قد يتعجِبُ البعض من عنوانِ المقالِ في هذا الوقتِ الصعبِ، فأيُّ بُشارةٍ والأُمَّةُ تُعاني ما تُعانيهِ من تسلُّطِ الأعداءِ وسَفْكِ الدماءِ وقِلَّةِ النَّصيرِ وعدم النفير!!!
والحقيقةُ أنَّ البِشارةَ بالنصرِ مَنهجٌ نَبويٌّ وسُنَّةٌ مُبارَكةٌ، خاصَّةً أوقاتَ اشتدادِ الأزماتِ والنَّكباتِ. فقد اشتدَّ الأمرُ حينما هاجر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه الصديق رضي الله عنه، و لَحِقَ بهما سُراقةُ بنُ مالكٍ مُبتغِيًا دَلالةَ قريشٍ عليهما، وأخذَ الجائزةَ الثمينةَ المرصودةَ لمن يَدُلُّ عليهما. ولكن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم حَوَّلَ الأمرَ تمامًا، فبَشَّرَ سُراقةَ إنْ هوَ رَجَعَ دونَ الوِشايةِ بهما بما لم يَخطُرْ لهُ على بالٍ، فقالَ له: تَرجِعُ وأُبَشِّرُكَ بسِوَارَيْ كِسرى. فرَجَعَ، وبعدَ ستَّةَ عشرَ عامًا من ذلك التاريخِ فُتِحَتِ المدائنُ ولبِسَ سُراقةُ سِوَارَيْ كِسرى بنِ هُرمُز!!
وكذا حينما اشتدَّ الأمرُ على الصَّحبِ الكرامِ وهم يحفرونَ الخندقَ، وزادَ الأمرُ صعوبةً حينما وقفت لهم في الحفرِ صخرةٌ عظيمةٌ، فنزلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وضربَ الصخرةَ وأجرى منهجيتهُ في البشارةِ فقال: بسم الله، فضربَ ضربةً فكسرَ ثلثَها، وقال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ الشام، والله إنِّي لأبصرُ قُصورَها الحُمرَ الساعةَ، ثم ضربَ الثانيةَ فقطعَ الثلثَ الآخرَ فقال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ فارس، والله إنِّي لأبصرُ قصرَ المدائنِ أبيضَ، ثم ضربَ الثالثةَ وقال: بسم الله، فقطعَ بقيَّةَ الحجرِ فقال: الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيحَ اليمن، والله إنِّي لأبصرُ أبوابَ صنعاءَ من مكاني هذا الساعةَ.
وفي حديث البخاري من رواية عدي بن حاتم الطائي، قال: “أنا عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجلٌ فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخرُ فشكا إليه قطعَ السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيتَ الحيرة؟ قلت: لم أرَها، وقد أُنبِئتُ عنها. قال: فإن طالت بك حياةٌ، لترينَّ الظعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله”.
قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّارُ طيِّئٍ الذين قد سعَّروا البلاد؟!
“ولئن طالت بك حياةٌ لتُفتحنَّ كنوزُ كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟
قال: “كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياةٌ، لترينَّ الرجلَ يخرج ملءَ كفِّهِ من ذهبٍ أو فضةٍ، يطلب مَن يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه”.
قال عدي: فرأيتُ الظعينةَ ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياةٌ لترونَّ ما قال النبيُّ أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
هكذا كان صلى الله عليه وسلم ينشر التفاؤلَ والأملَ، فيمرُّ على ياسر وزوجتِه وابنهما عمار أثناء تعذيبهم، فيقول لهم: “صبرًا آل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنة”.
وإني لأسوق البشائرَ اليومَ اقتداءً بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسوقها مخاطبًا الأمةَ في قيادتِها وأفرادِها ومجاهديها ورجالاتِها ونسائِها.
فأقول للقائد السنوار، ومن سبقه من القياداتِ المجاهدةِ الصابرة من قضى منهم نحبه ومن ينتظر: فزتم وربِّ الكعبة، فزتم بما بشَّر به النبيُّ أصحابَه في بدر حينما قال : “والذي نفسي بيده، لا يقاتلهم اليومَ رجلٌ فيُقتل صابرًا محتسبًا مُقبلًا غير مُدبِرٍ إلا أدخله الله الجنة” فزتم فما رأيناكم إلا مُقبلين ثابتين محتسبين.
فزتم بالسياحة في جنات الرضوان، ففي الحديث: “إن أرواح المؤمنين طائرٌ يسيح في الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طيرٍ خضرٍ تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلَّقة تحت العرش.”.
فزتم بإيقاظ الهمة في الأمة وإعادتها إلى عزة الجهاد ومكانة الاستشهاد، فشهادتكم تُغني في الأمة عن ملايين الخطب والبرامج والمقالات عن الشهادة والاستشهاد..
فزتم والله، فإن كان فرح المنافقون والكفار باصطفائكم بالشهادة، فقد حزن لفراقكم أهل الصدق والوفاء والأحرار والأطهار، وكل مَن فيه خيرٌ في الدنيا من الرجال والنساء، مؤمنًا كان أو حتى كافرًا، صغيرًا كان أو كبيرًا
أبشِروا أهلَ غزَّةَ والقُدسِ وفلسطينَ.
