واقع سورية في هذه الأيام الملتهبات يحكي قصة مأساة كبيرة، في كل شُعب الحياة، وسائر مفردات وتفاصيل مقومات وجود الإنسان
واقع سورية في هذه الأيام الملتهبات يحكي قصة مأساة كبيرة، في كل شُعب الحياة، وسائر مفردات وتفاصيل مقومات وجود الإنسان، من المنام إلى الاستيقاظ، ويا لها من كارثة، ويا كبرها من مصيبة، والحمد لله على كل حال، ونظام «الأسد» المجرم يفعل الأفاعيل بأهلنا وشعبنا، وبات معلوماً للقاصي والداني أن معركة الشعب السوري حقيقة أصبحت مع نظام إيران، والعمليات بقيادة المجرم «قاسم سليماني»، وكل أذرع هذا النظام الخبيث تشارك في هذه الجريمة المنكرة، وفي مقدمة هذه التشكيلات «حزب الله» اللبناني، و«كتائب أبو الفضل العباس»، وغيرهما من الفصائل والتشكيلات، كل ذلك من خلال بُعد طائفي نتن، شعارهم الخبيث فيه «لن تسبى زينب مرتين».
عدد الشهداء تجاوز 300 ألف شهيد، وربما زاد على هذا الرقم؛ لأن الإحصاءات غير متوافرة بالدقة المطلوبة؛ بسبب الوضع العام في سورية، وهذا بحد ذاته يؤشر على طرف من الذي أشرنا إليه قبل، وإن المتأمل في هذا الأمر يدرك ما يتركه من ندبات ونكبات وآثار، ومن ذلك عشرات الآلاف من اليتامى، وعدد مهول من الأرامل، أما المعوقون والجرحى فحدِّث عن هذا ولا حرج، وهذه القضايا كلها لها استحقاقاتها المترتبة على الحدث كنتيجة.
نصف الشعب مشرد
أما عدد اللاجئين والنازحين والمشردين، فقد بلغ نصف الشعب السوري، سواء في الداخل السوري من الذين يعيشون في المخيمات، أو من الذين تكون المأساة قد أعلنت عن نفسها، بثوبها الذي اتشح بالحزن، واللاجئون في دول الجوار كتركيا ولبنان والعراق والأردن، وفي بعض الدول العربية، ومن الذين هاجروا إلى أوروبا، يحكي واقعهم قصص «مخيم الزعتري» وبعض الساسة في لبنان، وطوابير السوء في بعض الدول التي لا تعرف قيمة من قيم العروبة والإسلام، بله الإنسانية.. مع الشكر لكل الدول التي آوت ونصرت وقدمت وأعانت، ولعل تركيا في مقدمة هذه الدول؛ و«من لا يشكر الناس، لا يشكر الله».
إن 70% من الأراضي السورية محررة، ولكن مازالت لغة التوازن هي اللغة السائدة – رغم كل بشائر الخير، وجوانب الأمل، والانتصارات العظيمة، وظهور الشعب السوري بهذه القوة والتضحية والفداء، مما يرفع الرأس، ويبرهن على خير قادم – فترى تقدم الثوار يوماً، ويتأخرون يوماً آخر، النظام يسيطر على منطقة، يأخذها الثوار في اليوم الثاني، والعكس يحصل أحياناً، وهناك مناطق ثابتة بيد الثوار منذ زمن بعيد.
وأهم التشكيلات على الأرض فتتمثل في رئاسة الأركان للجيش الحر، والجبهة الإسلامية، التي تضم: أحرار الشام، وجيش الإسلام، وألوية صقور الشام، ولواء التوحيد، ولواء الحق، وجبهة ثوار سورية، وهيئة دروع الثورة، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام.
ومن أكبر المشكلات التي تواجه عمل الداخل والقوى الثورية:
– قلة الدعم وضعفه، خصوصاً في السلاح والذخيرة.
– عدم وجود قيادة مركزية موحَّدة تجمع كل الفصائل، ولو على هيئة «وحدة تنسيقية»، وهناك بوادر طيبة، مثل مبادرة «واعتصموا»، وميثاق الشرف الثوري الذي أصدرته بعض القوى الثورية، يصلح أرضية للقاء هذه القوى، وهناك جهود ومحاولات، يجب أن تأخذ دورها؛ حتى تحقق هذا الهدف السامي، الذي إن وجد، سيكون من أسباب النصر، بإذن الله تعالى.
