من الواضح أن ظاهرة “داعش” أدخلت الكثيرين في جدال لم ينتهي بعد إلى تحديد طبيعتها ومستقبلها ومن يقف وراءها وما هي أهدافها الحقيقية وغيرها من الأسئلة التي ظهرت للعلن منذ أن انتشرت قوات “داعش” كالنار في الهشيم ما بين سوريا والعراق
من الواضح أن ظاهرة “داعش” أدخلت الكثيرين في جدال لم ينتهي بعد إلى تحديد طبيعتها ومستقبلها ومن يقف وراءها وما هي أهدافها الحقيقية وغيرها من الأسئلة التي ظهرت للعلن منذ أن انتشرت قوات “داعش” كالنار في الهشيم ما بين سوريا والعراق.
روسيا ليست بعيدة عن هذا الجدال، فالاهتمام الروسي بهذه الظاهرة يتمثل في مسألتين مهمتين: أولها ما مدى تأثير هذه الظاهرة على الحالة الإسلامية العامة في روسيا ككل، وفي منطقة القوقاز على وجه الخصوص، على اعتبار العدد الكبير للمسلمين القاطنين في روسيا، إضافة إلى أولئك المهاجرين القادمين من دول آسيا الوسطى المسلمة. والمسألة الثانية تتعلق بالتصريحات التي تأخذ على محمل الجد، أو تلك التهديدات التي جاءت على لسان بعض المقاتلين أو القادة العسكريين من شمال القوقاز المنضوية تحت راية “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، بتهديدهم بعمليات عسكرية في روسيا ردا على المساعدات التي تقدمها موسكو لنظام الأسد.
وحول هذا الموضوع عقدت في 9 ديسمبر من العام الجاري، طاولة مستديرة بمبنى وكالة “نوفوستي” للأنباء، شارك فيها عدد من الخبراء ومسئولي المؤسسات الإسلامية في روسيا، حيث أكد غالبيتهم على ضرورة أن تقوم الدولة الروسية بدعم الإسلام المعتدل بشكل أنشط للوقوف أمام هذه الظاهرة وتحدياتها.
أسباب ظهور “داعش”
وفي معرض نقاشهم حول أسباب ظهور “داعش”، “الورم الخبيث” كما وصفه محمد صلاح الدينوف، رئيس المجلس الإسلامي الروسي، أجمع المتحدثون على وجود عوامل اجتماعية جدية ساعدت في ظهور هذه البنية، إضافة إلى الإحباط الذي يشعر به كثير من مسلمي الشرق الأوسط من نتائج “الربيع العربي”، الذي لم يجلب العدالة والحرية الحقيقية لبلادهم، وكان له دور هام في تشكيل الإيديولوجيا المتطرفة لـ “الدولة الإسلامية”، كما يقول الفيلسوف والمؤرخ علي بولوسين.
ويضيف بولوسين بأن منظمة “داعش” أساسها الأيديولوجي يتمثل في “يوتوبيا” (هي أفكار متعالية تتجاوز نطاقَ الوجود المادّيّ للمكان) اجتماعية-رومانسية. وقد تم تبنيها بحماسة من قبل أناس لا يعرفون إلا القليل عن الشريعة الإسلامية والفقه، أو على الأغلب من المهمشين غير المتعلمين. ولكن موقف الفئات المستنيرة من المجتمع الإسلامي كان معاكساً”.
مشروع إعلامي ترويجي
يرى الخبراء أننا أمام ظاهرة جديدة ملفتة للانتباه تتمثل في استعمال المنظمات “الجهادية” وعلى رأسها “داعش” المستوى الرفيع تقنياً للدعاية لما يقومون به من عمليات. ويرجعون ذلك إلى التمويل الذي تحظى به هذه المنظمات، داخليا وخارجيا، حتى أن رينات نظاميدينوف، رئيس تحرير وكالة أنباء “إسلام نيوز”، وصفها “بالمشروع الإعلامي المُرَوَّج له”.
داعش في روسيا
وبالرغم من أن منطقة نفوذ “داعش” بعيدة نوعا ما على الحدود الروسية، إلا أن تقديم تنظيم الدولة نفسه على أنه بديل لعالم تسود فيه اللا مساواة والفساد يجعلها خطيرة على المجتمع المسلم في العديد من البلدان ومن بينها روسيا.
ويرى شاميل سلطانوف، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية روسيا والعالم الإسلامي، خطورة “الدولة الإسلامية” تمكن في أنها “ظاهرة سياسية جديدة، فهي شبه دولة تحكمها جماعة من المتعصبين الدينيين وتعتمد على بنية معقدة تعمل بكفاءة”.
وبالرغم من تشكيكه في فرص نجاح مشروع الدولة الإسلامية، معتبرا أنها لا تملك مقومات التطور، وأنها ستمنى بالهزيمة مثلها مثل طالبان أفغانستان، ومع ذلك يبقى تأثير أفكارها على ضعاف النفوس وقليلي المعرفة الدينية ممكن، وإن تجاهل قوتها قد يكون خطيرا للغاية.
إن اندلاع حربين في شمال القوقاز، جرح ما يزال ينزف في العديد من المناطق والخطر لا يزال يحدق بالمجتمع وإمكانية استغلال أفكار “داعش” من قبل أعداء روسيا ومن يعمل بالإطاحة بها وبمصالحها،أمر غير مستبعد، خاصة إذا استحضرنا العملية الأخيرة في مدينة جروزني، وعلاقتها بما يسمى بإمارة القوقاز، التي أعلنت قيادتها العسكرية، منذ زمن طويل، انتماءها وولائها لتنظيم القاعدة.