الأزهر يُصدر بيانًا “مجملا” يغطي به “التفصيل” الذي كان يجب أن يكون؛ حيث أصدر الأزهر الشريف على حسابه بمنصة (X) بيانًا بتاريخ 18 أكتوبر 2024م، الساعة 12.44 من ليلة الجمعة، بعد اليوم الذي ارتقى فيه السنوار.
والبيان تكون من ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى:
نعى فيها شهداء المقاومة الفلسطينية الأبطال، فقال: “ينعى #الأزهر_الشريف «شهداء المقاومة الفلسطينية» الأبطال، الذين طالتهم يدٌ صهيونية مجرمة، عاثت في أرضنا العربية فسادًا وإفسادًا، فقتلت وخرَّبت، واحتلت واستولت وأبادت أمام مرأى ومسمع من دول مشلولة الإرادة والقدرة والتفكير، ومجتمع دولي يَغطُّ في صمت كصمت الموتى في القبور، وقانون دولي لا تساوي قيمتُه ثمنَ المِداد الذي كُتبَ به”.
الفقرة الثانية:
أكد فيها أن هؤلاء الأبطال كانوا مقاومين بحق، ونفى عنهم أن يكونوا إرهابيين، فقال البيان: “ويؤكد الأزهر أن شهداء «المقاومة الفلسطينية» كانوا مقاومين بحق، أرهبوا عدوهم، وأدخلوا الخوف والرعب في قلوبهم، ولم يكونوا إرهابيين كما يحاول العدو تصويرهم كذبًا وخداعًا، بل كانوا مرابطين مقاومين متشبثين بتراب وطنهم، حتى رزقهم الله الشهادة وهم يردون كيد العدو وعدوانه، مدافعين عن أرضهم وقضيتهم وقضيتنا؛ قضية العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها”.
الفقرة الثالثة:
يدعو فيها البيان لفضح آلة الإعلام الصهيونية التي تشوه “رموز” المقاومة الفلسطينية في عقول شبابنا وأبنائنا، يقول البيان في فقرته الأخيرة: “والأزهر إذ ينعى «شهداء المقاومة الفلسطينية»، فإنه يُشدِّد على أهمية فضح كذب الآلة الإعلامية الصهيونية وتدليسها، ومحاولتها تشويهَ رموز المقاومة الفلسطينية في عقول شبابنا وأبنائنا، وتعميم وصفهم بالإرهابيين، مؤكدًا أن المقاومة والدفاع عن الوطن والأرض والقضية، والموت في سبيلها شرفٌ لا يضاهيه شرف”. انتهى البيان.
وقفات مع البيان:
أولاً: ما يلفت الانتباه هو أن الأزهر أصدر هذا البيان، فقط مجرد الإصدار يستحق التوقف للإشادة، وفي هذا الوقت بالذات الذي تعزم فيه القواتُ الصهيونية الإجهاز على المقاومة، حتى طالت يدهم ثلاثة من أبطالها وقادتها: العاروري، وهنية، وها هو السنوار يترجل حامل السلاح مقبلا غير مدبر، وفي هذه الأثناء التي تشهد خذلانًا مبينًا، أو ما وصفه بـ”مرأى ومسمع من دول مشلولة الإرادة والقدرة والتفكير”، فهذا موقف يحمد للأزهر الشريف، وهو يَسبح ضد التيار، ويصف العدو الصهويني بما يستحق، كما يصف المجتمع الدولي ومؤسساته بما يليق به.
ثانيًا: أن الأزهر وصفهم بوصف عظيم يَسبح فيه كذلك ضد التيار الذي جعل هؤلاء “إرهابيين”، لقد وصفهم البيان بأنهم “شهداء”، و”المقاومة الفلسطينية” و”الأبطال”، وكل وصف من هؤلاء يستحق وقفة، ويستحق التحليل في ظل ما نحياه من ظروف عصيبة أسلم فيها “النظامُ العربي” هذه المقاومة للعدو الصهيوني، إلا من رحم الله تعالى.