لقدِ اصطَفاكمُ اللهُ تعالى لشَرَفِ الدِّفاعِ عن رايةِ الأمَّةِ ومُقدَّساتِها، وجعلَكم طليعةَ الفتحِ ومُقدِّمةَ الرَّكبِ وبصائرَ الطَّريقِ، وإنِّي لأعلَمُ آلافًا، بل ملايينَ من المؤمنينَ على وجهِ الأرضِ يَتَوقونَ إلى ساعةٍ من ساعاتِ جهادِكم، وليلةٍ من ليالي رِباطِكم، فإنَّ رِباطَ ليلةٍ من لياليكم قالَ عنهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “رِباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سوطِ أحدِكم من الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، والرَّوحةُ يروحُها العبدُ في سبيلِ اللهِ، أو الغَدْوَةُ خيرٌ من الدنيا وما عليها”.
بل لا أكونُ مُبالِغًا إن قلتُ إنَّ بعضَ الصَّادقينَ يتمنَّونَ أن يكونوا أحذيةً في نِعالِكم، فهنيئًا لكم ما اختصَّكمُ اللهُ تعالى بهِ من نِعمةِ الاستخدامِ، وصرفَ عنها غيرَكم
إلى المتطلعين إلى تحريرِ القدس ورفعِ رايةِ الإسلام...
أبشروا…فإن دماءَ المجاهدينَ لا تذهبُ سدى، ولكنَّها تُنبتُ في الأرض بركةً ونصرًا وثِمارًا ستحصدُ الأمةُ من خيرِها ما لا يخطر لها على بال..
أبشِروا.. فمعركةُ الحقِّ والباطلِ لا ترتبطُ بشخصٍ مهما كان عظيمًا، وإنما ترتبطُ بأسبابٍ تُبذل، وثباتٍ يظهر، وتضحيةٍ تُقدَّم، وسعيٍ لا يتوقَّف، ونشهدُ اللهَ أنَّ إخوانَنا المجاهدين فعلوا كلَّ ذلك، وشعبَ غزَّة قدَّم أكثرَ مما قدَّمه شعبٌ على البسيطةِ في عصرِنا الحاضر، وما وهنوا وما استكانوا، ولكن صبروا وثبَتوا وبذَلوا..
أبشِروا.. فإنَّ ذهابَ آخرِ ما في أيديكم، واستنفاذَ آخرِ ما في جعبتِكم، وموتَ آخرِ من تظنُّونَ أنَّه قائدُ نصركم،
، مُؤذِنٌ بالتدخُّلِ الربانيِّ، والفَتحِ السماويِّ، وتحقُّقِ القانونِ الربانيِّ، قال تعالى : حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوا۟ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا۟ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ . يوسف ١١٠
أبشِروا.. فإنَّ المقاومة ما قدَّمتْ قائدًا شهيدًا إلا ورزَقَها اللهُ تعالى مَن يُعوِّضُ غيابَه، بل ويزيدُ فتحًا وانطلاقًا، جيلًا بعد جيلٍ، لا تأخُّرَ ولا وقوف، بل تتقدَّمُ يومًا بعد يومٍ، ولن تتوقَّفَ بإذن الله، فهي مسيرةٌ انطلقتْ لتحرِّرَ الأقصى ولن تعودَ بغيره، ولن تتوقَّفَ قبلَه، ولن تهدأَ قبل إزالةِ الطغيان واستئصالِ شأفته.
أبشِروا .. فإنَّ الجيلَ الذي تربَّى على سيرتِكم العَطِرة قد أعلنَ الانحيازَ إلى مسلكِكم، ولن تنجحَ قوى الاستبدادِ العالمي والمحلي في إعادتِه إلى حظيرةِ الانبطاحِ والاستسلام، بل سيجدونَ جيلًا أصلبَ عودًا، وأقوى شكيمةً، وأحرصَ على الموتِ في سبيلِ الله أضعافَ حِرصِهم على الحياةِ في سبيلِ الشيطان.
أبشِروا… فإنَّ المعركةَ مستمرَّةٌ، والحقُّ أبلجُ، والباطلُ لججٌ، ويدُ اللهِ تعملُ، وحكمتُه بالغةٌ، وتقديرُه حكيمٌ، وتدبيرُه للدعواتِ أرشدُ من تقديرِ أهلِها لها.
أبشِروا فقد أسقَطَ اللهُ بثباتِكم راياتٍ طالما ملأتِ الدنيا بأكاذيبِها ودعاياتِها الباطلة، وأسقطَ منظماتٍ دوليةً ومحليةً طالما ادَّعت زورًا وكذبًا انحيازَها لحريةِ الإنسان، وكرامةِ المرأةِ، وحقوقِ الطفل، فصارَتْ أضحوكةً أمامَ العالمِ بأسرِه، حتى عند أكثرِ الذين كانوا يتحمسونَ لشعاراتِها يومًا ما!!
وأسقطَ راياتٍ كانتْ تدَّعي نُصرةَ الدينِ، وحمايةَ السُّنَّة، والسعيَ لإقامةِ الأمةِ، والنهوضَ بها، فإذا بها لا تنهضُ من قعودٍ، ولا تتحركُ من ثباتٍ، ولا تحمي سُنَّةً، ولا تُقيم شرعًا!!
أبشِروا… فقد ظهرَ للجميعِ خندقُ الإيمانِ الذي لا نفاقَ فيه، ورأوا بأمِّ أعينِهم خندقَ النفاقِ الذي لا إيمانَ فيه، وتلك واللهِ عاجلُ بُشرى المؤمنين، فقد قال اللهُ تعالى في محكمِ آياتِه: مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.:
وقال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. الأنفال ٣٧
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لايعلمون