يبدو أن موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية تكبر وتتسع يوما تلو الآخر, بعد تصويت البرلمان البرتغالي، بالأغلبية، على مشروع القرار الذي يدعو الحكومة البرتغالية للإسراع في الإعتراف رسمياً
يبدو أن موجة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية تكبر وتتسع يوما تلو الآخر, بعد تصويت البرلمان البرتغالي، بالأغلبية، على مشروع القرار الذي يدعو الحكومة البرتغالية للإسراع في الإعتراف رسمياً بدولة فلسطين، على أساس حدود الرابع من يونيو عام 1967.
وبذلك يصبح البرلمان البرتغالي، خامس هيئة تشريعية أوروبية تعترف رمزياً بفلسطين خلال بضعة أسابيع، إذ سبقته برلمانات بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وايرلندا, فضلا عن السويد التي اعترفت الحكومة فيها بالدولة الفلسطينية, لتصبح أول دولة في أوروبا الغربية تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية, والثامنة في الإتحاد الأوروبي .
البرلمان الأوروبي الذي أجّل موعد التصويت على مقترح يدعو للإعتراف بالدولة الفلسطينية بناء على طلب من الحزب الشعبي -الذي يعتبر الحزب الأكبر في البرلمان الأوروبي صوت يوم الأربعاء الموافق 17 ديسمبر 2014 لصالح هذا المقترح بعد تأييد 498 برلمانياً واعتراض 88 وامتناع 111 عن التصويت.
وتطلب المذكرة غير الملزمة من البرلمانات الأوروبية من حكوماتها الإعتراف رسمياً بدولة فلسطين على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كما تنص على ذلك قرارات الأمم المتحدة”، وذلك على طريق تجسيد الدولة الفلسطينية التي تم الإعتراف بها في 29 نوفمبر عام 2012.
لكن هذا الاعترافات وإن لاقت ترحيبا دوليا وعربيا إلا أنها تثير نوعا من الجدل والانقسام في صفوف المحللين والمراقبين للشأن الفلسطيني والإسرائيلي.
فالبعض يرى أن هذه الإعترافات تصب في صالح القضية الفلسطينية وتكسر حالة الجمود السياسي للقضية لاسيما الفيتو الدائم بحق الاعتراف بالدولة، إلا أن البعض الآخر يرى أن هذه المسألة تصب في صالح الكيان الصهيوني فإعطاء الأولوية لهدف إقامة الدولة الفلسطينية والبحث عن اعترافات حكومية وبرلمانية بها يتضمن فوراً الاعتراف بالكيان الصهيوني، فضلاً عما سيجرهّ ذلك من شروط عليها حدوداً وتشكيلاً وتسلحاً ودوراً.
إنسداد الأفق
ومن جهتها تسعى السلطة الفلسطينية للجوء إلى الأمم المتحدة للحصول على عضوية داخل أروقتها , بعد أن وصلت المفاوضات مع دولة الإحتلال الصهيوني إلى طريق مسدود، وهي الخطوة التي كان يهدد بها رئيس السلطة محمود عباس.
وهذا ما عبّر عنه وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية الدكتور تيسير جرادات الذي بيّن أن الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي هو ما جعلنا نتحذ هذه الخطوة القانونية قائلا “نحن أعطينا فرصة أخرى لوزير الخارجية الأمريكي كيري ولكن خلال فترة 9 أشهر الماضية من المفاوضات ومن التدخل الأمريكي لم ننجح بالوصل إلى حل لأن الجانب الصهيوني كان يماطل بكل ما تم الاتفاق عليه، ولم يفرج عن الدفعة الرابعة من الأسرى حسب الاتفاق, وزاد الاستيطان بشكل كبير، بالإضافة إلى الممارسات والإجراءات الصهيونية بحق المسجد الأقصى, وسياسة التفرقة العنصرية, ومنع المصلين من الوصول إلى الأماكن الدينية، بالإضافة إلى هدم البيوت ومصادرة الأراضي، لافتا إلى أن اللجوء إلى المجتمع الدولي وإلى الشرعية الدولية جاء كمخرج من هذا الوضع.
وتختلف هذه الإعترافات عن استحقاق 2012, في أنها لا تعدو أكثر من توصيات قدمتها تلك البرلمانات لحكوماتها تطالبها بالإعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 وبالتالي فهي توصيات ومقترحات غير ملزمة لتلك الحكومات, ولن يكن لها تأثير كبير غير أنها تمثل خطوة رمزية للسلطة الفلسطينية
خطوة إيجابية
وحول انعكاسات تلك الإعترافات المتتالية من قبل البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية على القضية الفلسطينية يرى الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله أن هذه الخطوة لها أهمية كبيرة, وتأتي في سياق التطور الطبيعي الذي يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي, لافتا إلى أن الأحداث تسير في اتجاه صاعد لصالح الفلسطينيين, يقابله موجة سخط عالمية ضد إسرائيل.
وأوضح أن الدولة الفلسطينية عندما يتم الاعتراف بها فهذا يعزز ثقافة عند المجتمع الدولي تتمثل في أن دولة فلسطين دولة قائمة في الثقافة الدولية والثقافية الكونية, وما يتبقى فقط هو إنهاء الترتيبات اللازمة للإعلان عن إقامتها.
