في ظل غياب المساءلة الدولية الفاعلة واستمرار التجاهل العالمي لجرائم الاحتلال «الإسرائيلي»، يتفاقم الاستهداف المنهجي للأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية، ليشكل مشهداً دموياً يعكس وحشية الاحتلال وإفلاته من العقاب، فجرائم القتل والإصابة بحق الأطفال ليست مجرد أفعال عشوائية، بل تمثل إستراتيجية مدروسة تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني وضمان السيطرة الكاملة على الأرض والبشر.
الأطفال الفلسطينيون في الضفة الغربية يعيشون واقعاً مأساوياً، حيث يتعرضون يومياً لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه، العديد منهم يُقتل بدم بارد، سواء خلال توجههم إلى مدارسهم أو أثناء لعبهم في الأزقة، ومشاهد الطفولة المغتصبة هذه ليست استثناءً بل هي القاعدة في ظل نظام استعماري لا يعترف بالقانون الدولي ولا يكترث للمعاهدات التي تكفل حماية الأطفال زمن النزاعات.
الإحصاءات الرسمية تشير إلى أرقام مرعبة؛ مئات الأطفال قُتلوا وآخرون أُصيبوا بإصابات خطيرة، بالإضافة إلى اعتقال المئات منهم وتعريضهم للتعذيب وسوء المعاملة في سجون الاحتلال، هذه الممارسات لا تنتهك فقط حقوق الإنسان، بل تضرب عرض الحائط بكل الاتفاقيات الدولية التي تجرّم استهداف المدنيين، وخاصة الأطفال.
المفارقة تكمن في صمت المجتمع الدولي وتخاذله عن اتخاذ أي إجراءات حاسمة تجاه هذه الجرائم، فالدول التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وعلى رأسها الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، تتجاهل تماماً معاناة الأطفال الفلسطينيين، بل إن دعمها السياسي والعسكري غير المحدود لـ«إسرائيل» يجعلها شريكة ضمنية في هذه الجرائم؛ ما يضع علامات استفهام كبيرة حول صدق شعاراتها وازدواجية معاييرها.
الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكون الحصن الأخير للدفاع عن المظلومين، تكتفي بإصدار التقارير والإدانات الشكلية دون أي خطوات عملية لوقف هذه الانتهاكات، وتقارير منظمات حقوق الإنسان التي توثق هذه الجرائم تبقى حبراً على ورق، في ظل غياب إرادة سياسية دولية تفرض العقوبات على الاحتلال وتجبره على التوقف عن استهداف الأطفال.
الأثر النفسي والاجتماعي لهذه الجرائم يتجاوز حدود الفرد ليصيب المجتمع الفلسطيني بأكمله، فالأطفال الذين فقدوا أصدقاءهم أو تعرضوا للعنف يعيشون في دوامة من الخوف والقلق؛ ما يؤثر على تحصيلهم الدراسي وصحتهم النفسية، والمدارس، التي من المفترض أن تكون أماكن آمنة للتعلم، تحولت إلى مواقع خطر دائم بفعل الاقتحامات المتكررة من قبل قوات الاحتلال.
هذا الواقع يهدد مستقبل الشعب الفلسطيني بأسره، حيث إن جيلاً بأكمله ينشأ في بيئة تسودها الخوف والاضطهاد، وغياب الأمن والاستقرار يعوق تطور هذا الجيل ويمنعه من تحقيق تطلعاته في بناء مجتمع حر ومستقل.
الاحتلال «الإسرائيلي» يواصل استهداف الأطفال الفلسطينيين لأنه يدرك أن العالم لن يعاقبه، هذه الجرائم الممنهجة تعكس إفلاتاً كاملاً من العقاب، في ظل غياب منظومة عدالة دولية قادرة على محاسبة المجرمين، لكن الشعب الفلسطيني، رغم كل المعاناة، يواصل النضال من أجل حقه في الحياة والحرية.
إن الصمت الدولي على استهداف الأطفال الفلسطينيين وصمة عار على جبين الإنسانية، والمطلوب ليس مجرد الإدانة اللفظية، بل تحرك دولي حقيقي لفرض عقوبات على الاحتلال وتفعيل المحاكم الدولية لمحاسبته على جرائمه، وحده الضغط المستمر ورفع الحصانة عنه يمكن أن يوقف هذه المجازر اليومية ويضمن للأطفال الفلسطينيين حقهم في الطفولة والحياة الكريمة.
في نهاية المطاف، يمثل الأطفال الفلسطينيون الأمل الذي يرفض الاحتلال كسره، ومع غياب المساءلة، يبقى هذا الأمل معلقاً على وعي الشعوب الحرة وحركات التضامن العالمية التي تضع القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماتها، فالطفولة الفلسطينية تستحق أن تُحترم، وأن تحظى بحماية دولية تضمن لها مستقبلاً بعيداً عن القتل والتشريد.