خالد أبو عامر
باحث مختص في الشأن الاقتصادي الفلسطيني
بموازاة الحرب العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» في قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر 2023م، التي راح ضحيتها ما يزيد على 150 ألفاً ما بين شهيد وجريح ومفقود، تخوض دولة الاحتلال عبر وكلائها وداعميها في الخارج حرباً في الظل بعيداً عن الأدوات الخشنة التقليدية، والمتمثلة بسلاحي الاقتصاد والمال اللذين يقعان ضمن أدوات «الدبلوماسية الناعمة» التي لطالما وظفتهما في خدمة مشروع الإبادة في فلسطين.
نشطت الدبلوماسية «الإسرائيلية» كعادتها في كل مواجهة مع الفلسطينيين، في منح الحكومة وجيش الاحتلال شرعية وغطاء دولياً لتبرير مشروع الإبادة ضد الفلسطينيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عمدت هذه الدبلوماسية كحائط صد في مواجهة حملات المقاطعة وحشد التمويل المالي لتغطية الحملات العسكرية.
تقف خلف هذه الحملات مؤسسات الحكومة «الإسرائيلية» المعروفة؛ كوزارة الخارجية، ومكتب رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ، بالإضافة لدور خفي تقوده كيانات اقتصادية دولية رؤساؤها من اليهود، تعمل فيما بينها بشكل منسق مع مراكز القوى وصنع القرار في الدول التي تتواجد فيها، لتوفير مظلة اقتصادية وسياسية لخدمة مشروع حكومة الاحتلال.
نفوذ اقتصادي يتجاوز الحدود
يمثل يهود الخارج خزاناً بشرياً لا يقل تأثيرهم وأهميتهم عن اليهود المتواجدين في دولة الاحتلال، فوفقاً لآخر تقدير من مكتب الإحصاء «الإسرائيلي»، فإن يهود الخارج يقدر عددهم بـ8.6 ملايين، منهم 6.3 ملايين يعيشون في الولايات المتحدة، ونحو مليونين يعيشون في أوروبا وروسيا.
تأثير اليهود في الاقتصاد الأمريكي
على الرغم من أن اليهود لا يمثلون إلا 2.4% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، فإنه تزداد نسبة تمثيلهم في الجهات الاقتصادية المختلفة، وتحديداً في البنوك والوزارات، وهو ما جعلهم من الفئات التي تمارس دوراً في صنع السياسات الخارجية للحكومة الأمريكية.
ينبع ذلك من عدة اعتبارات، أهمها ارتفاع مستوى الدخل والإنفاق، إذ تتميز طبقة اليهود في الاقتصادات المختلفة بأنها من الطبقات ذوي الدخل المرتفع، فمثلاً يزيد الدخل السنوي لنصف الأسر اليهودية في أمريكا على 100 ألف دولار، وهو دخل يزيد بضعفين عن دخل الأسر الأمريكية العادية.
بموازاة ذلك، يعمل 48% من السكان اليهود في شركات ربحية، بينما يعمل 21% لحسابهم الخاص، و16% في منظمات غير ربحية، و13% يعملون في الحكومة.
يقف على رأس هذه المؤسسات والكيانات الاقتصادية منظمة «أيباك» (AIPAC)، التي توصف بأنها درة تاج المؤسسات اليهودية في الخارج، وهي تنشط كوسيط بين النخب وصُناع السياسات الأمريكية والشعب اليهودي، من خلال الدور الذي تمارسه في جمع التبرعات لتمويل الحملات الانتخابية الأمريكية سواء في مجلسي النواب والشيوخ وحتى الرئاسة، وما يترتب على ذلك من دور في توزيع المناصب الوزارية للحكومة الأمريكية ورسم السياسات الخارجية بما يخدم مشروع الاحتلال.
الدور الاقتصادي لليهود في الولايات المتحدة
استطاعت الشركات «الإسرائيلية» أن تتغلغل في الاقتصاد الأمريكي، فمنذ عام 2004م تمكنت 40 شركة «إسرائيلية» من الاستثمار في مقاطعة فيرفاكس بولاية فيرجينيا الأمريكية، ومنذ العام 2016م تم إدراج أكثر من 60 شركة «إسرائيلية» في بورصة ناسداك في نيويورك، فالعديد من الشركات البارزة في الولايات المتحدة أسهها يهود، التي تتنوع مجالاتها بين الأطعمة والمشروبات، مثل: سنابل، ودانكن دونتس، وهاجن داز، وبن آند جيريز، والتكنولوجيا، مثل: «فيسبوك»، و«جوجل»، و«أوركل»، وغيرها من الشركات الكبرى.
