تأتي حكمة المدرب المتألق في توجيه إرشاداته، بحكمة ودبلوماسية، في ضبط القاعة والمتدربين، بين الشدة في بعض الأمور، واللين في أمور أخرى، فيسمح أحياناً بدخول الطعام والشراب، ويمنعه أحياناً أخرى، ويسمح أحياناً بالنقاش الجانبي، ويمنعه أحياناً أخرى، وهو الذي يضبط الدخول والخروج للمتدربين بناء على ظروفهم الاجتماعية والطبية وغيرها.
ولنضرب أمثلة لذلك: في دورة الحرس الوطني، اضطر أحد المتدربين المغادرة لموعد طبي لأمه فأذنت له، واضطر متدرب آخر للمغادرة لارتفاع حرارة ابنه في المدرسة فأذنت له، واضطر متدرب ثالث للمغادرة لموعد مع المقاول الذي يبني منزله فنصحته بعدم المغادرة، ثم أذنت له على أن يعود إلينا فور انتهائه من شغله.
وفي دورة أخرى للحرس الوطني، اقترح أحد المتدربين أن ننهي الدورة مبكراً في آخر يوم من الدورة قبل الموعد بساعة، فطرحت هذا الاقتراح على المتدربين فوافقوا جميعاً، ولكنني اشترطت عليهم إلغاء فترة الاستراحة المخصصة للدورة في وسطها، فوافقوا جميعاً.
وفي دورة للقطاع النفطي، اقترحتْ إحدى المتدربات تأجيل يوم من أيام الدورة إلى موعد آخر، وذلك لانشغال بعض المتدربين بالسفر لأداء فريضة الحج، فتم تبني مقترحها.
وفي دورة ثانية للقطاع النفطي التي عقدت في فندق راديسون بلو، وصل إلينا خبر بزيارة الأمير أندرو -من العائلة الملكية البريطانية- لمعرض البوم في الفندق، فتم تحريك وقت الاستراحة لتوافق موعد زيارة الأمير أندرو، ومصافحته في المعرض، وهي فرصة سانحة لبعض المتدربين لن تتكرر.
ونخلص من ذلك بأن المدرب المتألق هو الذي يجمع بين الشدة واللين في دوراته؛ فيكون شديداً وملتزماً أحياناً، ومرناً ليناً في أحيان أخرى.
.. وأن يكون متقناً لموضوعه ومعداً له إعداداً متميزاً لا تقل جودته عن 80%
ونذكر هذ القصة لنؤكد هذا المعنى: في إحدى الدورات لبنك الائتمان الكويتي، كانت الدورة قد شارفت على الانتهاء، ولما ينتهي العرض لمادة الدورة، هنا أعطيت ملخصاً للمادة التي تمت تغطيتها لمحتوى الدورة، وضغطت على زر الانتهاء (End) على لوحة المفاتيح، فظهرت آخر شريحة من دون عرض لبقية الشرائح، ومن دون أن يشعر المتدربون بذلك، وختمت الدورة بسهولة ويسر، بعيداً عن ضغط الوقت الذي داهمني، وهذا هو المقصود بالمرونة!
8– الإتقان والجودة:
كذلك من طبيعة المتدربين أنهم يحبون المدرب الذي يكون متقناً لموضوعه، ومعداً له إعداداً متميزاً، ونحن هنا لا نتكلم عن الدقة المتناهية في الأداء التي تصل إلى 100%، بل الإتقان الذي لا تقل جودته عن 80%، حيث إن عملاً متقناً يتراوح ما بين 80 – 95% هدف كل مدرِّب متألِّق، وإن الإتقان والجودة يكونان في 10 أمور:
1- العرض الجميل والتقديم المتميز لمادة الدورة.
2- الخط الجميل والواضح على اللوح الورقي أو السبورة.
3- الفيديوهات الواضحة والمرتبطة بمادة الدورة.
4- الصوت الواضح في أثناء الشرح.
5- الصوت الواضح الخارج من السماعات.
6- التحكم في الإضاءة في أثناء العرض.
7- التحكم في ستائر القاعة التدريبية.
8- التحكم في درجة حرارة القاعة.
9- نظافة القاعة، وخلو الجدران من الملصقات.
10- توفير المناديل الورقية، وعبوات الماء على المناضد.
إن عملية التدريب فن وذوق، وأدب واحترام، وتقدير وتشجيع!