استمرار المجازر
النظام المجرم يستمر في ارتكاب مجازره، ويلقي ببراميله المتفجرة على رؤوس الآمنين، فهدمت مدن، وسالت دماء، وانتشرت الأشلاء، وصارت رائحة الدم في كل زاوية.
وظهرت مشكلة بعض التنظيمات التي سيطرت على بعض المحافظات والمدن والقرى، وتصرفت بطريقة منفّرة، وأعطت صورة مشوّهة عن القيم والمبادئ الصحيحة، فصارت مشكلة من المشكلات التي تواجه الثورة إن على المستوى الداخلي، أو على المستوى الخارجي، حتى بدأت الدول الكبرى تعلن عن تحالف دولي لمقاومة التنظيم، وربما تجاوز عدد الدول الحليفة أكثر من 50 دولة! فانحرف المسار، وباتت عربة القضية في غير طريقها، فنسي المجتمع الدولي والحلفاء شعب سورية والمجازر التي ارتكبت بحقه، تركوا المجرم الإرهابي «بشار الأسد» وشبيحته ومخابراته، ومن معه من قوى الظلام، يعيثون في سورية أرضاً وإنساناً وكل شيء فساداً، وهذا من الكيل بالمكاييل المتعددة.
من هنا كان موقف القوى الغيورة رفض الانخراط في هذا التحالف الذي ظاهره الحرب على الإرهاب، وباطنه قضايا لها أول وليس لها آخر، وخاطبوا التحالف: أن إذا أردتم حرب الإرهاب بصدق فأثبتوا حسن النية بالبدء بالمجرم الكبير، والإرهابي الخطير، نظام الجريمة والقتل والفساد.
كما أن ظهور هذه القوى (الغريبة) ترك آثاراً سيئة في نفوس بعض المتعاطفين مع الثورة من المسلمين في أنحاء العالم؛ لأن ظاهر الصورة يحمل معاني مرفوضة بكل المقاييس، ويزرع في أعماق القلب حسرات؛ مما حدا ببعضهم أن يتصرف بطريقة خاطئة، ويرفع يده عن ثورة الشعب السوري؛ بحجة النأي بالنفس عن الفتنة.. وهذا غير صحيح، فالمسلم أخ للمسلم، لا يتركه في خضم المحنة، ولا يتنازل عنه وهو في وسط بلواه، بل يجب أن يعينه في كل أموره وقضاياه، ولا يجوز أن نرجع على القضية بالإبطال؛ لأن بعض المعوقات برزت في وسط الطريق.
مكاييل متعددة
وفي خضم هذه المحنة الكبيرة، وقوى التحالف تستبيح سورية، حتى قتلت أطفالاً ومدنيين، تبرز لنا قضية مدينة «كوباني»، في «عين العرب»، فتقوم الدنيا ولا تقعد، وتظهر من جديد – بلون آخر – المكاييل المتعددة، وليْتهم بكوا على سورية وصاحوا، كما فعلوا مع كوباني، بلد احترقت، وهم ساكتون، سورية دمرت، وكأن شيئاً لم يكن، شلالات الدم في كل زاوية، وهم يتسلون بالحدث السوري، وكأنه نزهة سياسية، أما كوباني؛ فتجيش الجيوش، وترسل الأسلحة، وتلقي المساعدات من الطائرات، أما جنوب دمشق المحاصر، وغيره من المناطق المحاصرة الذي أكل أهله الأخضر واليابس، بل أكلوا حتى القطط والكلاب، فلا مجيب، ولا مساعد.. إنها الكيل بالمكاييل المتعددة، التي يندى لها الجبين، وتشكل – بجملتها – تاريخاً يُكتب بصحائف من ظلام، وأسفار من نار.