ولفت عطا الله في حديثه لـ”المجتمع” إلى أن الشعب الفلسطيني شعب حي وقائم له دولته وهذا يعزز شيئا مهما هو أن الشعب الفلسطيني لن يعود للوراء, واستطاع أن يكسر ولو قليلا الوعود التي تعطي اسرائيل الحق في إنشاء دولتها على الأراضي الفلسطينية , ولا أدلّ على ذلك من تحوّل التأييد الشعبي العالمي للفلسطينيين إلى تأييد شبه رسمي من خلال إعتراف البرلمانات والحكومات الأوروبية بالدولة الفلسطينية .
إعتراف بثمن
على الجانب الآخر المتعلق بالإنعكاسات على القضية الفلسطينية فإن إعطاء الأولوية لهدف إقامة الدولة الفلسطينية والبحث عن اعترافات حكومية وبرلمانية بها يتضمن فوراً الاعتراف بالكيان الصهيوني، فضلاً عما سيجرّ من شروط عليها حدوداً وتشكيلاً وتسلحاً ودوراً، هكذا يرى الكاتب والمفكر منير شفيق.
ولفت شفيق إلى أن جوهر الاعتراف بالدولة الفلسطينية لا يمثل ضغطا على حكومة نتنياهو فحسب، وإنما أيضاً لغماً تحت الحقوق والثوابت الفلسطينية التي يقف على رأسها عدم الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني.
ودعا المفكر العربي الشعب الفلسطيني للخروج من هذه المآزق الكارثية وتوجّيه مقاومته وانتفاضته وكل أشكال نضاله في الداخل والخارج لتحقيق الأهداف الأربعة؛ المتمثلة بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات عن الضفة الغربية وبتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى، وبلا قيد أو شرط.
واعتبرت السلطة الفلسطينية تلك الإعترفات بالدولة الفلسطينية نصرا جديدا يضاف للقضية الفلسطينية, وقد رحبت بتلك الخطوات من قبل البرلمانات الأوروبية وأكدت أن توالي تلك الدعوات بالاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة دليل إضافي على أن العالم قد ضاق ذرعًا باستمرار سياسات الاحتلال العنصرية وانتهاكاته ضد حقوق الشعب الفلسطيني .
إسرائيل المستفيد
وحول واقعية النصر للقضية الفلسطينية كما تصوّره السلطة الفلسطينية وتفخر به وتدعمه، يرى الكاتب عصام شاور أن تلك الاعترافات رمزية وغير ملزمة وبالتالي فإن مردودها على مشروع السلطة الفلسطينية لا يكاد يذكر.
وقال شاور لـ”المجتمع” إن أي اعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 يقابله تأكيد على شرعية الاحتلال الاسرائيلي للمناطق المحتلة عام 48 , وهذا يضر بالقضية الفلسطينية لإنه يعزز ما يسمى بشرعية الاحتلال اليهودي لفلسطين.
ولفت شاور إلى إمكانية شعور المحتل الاسرائيلي ببعض الضغوط التي تمارس عليه من قبل الدول الاوروبية في الاعترافات المتلاحقة بالدولة الفلسطينية وذلك لأن “اسرائيل” لا تريد التخلي عن أراضي الضفة الغربية أو أي جزء منها لصالح السلطة الفلسطينية وتريد التهرب من استحقاقات أوسلو المشئومة، ولكن في المحصلة ستكون “إسرائيل” هي المستفيد الأول لإن احتلالها لثلاثة أرباع الوطن أصبح أمرا غير قابل للنقاش كما هو الحال بالنسبة للربع الأخير, أو ما يسمى بأراضي السلطة الفلسطينية.
وذكر شاور في حديثه لـ”المجتمع” أنه إلى جانب الاعتراف الرمزي للبرلمانات الاوروبية هناك أكثر من 135 دولة اعترفت بشكل رسمي بدولة فلسطينية على حدود 67 منذ إعلان منظمة التحرير الفلسطينية وثيقة الاستقلال وقيام دولة فلسطينية عام 1988، متسائلا عن ما جناه الشعب الفلسطيني من تلك الإعترافات أو من قبول فلسطين كعضو مراقب في الامم المتحدة ؟
هل ستسجيب اسرائيل
وفي حال حصلت فلسطين على اعتراف رسمي بحقها في إقامة الدولة هل ستسجيب إسرائيل وتطبق ما يتضمنه الإستحقاق ؟
يقول الكاتب أكرم عطا الله، وهو مختص في الشأن الإسرائيلي، إن إسرائيل تعلن أن الإعترافات لا تعني لها شيئا على أرض الواقع , وأن العالم يقول ما يريد ولكن إسرائيل تفعل ما تريد, مشيرا إلى أن هذه التصريحات تحدث بها أكثر من مسئول إسرائيلي .
ولفت عطا الله إلى أن التعنت الصهيوني سيكون مؤقتا لعام أو عامين ولكن على المدى المتوسط لن يكون ذلك الرفض في صالح الإحتلال الصهيوني.
أما الكاتب عصام شاور فقال إن الرفض لن يكون فقط من قبل الاحتلال الصهويوني, وإنما أيضا المجتمع الدولي الذي يقف إلى جانب الكيان الصهيوني, مشيرا إلى أن المجتمع الدولي متواطئ مع المحتل الذي استباح القدس والضفة الغربية, وحاصر قطاع غزة, ودمرها فوق رؤوس أصحابها، في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية لا تحرك ساكنا لصالح فلسطين وشعبها حتى لو شاهدناهم يصفقون بحرارة للرئيس الفلسطيني، لافتا إلى أنهم يفعلون ذلك لأنهم يعلمون أن الفلسطيني الذي يختار الأمم المتحدة لتحرير وطنه لن يبلغ أهدافه مهما طال الزمان ولا بأس بالكثير من التصفيق.