بموازاة ذلك، تشير البيانات الرسمية المتوفرة لدى مكتب الممثل التجاري الأمريكي إلى أن حجم تبادل السلع والخدمات بين الدولتين تخطى 50 مليار دولار للعام 2022م، فيما بلغت الصادرات الأمريكية 20 مليار دولار، ووارداته 30.6 مليار دولار، وصل العجز التجاري للسلع والخدمات الأمريكية مع دولة الاحتلال 10.7 مليارات دولار.
فيما صدرت الشركات الأمريكية 14.2 مليار دولار من البضائع، و5.8 مليارات دولار من الخدمات إلى دولة الاحتلال، وشملت الصادرات الرئيسة الآلات، والأجهزة الميكانيكية، والزجاج، والمعادن والمواد الكيميائية، وركزت صادرات الخدمات الأمريكية لدولة الاحتلال على قطاعات النقل والسفر والخدمات المالية.
وفي المقابل، صدرت الشركات «الإسرائيلية» 21.4 مليار دولار من البضائع، أهمها الأسمدة والحجارة النفيسة والإلكترونيات ومنتجات طبية، و9.2 مليارات دولار من الخدمات إلى الولايات المتحدة في العام نفسه، وبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر للشركات «الإسرائيلية» 10.6 مليارات دولار في عام 2022م في السوق الأمريكية، خاصة في مجال العقارات ومؤسسات التحوط المالي والتصنيع.
وبلغ الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي (FDI) في الكيان الصهيوني 42.5 مليار دولار عام 2022م، ويتوجه الاستثمار الأمريكي المباشر في دولة الاحتلال إلى مجالات التصنيع وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات المهنية، والعلمية، والتقنية.
ومنذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة عام 1985م، أصبحت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لدولة الاحتلال، وذلك بعدما نمت تجارة السلع والخدمات الثنائية بينهما 8 أضعاف، ولتسهيل التعاون الاقتصادي، تجتمع سنوياً مجموعة التنمية الاقتصادية المشتركة بينهما (JEDG) لمناقشة الشراكة الاقتصادية ومجالات النمو المحتمل.
كما تنسق الولايات المتحدة ودولة الاحتلال عن طريق عدة آليات، منها مؤسسة العلوم، ومؤسسة البحث والتطوير الزراعي، ومؤسسة البحث والتطوير الصناعي، ومؤسسة التعليم الأمريكية «الإسرائيلية»، وفي يوليو الماضي، عقدت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال حواراً إستراتيجياً رفيع المستوى حول التكنولوجيا للشراكة في التكنولوجيات الحرجة والناشئة لمواجهة التحديات العالمية.
تأثير اليهود في الاقتصاد الأوروبي
في القارة الأوروبية، يظهر تأثير واضح لليهود في الاقتصاد الأوروبي، ولكنه بصورة أقل من تأثيره في الاقتصاد الأمريكي، ومع ذلك تنشط أكثر من 912 شركة «إسرائيلية» في دول الاتحاد الأوروبي، تعمل منها 38% من الشركات الناشئة «الإسرائيلية» في مجال تكنولوجيا المعلومات، ثم قطاع الإنترنت بحوالي 19%، وتنتمي بقية الشركات إلى قطاعات أخرى بنسب تتراوح من 9 إلى 11%، باستثناء أشباه الموصلات التي تُشكل 1% فقط من حجم السوق.
يمثل قطاع المبيعات والتسويق واحداً من أبرز القطاعات التي ينشط بها اليهود في أوروبا بنسبة 50%، فيما تذهب 15% لعمليات البحث والتطوير، و10% للتشغيل، و5% في القطاعات الصناعية.
وتحتكر شركات يهودية قطاعات معروفة في مجال السلاح والأدوية، منها مجموعات «آر إي إيه» للتأمين، وشركة السكك الحديدية الشمالية، والشركة الاستثمارية، والبنك العالمي «روتشيلد وشركاه»، فضلاً عن امتلاكها شركة عقارات «Cogifrance».
وختاماً، يمكن القول: إن الانحياز الواضح والعلني من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية مرده سيطرة اللوبي اليهودي على اقتصاداتهما، فالتغلغل الاقتصادي لطبقة اليهود في هذه المجتمعات جعلها تؤثر على القرار السياسي، وقد بدا ذلك واضحاً بشكل خاص في الدعم اللامحدود الذي تلقته دولة الاحتلال من الولايات المتحدة والدول الأوروبية خلال حرب الإبادة التي شنتها على القطاع منذ 7 أكتوبر 2023م.