عبدالعالي زواغي
يبحر يوميا العشرات من الشباب المنحدرين من مختلف البلدان العربية، على متن زوارق بدائية يتكدسون فيها بشكل يوحي بأنهم سردين معلب، يشقون عباب البحر و الأمل يحدوهم في الوصول إلى الضفة الأوربية علهم يحظون بحياة أفضل من تلك التي يحيونها في بلدانهم، برغم المخاطر الحقيقية التي يعيشونها أثناء رحلتهم المشؤومة، والتي قد تكون الموت في أغلب الأحيان.
رحلة بدون تأشيرة
قضى مؤخرا 400 شخص في حادث غرق قارب للمهاجرين السريين قرب السواحل الإيطالية، ومن المؤسف أن الذين هلكوا أغلبيتهم من العرب، وهي طبعا ليست سابقة في تاريخ الهجرة السرية، فعلى مدار عقود من الزمن اشتهرت سواحل المغرب العربي بهذه الظاهرة التي صارت حلما للبعض يسعى لبلوغه بكل الوسائل المتاحة، حيث أن أغلب المهاجرين ومن مختلف الشرائح، يفضلون هذه الطريقة للهجرة إلى الفردوس الأوروبي لأنها لا تكلف كثيرا ولا تتطلب تأشيرة “فيزا” من الدولة المستضيفة، قد لا يحصلون عليها طوال حياتهم باتباع الطرق الرسمية، مع أن البحر قد يتحول أيضا إلى مقبرة تدفن فيها أحلامهم وتأكل أسماكه من أجسادهم ولا تبقي منها شيئا، أو قد ينتهي بهم المطاف إذا وصلوا إلى الأراضي الأوربية، خصوصا إسبانيا وإيطاليا، في المحتشدات والملاجئ الخاصة بالمهاجرين السريين أو الترحيل المباشر نحو بلدانهم.
الهجرة السرية
ازداد نشاط الهجرة السرية عن طريق الزوارق خلال السنوات الأخيرة، بفعل الثورات المضادة والأحداث التي تعيشها بعض البلدان العربية، فاهتدى الكثير من العرب، وبالتحديد التونسيين والليبيين والجزائريين والمغاربة والمصريين والفلسطينيين أو حتى اللاجئين السوريين مؤخرا، إلى البحث عن طريق مختصر لبلوغ أوروبا هروبا من الأوضاع التي يعيشونها في بلدانهم، سواء الحروب أو عسر المعيشة والملاحقات الأمنية والتضييق على الحريات السياسية والفكرية، حيث تتوفر شبكات مختصة في تهريب البشر بليبيا وتونس والجزائر والمغرب، تمتلك خبرة وباعا طويلا في هذا النشاط.
و تحوز على دراية عميقة بالطرق البحرية البعيدة عن أعين حراس السواحل من الضفتين، وهذه الشبكات تجني الكثير من المال مقابل نقل أعداد كبيرة من الناس في قوارب لا تتوفر فيها أدنى المعايير الأمنية والإنسانية، مع إجبارهم على حمل ما خف وزنه وثقلت قيمته، زيادة على القليل من الطعام الذي لا يتعدى في أحسن الأحوال معجون التمر لمقاومة الجوع وقنينة ماء تقي من العطش، وغالبا ما تتم الرحلة في الليل مع الإختيار الدقيق للظروف المناخية وحالة البحر، و الإنطلاق من مناطق معزولة لا يرتادها الناس.
أوروبا ليست الفردوس
وقعت العديد من الحوادث المأساوية نتيجة هذه الظاهرة، إلا أنها لم تكبح جماح الحالمين بالعيش في الفردوس الأوروبي المزعوم، خصوصا وأن القلة القليلة فقط من ينجحون في تخطي الرقابة الأمنية المشددة والتنقل بين بلدان أوروبية أخرى معروفة بتسامحها النسبي مع تدفق المهاجرين لأسباب إنسانية، في حين يلاقي الباقون مصيرا مجهولا وحتى استغلالا في أعمال شاقة و ممارسات غير أخلاقية، ومساومات وصلت إلى الطلب الصريح بالعمل كجواسيس لصالح مخابرات دول أوروبية، حسبما جاء في تقارير تناقلتها في أوقات سابقة بعض وسائل الإعلام استنادا إلى شهادات مهاجرين سريين، أما البعض الآخر الذين ينخرطون في الحياة الأوروبية، فهم يواجهون البطالة الحتمية في ظل قلة المؤهلات والأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا، كما يجدون صعوبة في تأمين لقمة العيش لولا المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية والكنسية.
إجراءات لوقف الظاهرة
بالنسبة للطرف الأوربي، فهناك حالة من الإمتعاض الشديد، وتخوف جدي من استفحال الظاهرة وتفاقمها بعد اندلاع الثورات المضادة في المنطقة العربية، حيث باتت الكثير من الدول تعقد المؤتمرات وتتدارس مختلف الخطط التي بإمكانها وقف زحف هؤلاء المهاجرين وتفادي تبعات هذه الظاهرة، باعتبارها تثير الكثير من المشاكل المالية والأمنية والإنسانية، وخوفا أيضا من خلق “جيوب إرهابية” داخل بلدانها، حيث ستشرع هذه البلدان مستقبلا في استغلال أسراب من الطائرات بدون طيار عالية التكنولوجيا من أجل مراقبة السواحل على مساحات بحرية شاسعة، ووقف تحرك الزوارق في مواطنها الأصلية، وتكثيف التعاون مع بلدان حوض المتوسط المعنية بالظاهرة والإنخراط في محاربتها بمختلف الطرق والوسائل.