ثالثا: وصف البيان هؤلاء الأبطال الشهداء بأنهم كانوا “مقاومين بحق”، متمسكين بتراب وطنهم لآخر رمق، مُقبلين مشتبكين غير مدبرين، ولا مختفين في الأنفاق، ولم يكونوا إرهابيين كما روج العدوُّ وأتباعُه، وفي هذا تثبيتٌ لصورة الجهاد الحقيقي النقي الصافي على أرض فلسطين، مهما كانت الخلافات السياسية بين حركة المقاومة وغيرها؛ إذ وصف المقاومين بأوصاف شرعية معروفة، وهذا يعتبر بطولة في هذا الظرف العصيب؛ فثبَّت هذا البيانُ الصورةَ الصحيحة التي يجب أن تُثبَّت، ونفى الصورة الزائفة التي يجب أن تُنفى.
رابعا: يُمثل هذا البيانُ تخليدَ حقيقةٍ للتاريخ، وحرصًا على الأجيال المسلمة الصاعدة التي ستتلقى الروايات الرائجة بوصف هؤلاء بـ “الإرهابيين”، فيرد البيان على هذه الشبهة؛ لتكون كلمة يحفظها التاريخ عن الأزهر، ولا يحفظ ما قاله الأعداء وأتباعهم، ولتكون كلمةً باقيةً في عقبه للأجيال الناشئة، وفي هذا حرص على تخليد كلمة الحق، ونفي لكلمة الباطل، وهو ما يجب أن يحرص عليه خطاب العلماء.
خامسا: الآلة الإعلامية في الفضاء الإعلامي لا تقل خطورة عن الآلة العسكرية والسلاح في ساحة المعركة، الأولى تشكل العقول والوعي، وترسم الصورة الذهنية، ومن ثم تترتب عليه المواقف والإجراءات، والثانية تكتسح الأرض وتهلك الحرث والنسل وتحسم المعركة؛ ولهذا يحذر البيان من خطورة هذه الآلة، وفي هذا استنهاض لأبناء الأمة أن يحاصروا الآلة الإعلاية الصهيونية في العالم على وسائل التواصل كافة، ويفضحوا هذه الرواية الزائفة بالأدلة الدامغة والبراهين الساطعة، ويترجموا هذا الفضح بلغات العالم، ويخاطبوا به قادة الرأي ومؤسسات المجتمعات الحية، ورموز التحرر والأحرار في العالم، وهذا يُمثل شطر المعركة.
سادسًا: أن هذا البيان يأتي منسجمًا مع مواقف شيخ الأزهر د. أحمد الطيب مع القضية الفلسطينية، ومع بياناته السابقة التي أنكر فيها ما يجري على أرض فلسطين، وما يمارسه العدوُّ الصهيوني من تطهير عرقي وإبادة جماعية، وتدمير للبنية التحتية للمجتمع الغزي الفلسطيني، وداعيًا إلى إنقاذ هذا الشعب والتضامن معه وإسناده بكل وسيلة، كما أنكر فيها موقف المجتمع الدولي المتخاذل والذي كرره هنا.
لكن – والحق يقال – هذا البيان تقدم خطوة للأمام عن البيانات السابقة منذ بداية معركة طوفان الأقصى، حين تسامى عن خلاف بعض الأنظمة مع “أبطال المقاومة الفلسطينية”، وأصدر هذا النعي، متجاوزًا هذا الخلاف، ومتساميًا عن الأمور السياسية التي لا وقت لها الآن، ومُثبتًا الرواية الحقيقية لصورة هذه المقاومة للتاريخ والأجيال، وواصفًا لهم بأنهم: “شهداء” “المقاومة الفلسطينية” “الأبطال”، الذين يدافعون عن أرضهم، ويقدمون في سبيلها دماءهم وأرواحهم.