أكد د. علي محيي الدين القره داغي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه على علماء الأمة تبني قضايا المسلمين وبالأخص قضية فلسطين العادلة، وأن يبينوا للناس ويتقدموهم في الدفاع عن الحق الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
وقال خلال حوار له مع «المجتمع»: إن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني فريضة شرعية وفقاً للشرائع جميعاً بما فيها الشريعة الإسلامية، وأيضاً وفقاً للقوانين الدولية.
أين علماء الأمة من هذه الحرب القاسية على أهل غزة؟
– إن العلماء اليوم ليسوا متحدين على موقف واحد، ولكن الأغلب الأعم هم العلماء الربانيون الذين يتحدثون بما أمرهم الله تعالى به ويمثلون الحق بجلاء، وينطبق عليهم قول الله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب: 39)، هؤلاء يقومون بواجبهم بقدر استطاعتهم، ومن بينهم «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي تبنى قضايا الأمة بأجمعها، وبخاصة قضية فلسطين العادلة، بما فيها قضايا المسجد الأقصى وقطاع غزة، وعلى الرغم من عدم امتلاكهم جيوشاً، فإنهم يعتمدون على الفتاوى والخطب والمقترحات المحركة للأمة، وغيرها من أدوات القوة الناعمة في نصرة هذه القضايا.
وعندما وقعت حوادث الإبادة، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ اليوم الأول بياناً واضحاً وصريحاً، يدعو فيه الأمة إلى نصرة أهل غزة بكل وضوح، ويؤكد أن نصرتهم -عسكريا وسياسياً- واجب شرعي، كما دعونا إلى الجهاد المالي والمعنوي والمادي لمواجهة عدوان الاحتلال «الإسرائيلي» على غزة، وعلى عموم فلسطين، ولقد تناولنا هذه المسألة بتفصيل كبير، وأدعو الجميع لمراجعة بيانات الاتحاد بهذا الشأن.
وقف العدوان على غزة واجب ديني وقومي ووطني على الدول الإسلامية
كيف تقيِّمون تعامل الدول الإسلامية والعربية نحو كارثة الحرب على غزة؟
– بالنسبة لموقف الدول العربية والإسلامية، فإنه، للأسف، نجد أن معظمها يتسم بالتخاذل، باستثناء قلة قليلة ممن رحمهم الله، بل إن بعض هذه الدول، للأسف الشديد، تقدم دعماً صريحاً للاحتلال.
ورغم أن العديد من الدول قد أقامت علاقات مع هذا العدو الصهيوني المحتل والمجرم، فإنهم لم يقطعوا هذه العلاقات، وربما جمَّدها البعض فقط، ولكن حتى التجميد لم يتم كما ينبغي، وعلى الجانب الآخر، هناك دول قليلة تبذل كل ما في وسعها، لكنها لا تملك التأثير الكافي على الأغلبية، وبخاصة بين الدول العربية.
الواجب الحقيقي على الدول الإسلامية هو أن تقف بكل قوتها لوقف العدوان ومنعه، إلا أن ذلك لم يتحقق، فهذا واجب ديني، كما أنه واجب قومي ووطني، بل إنه واجب إنساني، وأقول أيضاً: إنه واجب تقتضيه المصلحة الإستراتيجية وبخاصة للعرب، فنيَّة دولة الاحتلال مكشوفة في توسيع دائرة الدولة اليهودية إلى الضفة والجولان، والأردن، وسوف ترون أنهم يطالبون بخيبر، والمدينة، لا سمح الله.
نتابع تقدم العديد من الدول غير العربية والإسلامية على الموقف العربي الإسلامي، برأيكم لماذا؟
– نعم، هذا صحيح، على سبيل المثال، دول أمريكا الجنوبية، مثل البرازيل، تتخذ مواقف متقدمة للغاية مقارنة بجميع الدول الإسلامية، وكذلك دولة جنوب أفريقيا تتميز بموقف متقدم جداً، وحتى بعض الدول الأوروبية غير الدول الكبرى تتبنى مواقف أقوى بكثير من مواقف الدول العربية والإسلامية، وهو أمر مؤسف للغاية بالنسبة لها ولمستقبلها الإستراتيجي.