سيناريوهات المستقبل
هناك عدة احتمالات للحل السوري، ونهاية هذه القضية، يمكن إجمالها، في أربعة احتمالات:
الأول: الحل السياسي: على شاكلة «الجنيفات» وقد فشلت، وخلاصة الحل السياسي الذي يمكن أن يكون مقبولاً عند شريحة كبيرة من السوريين، وفي ظاهر الأمر تؤيده كثير من دول العالم؛ زوال المجرم «بشار الأسد» ومن معه من المجرمين الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين، والاتفاق على هيئة حكم انتقالي، كامل الصلاحيات، يعمل على إعادة هيكلة الجيش والأمن وسائر مؤسسات الدولة، مع عودة المهاجرين، والبدء في عملية إعمار سورية، والتهيئة لمرحلة جديدة؛ للتوافق على دستور، وإجراء انتخابات، وتحقيق العدالة الانتقالية.
هذا الحل يروق للساسة، وكثير من السوريين، وترفضه بعض القوى الثورية على الأرض التي ترى أن الحل محصور في الاحتمال الثاني.
الثاني: الحل العسكري: ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن سورية لن تنعم بالخير والحرية والكرامة، وتتمتع بقيم العدل، إلاّ إذا أُسقط هذا النظام، واقتلع من جذوره، من خلال الجهاد والقتال، وأنه لن نضع السلاح حتى تحقق الثورة أهدافها، ثم بناء سورية الجديدة.
وربما كان هذا أحسن الحلول لو توافرت الشروط الموضوعية لنجاحه، من دعم مادي، وتقديم سلاح نوعي، ووحدة صف، واجتماع كلمة.. وعلى كل حال، تقوية الجانب العسكري جزء مهم حتى في الاحتمال الأول (الحل السياسي)؛ لأن الحل السياسي ما لم ترافقه قوة عسكرية فاعلة على الأرض سيكون ضعيفاً، فاستمرار العمل العسكري وتقويته جزء مهم لأي حل وتحرك سياسي.
الثالث: احتمال التقسيم: هل ستؤول سورية إلى تقسيمها؟ وهل هي ذاهبة إلى خيار الدولتين أو أكثر؟ هذا ما يتحدث عنه بعض الساسة، وينشرون خرائطه المحتملة، ومنها «خريطة كارتر»، ومشاريع أخرى.
والشعب السوري بكل تكويناته الثورية والسياسية والاجتماعية والدينية والمذهبية يرفض هذا الخيار، وهناك صيحات نشاز تنادي بهذا، والشاذ النادر لا حكم له.. هذا أولاً، وثانياً: في ظاهر الأمر تقسيم سورية مرفوض عربياً ودولياً.
وعلى كل حال، فإن مقاومة خيار التقسيم واجب شرعي، وضرورة وطنية، وينبغي الحذر من الدخول في مربعات هذا الأمر بصورة أو بأخرى، خصوصاً وأن هذا الخيار ربما يرتب له – حسب بعض المؤشرات – من النظام السوري والإيراني، حلاً بديلاً قد يلجؤون إليه.
الرابع: إعادة تأهيل النظام، والمحافظة عليه، من قبل القوى العالمية الكبرى، مع إجراء مصالحات شكلية، وهدن مصنعة، وإصلاحات في ظاهرها تكون هكذا، وفي حقيقتها تصب في خانة أخرى، ومن لوازم هذا الحل، القضاء على القوى الثورية التي لم تستسلم لهذا الحل، تحت عنوان مكافحة الإرهاب، والتحالف الدولي المعد لهذا الغرض موجود، ولكنه حل بئيس، ومرفوض، وغير واقعي، وليس عملياً، فالنظام محترق، وهو في طريقه إلى الزوال، والذين يعملون على إعادة تأهيله كمن يحاول إعادة الحياة لميت.
وآخر حلقات القضية السورية مبادرة «دي مستورا»، المبعوث الدولي إلى سورية، والتي تتجلى في المهمة الأولى له وهي تجميد القتال في سورية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى أين يريد «دي مستورا» أن يصل بالقضية السورية؟ هل يسعى للحل الأول (الحل السياسي)، أم للأخير (إعادة تأهيل النظام)، أم سيعود بخفي حنين، كما عاد من قبله «عنان»، و«الإبراهيمي»؟
مجرد تساؤلات، وننتظر الأيام القادمات.