طفولة مهددة، أحلام مسروقة، مستقبل غامض.. هذه الكلمات المُوجعة تلخص معاناة ملايين الأطفال في اليمن، الذين يواجهون ويلات الحرب المُدمرة، ويُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية، في ظل صراع لا ينتهي، وأزمة إنسانية خانقة تُهدد حاضرهم ومستقبلهم.
فالطفل اليمني يقتل بدانة مدفع، أو تغرق رأسه في صندوق قمامة بحثًا عن بقايا طعام، يتشرد في الشوارع، يبحث عن أبيه الذي التهمته نيران حرب أهلية.
يبحث عن حقه في البقاء بدلًا من حقوقه التي نظمتها المواثيق الدولية، الحق في التعليم، في الصحة، في الرياضة، في الرفاهية، وفي الأمن.
وبعيداً عن العبارات المرسلة، فإن لغة الأرقام تؤكد أن ملايين الأطفال اليمنيين يعانون ويلات الفقر وسوء التغذية وانتشار الأمراض، حيث تُشير التقديرات إلى أن ما يقارب 5 ملايين طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو رقم صادم يجسد عمق الأزمة الإنسانية التي تهدد حاضر ومستقبل اليمن.
وقدم تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية نظرة قاتمة عن الواقع المأساوي الذي يعيشه أطفال اليمن جرّاء الصراع الدائر في البلاد، فرغم صغر سنهم، يتحمّل هؤلاء الأطفال عبئًا هائلاً من المعاناة التي فككت أحلامهم وبددت حقوقهم الأساسية في حياة آمنة وصحية.
ووراء هذه الإحصاءات، تُروى قصص مأساوية لأطفال يصارعون الموت بسبب سوء التغذية، وأسر تكافح من أجل توفير العلاج الضروري، وعائلات تبحث عن المساعدة في رحلات محفوفة بالأخطار.
ملايين الأطفال يواجهون خطر الموت
وبعد مرور 9 سنوات على اندلاع الصراع في اليمن، لا يزال ملايين الأطفال يواجهون خطر الموت، حيث يُشير تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مارس الماضي، إلى أنّ 10 ملايين طفل بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، فعلى الرغم من تراجع حدة النزاع منذ أبريل 2022م، وانخفاض عدد الضحايا المدنيين وتحسين الوضع نسبيًا، فإن الأزمة الإنسانية في اليمن لا تزال بعيدة عن الحل، حيث لا يزال أكثر من نصف سكان البلاد؛ أي ما يعادل 18.2 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية ضرورية للبقاء على قيد الحياة، من بينهم 9.8 ملايين طفل.
وأكدت المنظمة خطورة استمرار حالات سوء التغذية بين الأطفال في اليمن، حيث يعاني أكثر من 2.7 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، بينما يعاني 49% من الأطفال دون سن الخامسة من التقزم أو سوء التغذية المزمن، وهو ما يشكل خطراً كبيراً على نمو الأطفال، حيث يُعيق نموهم الطبيعي ويُسبب لهم تأثيرات طويلة الأمد على نموهم الجسدي والعقلي قد لا يمكن علاجها.
ومن بين مآسي الحرب الأهلية في اليمن، أنها خلّفت مئات الآلاف من الأطفال المعاقين الذين يعانون من نقص حاد في الأطراف الصناعية أو الأجهزة التعويضية؛ مما يحرمهم من ممارسة حقهم في العيش حياة طبيعية كبقية أطفال العالم، حيث يواجه 4.9 ملايين شخص من ذوي الإعاقة في اليمن أوضاعًا معيشية غاية في الصعوبة وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
كارثة تعليمية تُهدد جيلًا بأكمله
وألقت الحرب الأهلية في اليمن بظلالها القاتمة على حاضر ومستقبل ملايين الأطفال، حيث حولت حقهم الأساسي في التعليم إلى حلم بعيد المنال، حيث دُمرت العديد من المدارس، وتعطلت العملية التعليمية بشكل كبير، وإلى جانب الدمار المادي، فاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في اليمن، ممّا أدى إلى تفاقم ظاهرة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، الأمر الذي أجبر العديد من الأسر على إرسال أطفالهم للعمل بدلًا من الدراسة.
ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، عانى قطاع التعليم في اليمن من انهيار شبه تام، حيث ارتفعت معدلات التسرب من المدارس بشكل غير مسبوق، وازداد عدد الأطفال المحرومين من التعليم بشكل كبير، حيث تشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 6 ملايين طفل يمني باتوا خارج نطاق التعليم، ممّا يُمثل كارثة إنسانية حقيقية تُهدد مستقبل جيل بأكمله.
وبحسب بيانات كتلة التعليم، يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، من بينهم مليون و410 آلاف فتاة، ومليون و251 ألف ذكر، وتمثل هذه النسبة ربع عدد أطفال اليمن الذي يقدر بحوالي 10.8 ملايين طفل.
إنّ حرمان الأطفال من التعليم في اليمن لا يُشكل مأساة إنسانية فحسب، بل يُهدد أيضًا بتفريغ البلاد من طاقاتها الإبداعية، ويُعيق تقدّمها على كافة الأصعدة.
تجنيد واستغلال الأطفال
ومواصلة لحصد أرواح الأطفال، أفادت تقارير صادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في مارس الماضي، بتجنيد آلاف الأطفال منذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2014م.
وتشير التقديرات إلى أنّ عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) قد تجاوز 10 آلاف طفل خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2021م، بينما وثقت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 1851 حالة فردية لتجنيد الأطفال أو استخدامهم من قبل الجماعة الحوثية منذ عام 2010م، وفقًا للمنظمة، التي قالت أيضًا: إن ممارسات تجنيد الأطفال لم تقتصر على جماعة الحوثيين، فقد أكدت بعض التقارير عن تورّط أطراف أخرى في الصراع، بما في ذلك الحكومة اليمنية، في هذه الجريمة.
وأفادت إحصائية أخرى صادمة لمنظمة «ميون» لحقوق الإنسان، وهي منظمة يمنية غير حكومية، أنّ أكثر من 7 آلاف طفل لقوا حتفهم بعد تجنيدهم في النزاع المسلح، وحملت بدورها جماعة أنصار الله المسؤولية الأكبر عن هذه الجريمة، التي اتهمتها بالتسبب في قتل 7020 طفلًا خلال سنوات الحرب، بينما حملت القوات الحكومية المعترف بها دوليًا مسؤولية مقتل 20 طفلاً.
وتُعدّ هذه الأرقام بمثابة جرس إنذار آخر يُنذر بخطرٍ داهمٍ يهدد مستقبل جيلٍ بأكمله، حيث حرمان الأطفال من حقهم الأساسي في الحياة إلى جانب حرمانهم من التعليم والصحة.
الحرب الأهلية التي استهدفت الطفل اليمني في حياته وصحته وتعليمه وطفولته البريئة ترسم صورة وحشية لا يمكن أن توافق عليها القيم الدينية أو الأخلاقية؛ لأن جيلًا يعد بالملايين يترك لمصيره في مواجهة الموت بدلًا من العيش بطفولة ورفاهية والإعاقة بدلًا من الرياضة والحركة، والتسول في الشوارع بحثًا عن الغذاء، إنقاذًا للذات في مواجهة سوء التغذية والتشرد، إنها المأساة التي يقف العالم كله متفرجًا عليها وكأن ما يحدث في اليمن لا يعنيه.
________________________
باحث متخصص في الشأن اليمني.