مقاومة المحتلين تعتبر فريضة شرعية وإنسانية وفطرية وقانونية
هناك إعلاميون يروّجون لرواية الاحتلال بداعي الحياد أو الموضوعية، كيف نقيم هؤلاء بميزان الشرع؟
– أولاً: هؤلاء في الحقيقة ليسوا محايدين، بل إنَّهم منحازون للعدو، ويسوّقون له إعلامياً، فبالتالي فهم يدعمونه إعلامياً، ولا يخفى أن دور الإعلام أخطر من أي شيء آخر.
ثانياً: من الناحية الشرعية، وحتى الفِطرية، والقومية، لا يجوز لنا أن نتخذ موقف عدم الانحياز من عدو محتل غادر تجاوز كل الحدود، فقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهو في الإبادة والمجازر البشعة، فكيف يجوز الحياد؟! بل يجب أن نكون دائماً في صف الحق، مهما كانت الظروف، فالواجب هو الصدع بالحق والوقوف إلى جانبه.
يوجد باب في الفقه الإسلامي بعنوان «الجهاد»، أين يقع ما يحدث في غزة من هذا الباب؟
– الجهاد في الإسلام شامل لبذل كل ما في وسع الفرد، والجماعة، والأمة من جميع الجوانب العسكرية، والاقتصادية، والإعلامية، لخدمة قضايا الأمة، والدفاع عنها، ودرء الأخطار عنها، وأن هذا الجهاد في الإسلام ليس للعدوان والاعتداء، وإنما لحماية الضروريات الخمس من الدين، والنفس، ونحوهما.
وفي الإسلام، الجهاد ينقسم إلى نوعين؛ «جهاد طلب» و«جهاد نفر»، والأخير هو لطرد المحتلين من أرض الإسلام والمسلمين؛ وهذا يعني أن أرض المسلمين احتلتها دولة أو مجموعة غير مسلمة، أو تهددهم بالاحتلال، أو العدوان، فعندئذ يجب عليهم النفير والدفاع عن أنفسهم وأرضهم ودينهم، هذا الجهاد يُعتبر فرض عين على كل من يستطيع، حتى يتحقق تطهير الأرض من المحتلين ويزول التهديد، وعلى هذا الميزان يُحمل جميع الآيات والأحاديث الخاصة بالنفر، ومن ثم، فالجهاد في غزة اليوم هو جهاد نفر، ومن الواجب على المسلمين أن يدافعوا بكل ما لديهم من قوة عن غزة وأهلها، حتى يُزَال العدوان والاحتلال، ويُحقق النصر والتحرير لقطاع غزة وعموم فلسطين.
لا يجوز أن نتخذ موقف عدم الانحياز من عدو محتل تجاوز كل الحدود
كانت لكم دعوة خاصة للأزهر وشيخه بالتدخل، ما الدور الذي يمكن للأزهر القيام به في هذه الحرب؟
– للأزهر الشريف مكانة كبيرة في نفوسنا، وبخاصة في نفسي باعتباري أحد خريجيه، وكذلك لفضيلة شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب مكانته في قلوبنا وقلوب المسلمين، وقبل وقوع الاحتلال، وجهت إليه عدة دعوات ورسائل شفوية وعبر وسائل الإعلام، طالبت بأن يقودنا، باعتباره شيخ الأزهر الشريف، للذهاب إلى غزة، وعلى الرغم من مواقفه الإيجابية في هذه القضية، فإننا لم نتلقَ الاستجابة التي كنا نأملها.
هناك مشايخ يقللون من عمل المقاومة، في حين يفتي آخرون بوجوب دعمها بشتى الوسائل، فكيف يوفق المسلم بين هذه الآراء المتباينة؟
– أعتقد أن كل عالم تخلّى عن الظروف الخارجية المحيطة به لتوصل بسهولة إلى أن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم هي فريضة شرعية وفقاً للشرائع جميعهم، بما في ذلك الشريعة الإسلامية، وأيضاً وفقاً للقوانين الدولية، فمقاومة المحتلين تعتبر فريضة شرعية وإنسانية وفطرية، حيث إن الدفاع عن النفس والأرض والحقوق أمر مطلوب شرعاً وعقلاً وعرفاً؛ لأن جسد الإنسان لا يقبل الخضوع لأي اعتداء خارجي، فهذا موقف جميع العلماء الربانيين في العالم الإسلامي، بل موقف الشرفاء في العالم.