الصحفي الغزي محمود العمودي نموذج فريد للمؤمن الرسالي الواثق بربه الموقن بأن العاقبة للمتقين، صامد شامخ في شمال غزة ينقل معاناته ومعاناة الناس للعالم لعلهم يتحركون ويحدثون فرقاً، يحاول بكل ما أوتي من بلاغة في اللسان وإيمان راسخ في الجنان أن ينقل حال الأمة من العجز إلى النصرة المؤثرة، وكذلك يوجه رسائله المؤثرة لأهل غزة القابضين على الجمر يصبرهم ويثبتهم ويذكرهم، فتأتي كلماته الصادقة كالبلسم الشافي يمتزج في قلوب المكلومين، فيخرجهم من الألم إلى الأمل، ومن الضراء إلى الرجاء في السراء، وهو على الرغم من البلاء الشديد الذي يواجهه، حتى إنه كان يهيم على وجهه في طرقات غزة بحثاً عن قوت لعياله، فإنك لا ترى في قسمات وجهه إلا علامات الرضا بقضاء الله وقدره، وسكينة عجيبة في نفسه، واطمئناناً مذهلاً في صدره، ويقيناً راسخاً في قلبه، ولا نزكيه على الله.
إن المتتبع لرسائله القصيرة ليعجب من هذا النموذج الفذ، الذي يذكر المتابع بجيل الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين، ومن أقواله: «ما يحدث في غزة يزيد الإنسان إيماناً وثباتاً، ويرد العاصي والبعيد إلى دين الله تبارك وتعالى»، استحضرت بعد مشاهدة بعض رسائله قول الله عز وجل حكاية عن سيدنا يعقوب عليه السلام: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ) (يوسف: 94)، هذا اليقين الراسخ كالجبال في قلب نبي الله يعقوب عليه السلام لم يتزحزح حتى بعد مضي هذه السنين الطويلة، ومحاولات أبنائه المتكررة بصرفه عن هذا الأمر؛ (لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ) (يوسف: 94)؛ أي: تجادلون وتسفهون.
الصحفي العمودي نموذج فريد للمؤمن الرسالي الواثق بربه الموقن بأن العاقبة للمتقين
إن رسائل العمودي كلها تستهدف إيصال الناس داخل غزة وخارجها للإيمان بحتمية الفرج والنصر على الرغم من هذه الشدة التي لا بد منها لتمحيص المؤمنين ولرفع درجاتهم عند الله، فمنهم اصطفى شهداء، ومنهم من وفقه للصبر على البلاء، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
وذكرتني رسائله بالصحابي الجليل أنس بن النضر رضي الله عنه، الذي فاته حضور «بدر» مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لئن الله أشهدني قتالاً ليرين الله ما أصنع»، فلما كان يوم «أُحد» انكشف المسلمون فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء -يعني المشركين- وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- فمشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: أي سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، واها لريح الجنة، فقال سعد: يا رسول الله فما استطعت أن أصنع كما صنع، قال أنس بن مالك رضي الله عنه وهو ابن أخيه: فوجدناه بين القتلى به بضع وثمانون جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، فما عرفناه، حتى عرفته أخته ببنانه، فكنا نتحدث أن هذه الآية (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23) نزلت فيه وفي أصحابه.
فهذا يعقوب عليه السلام يجد ريح يوسف، وهذا أنس رضي الله عنه يجد ريح الجنة، وهذا العمودي يجد ريح الفرج والنصر.
هكذا هي أمة الإسلام تظهر رجالاتها وقت الشدائد في كل زمان، وما أكثر أبطال الإسلام! منهم من نعرف سيرتهم وأكثرهم لا نعرف عنهم شيئاً، والله حسبهم وحسيبهم.
اللهم ألحقنا بالمجاهدين في سبيلك، واستعملنا لنصرة دينك.